البحث

التفاصيل

تحرير القدس في ذكرى الإسراء والمعراج

الرابط المختصر :

 عاش العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها قبل أيام ذكرى الإسراء والمعراج ، مرت هذه الذكرى هذا العام ككل الأعوام السابقة والمسرى أسير كأهله وأبناء أرضه المباركة ، واستذكر العالم الإسلامي ذكرى أخرى هي ذكرى تحرير هذا المسرى وأرضه المقدسة المباركة ، هي ذكرى استعادة مدينة القدس من أيدي الغزاة وتحرير درة مقدساتها المسجد الأقصى المبارك من قبضة الأعداء ،
ففي عام 1099 سقطت مدينة القدس في يد الفرنجة الغزاة بعد حصار استمر خمسة أسابيع . وأعقبت سقوطها مذبحة رهيبة , واستبيحت المدينة وسكانها على مدى ثلاثة أيام بالنهب والسلب والقتل ، وارتكبت فيها المذابح المروعة والجرائم البشعة . وبقيت الجثث فى أرجائها وشوارعها عدة أيام ، فبلغ عدد من قتل منهم في ساحات المسجد الأقصى المبارك (70) سبعين ألفاً معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ .
كان سقوطها مؤلماً وشديداً على المسلمين في كل مكان ، وهالهم هذا المصاب الجلل ، لكن الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي استطاع أن يحررها وأن يخلص المسجد الأقصى المبارك من نير الاحتلال بعد 88 عاماً ، ولكن لم يكن إنجازه هذا نتيجة جهوده الفردية فقط ، بل كان نتيجة عمليات إصلاح جذرية متراكمة ومتضافرة بذلها أسلافه فأكمل السير على نهجهم ، جهود ضخمة امتدت على مدى عقود طويلة ، وأسهمت فيها فئة عظيمة وطائفة عاملة مجاهدة من الأمة وهم أهل مصر والشام ، أجيال متعاقبة قامت بهذه الأعباء والمسؤوليات ،
فبسبب تردي أوضاع الأمة وانحدارها وانكسارها في ذلك الزمان ، وبسبب ضعفها وهوانها نجح أعداؤها الفرنجة في اجتياحها واحتلال مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك :
* فمن الناحية الدينية هناك خلل في الفكر والسلوك ، كان الجهل سائداً في معظم أبناء الأمة ، وكذا بعدهم عن تمثّل أحكام الدين والالتزام بتعاليمه ، وانتشار البدع والخرافات والضلالات ،
* وأما في المجال السياسي ففساد الحكام واستبدادهم واقتتالهم وضعف ولائهم للأمة واضح ، وبسببهم عاشت المسلمون عهداً من الاختلاف والتمزق والفرقة ، فهناك دولة عباسية سنية في بغداد ، ودولة فاطمية شيعية في مصر ، وكانت بينهما نزاعات وحروب ، بل بلغ الأمر بالفاطمينن أن استعانوا بالفرنجة ضد العباسيين ، وقتلوا الأمراء والعلماء المنادين بالجهاد ضد الصليبيين كالوزير السلجوقي نظام الملك والقائد سنقر وابنه عماد الدين وغيرهم ،
* وفي ميدان الاقتصاد عمّ الغلاء الفاحش واحتكار الأقوات ، وغرق الأغنياء في الترف وانغمسوا في الشهوات ، وشاع الفقر المدقع بين معظم الناس لكثرة الضرائب المفروضة عليهم ،
فالمطلوب إذن للخلاص من احتلال الفرنجة وطردهم خطة كبيرة ، وبرنامج شامل يتضمن هذه العناصر الأساسية الثلاثة ، ولعل أبرز دور في ذلك كله كان لدولة السلاجقة ووزيرها نظام الملك :
أ- من ذلك مثلاً إنشاؤه المدارس على نطاق واسع ، فكان لها دور كبير في نهضة الجيل الجديد ، وإخراجه من الجهل والشبهات الفكرية والعقائدية ، وفي تقوية العلاقة بين العلماء والأمراء ،
ب- ومن ذلك أيضاً اهتمامه بتعيين النخب والأكفياء في المناصب القيادية والسيادية والإدارية في الدولة : فقد عين القائد المشهور تاريخياً سنقر أميراً على الموصل نظراً لجهاده وحسن سياسته وإدارته ، فعمل على توحيد العراق والشام .
وعين من بعده ابنه الشجاع عماد الدين ، فاهتم هذا القائد ببناء الدولة : فوحد أكثر أقاليم الجزيرة ثم بلاد الشام ، واستعان بالسلطان السلجوقي في الدفاع عن بغداد ، وبعد ذلك كله بدأ بحرب الصليبيين وتحقيق الانتصارات عليهم .
وحمل الراية من بعده ابنه نور الدين الذي استطاع الجمع بين تطبيق احكام الشريعة وبناء حياة الناس والاستفادة من معطيات الحياة والعصر ولكن وفق الرؤية الإسلامية ، وعمل هو الآخر على توحيد الأمة فأنهى الخلافة الفاطمية على يد أكبر قادته صلاح الدين الأيوبي ، وكان لتوحيد مصر والشام تحت قيادته أثر هائل في طرد الفرنجة الغزاة ، واستمر في حربهم والدفاع عن أرض المسلمين حتى استعاد أكثر من خمسين مدينة من أيديهم ، وكان قد أمر الصُّنّاع في حلب ببناء منبر للمسجد الأقصى المبارك ، وكان يطوف به البلاد والمدن الإسلامية لاستنهاض الهمم وتحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه توفي قبل أن تقرّ عينه بذلك ،
فاستلم الراية من بعده قائده صلاح الدين الأيوبي الذي كان دائم الحزن والبكاء ألماً لأن بلاد الشام ومدينة القدس ما زالت بيد الفرنجة ، وقد بلغ به الأمر أنْ روى حديث الابتسام من غير أن يبتسم لأن المسجد الأقصى المبارك تحت الاحتلال . بدأ صلاح الدين بتحصين مصر بعد إعادتها لحضن الدولة العباسية ، وعمل على بناء قوتها العسكرية فأنشأ أسطولها البحري بحيث صار قوة مرهوبة فى البحر الأحمر وفى البحر الأبيض المتوسط على السواء ، واهتم بتأمين خطوط المواصلات البحرية والتجارية في اليمن لقطع الطريق على الصليبيين ، وبعد أربعة عشر عاماً من هذا التخطيط والتنفيذ المتواصل قام بحرب الفرنجة في معارك كثيرة ، توَّجها بمعركة حطين التي كان في إثرها فتح مدينة القدس وتحرير المسجد الأقصى المبارك وتطهيره من دنس الاحتلال ، فدخلها في يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب المحرّم عام 583هـ ، أي في ذكرى الإسراء والمعراج ، لم يسفك فيها دماً ، ولم ينتقم لمن قتل ظلماً وعدواناً من المسلمين يوم أن غزاها الهمج من الفرنجة الغاصبين ،
قام صلاح الدين بنصب منبر نور الدين زنكي في مكانه من المسجد الأقصى المبارك بجانب المحراب ، وظل منذ ذلك اليوم حتى وقوع جريمة إحراق المسجد على يد السائح الصهيوني مايكل دينس روهان في يوم 21/8/1969م ، ولكن بحمد الله تم بناء المنبر من جديد وإعادته إلى مكانه برعاية المملكة الأردنية الهاشمية .
نظف المسلمون المسجد ، وأُعِيد إلى ما كان عليه قبل الاحتلال الغاشم ، وغُسِلت الصخرة بالماء الطاهر، ثم أعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر ، وأبرزت للناظرين والزائرين ، ووُضِع الصليب الضخم عن قبَّتها ، وعادت إليها حرمتها.
كانت الفرحة كبيرة والبهجة عظيمة غامرة بالفتح الكبير ، فقد تسامع المسلمون بفتح بيت المقدس , فأتوه رجالاً وركباناً من كل جهة لزيارته وليشهدوا هذا اليوم العظيم الذي علت فيه راية الحق ، حضرت هذه الجموع أول جمعة أُقِيمت في اليوم الرابع من شعبان بعد يوم الفتح بثمانية أيام ، ولما أذَّن المؤذن للصلاة عين صلاح الدين القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيباً للجمعة ، فلبس الخلعة السوداء شعار الدولة العباسية ، فاعتلى المنبر وخطب بالناس وصلى الجمعة بهم
وختاماً أقول :
ما أشبه الليلة بالبارحة من حيث الواقع والتطلعات والمسؤوليات ، فعلى الرغم من الواقع المزري المؤلم الذي تعيشه أمتنا اليوم ؛ إلا أن وعد الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإعادة تحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك حقيقة إيمانية راسخة في عقيدتنا ؛ فهو { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } النجم 3-4 ، وإننا على يقين لا يرقى إليه شك بأن الله عز وجل سيقيّض من أبناء هذه الأمة من سيعيد تحريرهما أمثال صلاح الدين وقادة الفتح الإسلامي ، وما ذلك على الله بعزيز ، قال تعالى { فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } المعارج 7


: الأوسمة



التالي
السامري والعجل وقطاع غزة
السابق
بيان الأمانة العامة للمجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث “ حول تحديد بداية شهرى رمضان وشوال لعام 1438هـ- 2017م”

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع