البحث

التفاصيل

في ذكرى يوم الأرض.. فلسطين وقف إسلامي لا يجوز التفريط بها

الرابط المختصر :

أحيا أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان بالوطن والشتات وبالأخص أهل الأرض المحتلة عام 1948، يوم الخميس 30 مارس 2017م، الذكرى الخالدة ليوم الأرض، هذه الذكرى التي تعتبر رمزاً للتشبث بالأرض والهوية والوطن، وعنواناً لرفض كل سياسات الاحتلال الساعية إلى سلخ الشعب الفلسطيني عن هويته الوطنية والعربية والإسلامية، فعلى الرغم من مرور 41 عاماً على أحداثها، وما يقرب من 70 عاماً على النكبة؛ إلا أن الشعب الفلسطيني ما زال يعتبر “يوم الأرض” يوماً وطنياً بامتياز.


 


تعود أحداث هذا اليوم إلى عام 1976؛ حيث قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية العنصرية بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية تحت غطاء مرسوم صدر رسمياً في عام 75 أطلق عليه اسم مشروع "تطوير الجليل"، وحقيقته "تهويد الجليل"، أما السبب المباشر لأحداث يوم الأرض فهو مصادرة 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها في منطقة الجليل في فلسطين التي احتلت عام 48 وتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطط تهويد الجليل، وهدفت إسرائيل تحديداً إلى إقامة مدينة حريش في منطقة وادي عارة في الشمال والتي تستوعب 150 ألف يهودي من المتدينين، أي ما يفوق عدد السكان العرب الأصليين هناك، رافق القرار إعلان حظر التجول على قرى”سخنين” و”عرابة” و”دير حنا” و”طرعان” وطمرة” و”كابول” من الساعة 5 مساء. 


 


على إثر ذلك قررت لجنة الدفاع عن الأراضي بتاريخ 1/2/1976 م عقد اجتماع لها في الناصرة بالاشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية، وأعلنت الإضراب العام الشامل في 30 مارس احتجاجاً على المصادرة، وتوالت إجراءات الاحتلال، فهب الفلسطينيون في مظاهرة يوم 29/3، وتم تفريقها بالغاز المسيل للدموع، وأعلنت سلطات الاحتلال أن جميع المظاهرات غير قانونية وهددت بإطلاق النار على المنظمين، لكن الفلسطينيين لا يرهبون التهديدات، فانضم المعلمون وطلاب المدارس إلى الإضراب، وشاركوا في المسيرات العامة والمظاهرات التي جرت في جميع أنحاء البلدات العربية المحتلة، وتزامنت معها إضرابات ومسيرات تضامنية أيضا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي معظم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.


 


كان رد الاحتلال عسكرياً دموياً، إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى والبلدات الفلسطينية، وأطلقت النار عشوائياً فاستشهد أحد المتظاهرين، فانطلقت الجماهير الغاضبة صبيحة اليوم التالي 30/3 في مظاهرات عارمة من الجليل في الشمال إلى النقب في الجنوب، فاستشهد خمسة آخرون وجرح عشرات من المدنيين العزل، وعلى الرغم من مطالبة الجماهير العربية سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتشكيل لجنة للتحقيق في قيام الجيش والشرطة بقتل مواطنين عُزَّل يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة؛ إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التّام.


 


كانت تلك الأحداث الأولى من نوعها في فلسطين منذ عام 1948 احتجاجاً على السياسات الإسرائيليّة، فقد تحدى الفلسطينيون سلطات الاحتلال بعد سنوات طويلة وعقود من محاولات التطبيع وغسيل الأدمغة ومحو التاريخ والهوية والإقناع بالتعايش مع نظام عنصري، فأكدت هذه الأجيال للاحتلال أن الكبار وإن ماتوا فإن الصغار لم ينسوا قضيتهم العادلة ولن ينسوها مهما طال بهم الزمن، فقد توارثوا مآسيها وأحداثها وتفاصيلها من الآباء والأجداد، ولم يفقدوا انتماءهم لأرضهم وحبهم لوطنهم، فهم مؤمنون بأن حقوقهم الوطنية والتاريخية لا تسقط بالتقادم، وموقنون بأن ثوابتهم الوطنية ستبقى هدفاً لكل أبنائهم , فالاحتلال بإذن الله تعالى إلى زوال ككل الاحتلالات التي سبقته عبر التاريخ.


 


وأذكّر أمتنا وعلماءنا وقادتنا بأن فلسطين بكاملها هي أرض وقف إسلامي؛ أوقفها قادة الفتح الإسلامي والصالحون والعلماء من أبناء هذه الأمة الذين وقفوا أراضيها وعقاراتها على مصالح المسجد الأقصى المبارك، أو على جهة بر لا تنقطع في فلسطين تقرباً إلى الله تعالى، فما من شبر فيها من رأس الناقورة شمالاً إلى أم الرشراش (إيلات) جنوباً إلا ورقبة أرضها قد أوقفت وقفاً خيرياً صحيحاً من قبلهم، فعلوا ذلك اقتداء برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أقطع الصحابي الجليل سيدنا تميم ابن أوس الداري رضي الله عنه أرض الخليل عليه وعلى إخوانه وأعقابهم أبد الآبدين كما ورد في نص الإنطاء النبوي الشريف، وهو أول إقطاع في الإسلام؛ حيث إن الإقطاع من صور الوقف.


 


وفعلوا ذلك أيضاً اقتداء بالملك الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي أوقف الأرض الواقعة غرب المسجد الأقصى المبارك (ساحة البراق) على المجاهدين والمرابطين من أبناء المغرب العربي الذين أسهموا في تحرير مدينة القدس من احتلال الفرنجة والتي عرفت فيما بعد بِحارة المغاربة، وكذلك اقتداء بأبي مدين الغوث من المغرب العربي الذي أوقف الأوقاف الشاسعة في مدينة القدس، وكذلك أوقاف عقارات القدس وأراضيها سواء الخيرية والذرية، واقتداء أيضاً بأوقاف خاصكاي سلطان في منطقة بيت لحم وفاطمة خاتون في منطقة جنين؛ وهما من سيدات الدولة العثمانية. وهذا على سبيل المثال لا الحصر فالأوقاف في ارض فلسطين كثيرة جداً، ويستطيع الباحث أن يتأكد من صحة ذلك بالرجوع إلى سجلات محكمة القدس الشرعية وإلى الأرشيف العثماني في أنقرة.


 


والسبب وراء تنافس أبناء الأمة في وقف أرض فلسطين يكمن في قداستها ومكانتها الدينية وفي فهمهم العميق لآية الإسراء التي أكدت إسلاميتها إلى يوم الدين، وسبب آخر هو حرصهم على حفظها من الغزاة والمحتلين وعبث العابثين ومن تسول له نفسه بالتفريط ولو في ذرة من ترابها، فالحكم الشرعي والقانوني أن رقبة الأراضي الوقفية لا تباع ولا توهب ولا يجوز التنازل عنها من أي شخص كان لأي سبب كان ولأية جهة كانت، فإنها بهذا الوقف تكون قد خرجت عن ملك أصحابها إلى ملك الله تعالى أي: على مصالح الأمة الإسلامية، وعلى ما قصد الواقفون بوقفهم هذه الأراضي من انتفاع جهات البر ووجوه الخير التي لا تنقطع كالفقراء والمساكين وطلبة العلم ومصالح المساجد وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك في القدس والحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، أو على ذُرِّيَّات الواقفين أبد الآبدين ثم بعد انقراضهم إلى وجوه الخير والبر التي لا تنقطع وهو المعروف بالوقف الذُّرِّيّ.


 


فأيّ تصرف بهذه الأرض كما بينتُ هو باطل بطلاناً مطلقاً، وكل من يعمل على تمكين الأغيار من هذه الأرض المباركة أو يسهم في ذلك بأية صورة فهو مرتد عن دينه ويستحق النبذ والخزي والعقوبة الرادعة له ولأمثاله في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة، فقد رويت بدماء الأخيار والأبرار من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وتابعيهم من الصالحين والمجاهدين والعلماء والفقهاء الذين دافعوا عنها وبذلوا من أجلها دماءهم الزكية وأرواحهم وأموالهم لتأكيد قداستها المستمدة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.


 


ولهذا -وعلى مدار التاريخ الإسلامي- حينما كانت تتعرض هذه الأرض المباركة للاحتلال أو الغزو كان أبناء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها يتوحدون لتحريرها وتطهيرها من الغزاة والمحتلين، فهي عنوان كرامتهم وشرفهم ومعيار مجدهم وعزتهم، فإذا هانت هانوا كما هو حاصل الآن، وإذا عزت عزوا كما حصل بتحريرها من الفرنجة والتتار على يد صلاح الدين وقطز والظاهر بيبرس وغيرهم من الأبطال الصناديد من قادة وأبناء هذه الأمة.


 


إن الإحياء الحقيقي لهذه الذكرى يكون بصياغة مشروع فلسطيني عربي إسلامي للدفاع عنها، وتمكين أبناء الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه والبناء والسكنى فيها، واستصلاحها واستثمارها وإعمارها وتنميتها، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التفريط بذرة من ترابها، دون الاكتفاء بالمظاهر الإعلامية، وهكذا فإننا نلفت نظر الأمة والعالم أجمع إلى ما تتعرض له الأرض المقدسة من سلب واغتصاب ومصادرة، وتغيير معالمها وتهويدها وانتهاك لمقدساتها وطمس لهويتها وحضارتها، وكل ذك لن يغير من حقيقة كونها أرضاً إسلامية بقرار رباني من فوق سبع سماوات، قال تعالى {سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ} الإسراء 1



: الأوسمة



التالي
رئيس مكتب الاتحاد بكردستان العراق البنجويني: ما سلم الشيعة الموصل لداعش إلا ليتخذوا ذلك وسيلة للعودة اليها تخريبا وتدميرا وإبادة سكانها بمعاونة كل أعداء الاسلام
السابق
العرب السنة في العراق المأساة وآفاق الحل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع