البحث

التفاصيل

الغلو في السياسة!

الرابط المختصر :

الجماعة الاسلامية تستقبل وفداً مشتركاً من بلدية صيدا والهيئة الاسلامية للرعاية

كل من لديه معرفة بالشريعة الإسلامية التي جاء بها خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، يعلم أن السياسة، وشؤون الحكم؛ هي من صميم الدين ومحاسن التشريع.. بل لا نبالغ، إذا قلنا إنها: من أهم وأعظم الوسائل، التي تحقق، المقاصد الكبرى للشريعة؛ من حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض.

 

وتزداد أهمية السياسة وتدبير الحكم، في واقع الأمة الإسلامية المعاصر، ومع تبدل المجتمعات، وذلك بسبب توسع سلطان الدولة والحكم، وتغول الشأن السياسي، ودخوله في كل كبير وصغير من شؤون الناس!

 

ومن الجهل، وإضاعة الوقت؛ استبعاد الإصلاح السياسي، من مشروع الإصلاح الديني العام، ومن يفعل ذلك، فهو إما جاهل بطبيعة الشريعة الخاتمة، أو أنه يخلط ما بين الإسلام وممارسة بعض الإسلاميين، أو أنه يرى في طهر الإسلام تقاطعا مع شهواته وأطماعه، ومن رام حياة دون دين، كمن رام دينا لا حياة فيه!

 

هذا كلام عام مجمل.. ونادراً ما يقع الخلاف والاختلاف، حول هذه العموميات؛ فالسؤال والخلاف، ليس في التسليم بعلاقة الشريعة بالدنيا، إنما الخلاف في معرفة الشريعة وتعريفها، وطبيعة تلك العلاقة وتصنيفها، ودوائرها، وضوابطها، ومعرفة مجال تداخل الشرعي "التوقيفي" الذي يفتقر لورود النص إيجابا وتحريما، مع الدنيوي "الإباحي" الذي يفتقر للنظر للمصلحة الواقعة أو المتوقعة.

 

تناول تلك العلاقة وضوابطها ومجالاتها وطرق تقنينها، وطرائق تفعيلها.. باب واسع، وطريق لاحب، إنما أردت تنبيه بعض المصلحين والدعاة لمسألة أخرى لا تقل خطورة عن فصل الدين عن الدنيا، أو توجيه الحكم بالشريعة.

 

هذه المسألة هي "الغلو" والانغماس، والانشغال بشؤون الحكم والسياسة، على حساب رسالة الداعية والمثقف في تأهيل الفرد، وإصلاح المجتمع.

 

لقد انشغل كثير من الدعاة، والمثقفين، بالشأن السياسي؛ ما بين متابعة أو تعقيب، ونقد أو تعليق، ونهي أو تحريض، ومناكفة أو مبادرة.. حتى تضخّم شأن السياسة، وسدَّ كلَ الآفاق، وضيّق على قرائح الدعاة الخِناق، وحَجَبَ عن أعيُن المصلحين آفاقاً واسعةً من طرائق الإصلاح، وغفلوا عن المنهج القرآني الذي يؤكد على أن الإصلاح والتغيير الحقيقي هو ذلك التغيير الذي ينبع من داخل النفس، ويصدر عن القناعات الراسخة، ويبدأ بالقلب والعقل، ويحرك الضمير والوجدان، ويصحح الفكر والميزان، ويرتقي بالأخلاق والآداب، قبل أن يطالب بتغيير وسائل الحكم، أو يراهن على شخص الحاكم.

 

فصلاح الشأن العام، أو تغيير "ما" بالقوم من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية، لا يمر إلا عبر تغيير "ما" بأنفسهم من معارف، وقيم، وسلوك، لقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...}

 

فإذا انتشرت الجهالة، وتراجعت الأخلاق، وانعدمت المروءة، وصار المنكر معروفا، والمعروف منكرا، والأمين خائنا، والنذل مستشارا، والفاجر مرشدا.. وتفاضل الناسُ بالدرهم والدينار، وأهانوا العالمَ، وصدّروا الجُهالَ، وتنامت بينهم البغضاء والأحقاد.. فلن يغني عنهم يومها، أي شكل من أشكال النظام السياسي، ولو تأمر عليهم إمامٌ عادلٌ كعمر بن عبد العزيز!

 

كتبت هذه المقالة، لأذكر نفسي، وإخواني، وأخواتي، بأن لا يجعلوا من الشأن السياسي قبلة "وحيدة" لجهدهم وجهادهم، ولا يهدروا فيه أوقاتهم وأعصابهم، ولا يجعلوا من إقباله وإدباره، معيارا لنجاحهم وإخفاقهم، ولا يصنعوا من كسبه وخُسْرِه، مِزاجا لنفوسهم.. وليقبلوا على خدمة الناس، وتعليمهم، وجمعهم على قيم الإسلام، وليتعهّدوا الناشئة، والشبابَ، قبل أن يصيبهم، ما أصاب غيرهم، وليعلموا أن للخير أبوابا مهجورة، قلّ فيها الزحام، وغفل عنها المصلحون، وتكاثر على عتباتها الغلاة والجفاة، لازالت تحتاج لجهودهم المباركة، وأياديهم المتوضئة.

 

تحلوا بالأمل الفسيح، فإن الخير في أمتنا وافر متجدد، والمستقبل لهذا الدين، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}



: الأوسمة



التالي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينعي عدنان الدليمي
السابق
القره داغي يتحدث عن العمل الإيجابي في بلاد الغرب في هانوفر الألمانية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع