البحث

التفاصيل

سيبقى الأذان بالقدس وفلسطين إلى يوم الدين

الرابط المختصر :

تمثل مدينة القدس وأرض فلسطين المباركة أرض رباطٍ وجهادٍ إلى يوم القيامة، فقد نقل لنا مؤلف كتاب الأنس الجليل قوله صلى الله عليه وسلم {يا معاذ إن الله سيفتح عليكم الشام من بعدي من العريش إلى الفرات رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة فمن اتخذ ساحلاً من سواحل الشام أو ببيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة}، وهو دون الصحيح من الأحاديث النبوية من حيث الدرجة.

 

     فحديث القرآن الكريم وبالأخص سورة الإسراء عن المسجد الأقصى المبارك وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكانته وفضل الصلاة فيه، تبشر بأن فتح القدس سيكون للإسلام وللمسلمين. وقد كان، فقد فتحت روحياً بالإسراء والمعراج، فارتبط المسجد الأقصى المبارك بالمسجد الحرام ارتباطاً عقائدياً مصيرياً؛ أوحى للمسلمين أن ضياع أحدهما ضياع للآخر، بل ضياع لمقدسات الإسلام جميعاً.

 

     وازداد هذا الارتباط العقائدي باتخاذ المسجد الأقصى المبارك قبلة للمسلمين في صلاتهم المفروضة، فقد روى الصحابيّ الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه {صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم صرفنا نحو الكعبة} رواه مسلم.

 

علم المسلمون عظيم الأجر على الجهاد والمرابطة في سبيل الله تعالى، فقد قال تعالى {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آل عمران 200، وقال صلى الله عليه وسلم {رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها} رواه البخاري، فكيف به إذا كان في القدس أرض الرباط والجهاد إلى يوم الدي !

 

وعلموا كذلك ما تمثله هذه المدينة المباركة في ط العقائدي بالقدس والأقصى أن جعله الله قبلة للمسلمين في صلاتهم، فتعلقت بها قلوبهم وحرسوها وكرّموها، وهبُّوا للدفاع عنها كلما تعرضت للغزو أو الاحتلال، واعتبروا التخلي عنها تفريطاً في العقيدة لا يمكن أن يصبروا عليه لأنه طعنٌ لهم في عزتهم وكرامتهم ومظهرٌ لهوانهم.

 

أما الفتح الحقيقي لها فالبداية كانت بالفتح العمري الذي كرّس إسلاميتها، وعزز طابعها الإسلامي، إذ أنها فلم تُرَق فيها قطرة دم، واشترط بطرقها الأكبر صفرونيوس أن يسلم مفاتيحها للخليفة نفسه، فاستجاب عمر وخرج من المدينة إليها في رحلة تاريخية، وتسلم مفاتيحها دون سائر المدن المفتوحة، وعقد مع أهلها اتفاقية الأمن والسلام المعروفة باسم " العهدة العمرية " وشهد على وثيقتها عدد من الصحابة، فمثلت أساساً للعلاقات بين المسلمين والمسيحيين في هذه الأرض المباركة لا يزالون يسيرون على هداها حتى اليوم، أمَّنهم فيها على معابدهم وعقائدهم ودمائهم وأموالهم، وتعهد لهم بعد إصرارهم ألاَّ يسكنها معهم أحد من اليهود. ولم يجد فيها كنيساً أو هيكلاً.

 

إن أهمية هذه المدينة المباركة وقدسيتها؛ ومكانة المسجد الأقصى العقائدية لدى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها جعلتها مطمعاً للغزاة. ويمثل الاحتلال الإسرائيلي لها ولأرض فلسطين أبشع صور غزوها على مر التاريخ، فهو يدنس المقدسات وينتهك الحرمات بمخططات ومؤامرات واضحات.

 

شهدت مدينة القدس أياماً عصيبة باحتلال الفرنجة مدة قاربت قرناً من الزمان، عانى فيها المسلمون المرارة والبلاء والألم، فتولَّد لديهم الأمل والتلهف لاسترجاعها والجهاد من أجلها، إضافة إلى التعلق الروحي بها، وتحولت هذه المدينة ذات الحرمة البالغة إلى رمز الجهاد والتحرير.

 

نزح أهل القدس تحت ضغط مذابح الفرنجة إلى الشام والتي كان منها ذبح سبعين ألفاً في ساحات المسجد الأقصى المبارك، استقبل نور الدين المقدسيين في دمشق وقرّب علماءهم، فثابروا على مساندة الجهاد وشاركوا في جيشه وجيش صلاح الدين، الذي حررها من الفرنجة في ذكرى الإسراء والمعراج عام 583 للهجرة بعد موقعة حطين، وتم تنظيف المسجد الأقصى المبارك من الصلبان والخنازير وغيرها، وغُسلت الصخرة بالماء الطاهر، وأُعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر، وأُبرزت للناظرين وقد كانت مستورة ومخبوءة عن الزائرين، ووُضِع الصليب عن قبتها وعادت إليها حرمتها، ثم أقيمت صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، وكان من أول ما قال الخطيب فيها {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ثم أُحضر المنبر الذي أعده نور الدين زنكي، فوضع في مكانه من المسجد الأقصى المبارك، وظل الأذان يصدح من يومها من على مآذنه.

 

وفي غمرة هذا الانتصار والعزة والتمكين لم ينتقم، بل استحضر قول الله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} النحل 126  وخيّرهم بين العودة من حيث أتوا أو البقاء في ظل رعاية الإسلام وسماحته؛ مما يؤكد أن المسلمين على مر الأيام هم المؤهلون للسيادة على الأرض وحماية الإنسان والمقدسات.

 

وفي رمضان عام 658 للهجرة كانت معركة عين جالوت بقيادة المظفر قطز شاهداً آخر على قيام الأمة بفريضة تحرير بيت المقدس وتخليصها من براثن الأعداء، فقد تصدى كل من الظاهر بيبرس والمظفر قطز للغزو الوحشي التتري الذي اجتاح العالم الإسلامي حتى انهزموا شر هزيمة، ثم حررت نهائياً على يد الأشرف خليل بن قلاوون.

 

ظلت القدس أرضاً للسلام ما دامت داراً للإسلام، وكانت في التاريخ الإسلامي مركزاً عاش فيها أتباع الأديان السماوية معاً، لكنها نُكِبَت منذ الفتح الإسلامي الذي لم يَرْتَقِ أيٌّ من غزاتها أو فاتحوها إلى مستوى عدالته وتسامحه بكارثتين في تاريخها هما من أسود أيامها وأحلك لياليها، كارثة احتلال الفرنجة التي اندثرت، ونكبة الاحتلال الصهيوني التي ستندثر.

 

لم يتمكن الفرنجة قديماً ولا الصهاينة حديثاً من إثبات وجودهما في القدس وفلسطين إلاّ بمحاولتهم تدمير الوجود الإسلامي فيها، وهدم تاريخها العربي وتغيير تراثها الفكري في محاولات فاشلة للتنصير أو التهويد، بينما تميَّزت النظرة الإسلامية إلى القدس عقائدياً وتاريخياً بأنها رؤية تسامح وتعايش وسلام بين الجميع، فهل هدم المسلمون كنيسة أو كنيساً أو حاولوا أَسْلَمَتَه!

لم يصنعوا شيئاً من ذلك، بل ظلت القدس المباركة تفيض بالتسامح الذي رعاه الإسلام، من خلال الحريات الدينية التي احترمها للآخر. فبينما حرَّم الفرنجة على المسلمين دخول القدس أو ممارسة شعائرهم التعبدية فيها، وصادروا الأماكن الإسلامية المقدسة، وبالأخص المسجد الأقصى وقبة الصخرة والحرم الشريف، وبينما حاول الصهاينة تهويدها بصورة ممنهجة منظمة بعد احتلال القدس عام 1967م دون توقف وبكل الوسائل الممكنة، فإن المسلمين تركوها مفتوحة، وتولوا حماية كل المقدسات فيها.

 

إن هذه الأمة التي بذلت على مدار تاريخها الزاهر ما بذلت في سبيل دينها وعقيدتها التي منها إسلامية القدس والمسجد الأقصى المبارك، لا يمكن لهذه الأمة أن تسكت على أية محاولة للمساس به أو تهويده، ولن تسمح أبداً بإسكات صوت الحق الله أكبر من على مآذنه، فينبغي لعدوها ألاّ يغتر بمظاهر الضعف والوهن والهوان التي تسيطر اليوم عليها، فإنها حتماً ستثور من عقالها، وستنهض من غفوتها، فقد كانت في حالة مماثلة يوم وقوعها تحت احتلال الفرنجة وسائر الاحتلالات الأخرى، إلا أنها استيقظت من سباتها، ودحرت أعداءها، وحررت مقدساتها، وصانت هوية مسجدها الأقصى المبارك من جديد.

 

ولتعلم سلطات الاحتلال الإسرائيلية بأنها لن تنجح في تمرير قانون منع رفع الأذان، ولن تنجح في شرعنة الإجراءات الباطلة التي تتخذها لتهويد القدس.

 

وأدعو العالم الإسلامي حكاماً ومحكومين ممثلين في منظمة التعاون الإسلامي التي تضم في عضويتها كل الدول الإسلامية والعربية، وكل منظماتها الإقليمية وهي التي تملك القدرات الاقتصادية والسياسية ألا تقف موقف المتفرج إزاء تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، فالتخاذل والتفريط في الدفاع عنه وصمة عار في جبينهم لا يمحوها إلا تحرير أرض الإسراء والمعراج كما فعل السلف الصالح من قادة الأمة وعلمائها وسائر أبنائها

 

وأناشد جميع المؤذنين والمسلمين ألا ينصاعوا لأي قرار أو قانون باطل بمنع رفع الأذان من على مآذن مساجد فلسطين، فهو شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام يتردد صداها في كل مكان من العالم وسيبقى كذلك إلى يوم الدين، وهو إيذان بدخول وقت أداء الصلوات المفروضة التي هي ركن من أركان الإسلام

 

إن إقدام الاحتلال على محاولة منع رفع الأذان يأتي في إطار تهويد مدينة القدس وما حولها وتحويلها مدينة يهودية وإلغاء لهويتها العربية والإسلامية بتهجير أهلها منها والتضييق عليهم بعد مصادرة أراضيها وإقامة المستوطنات عليها ومحاولة هدم السجد الأقصى المبارك بالحفريات تحت أساساتها وبمنع المسلمين الصلاة فيه والسماح بالمقابل لليهود باقتحامه وأداء الصلوات التلمودية فيه أو بمحاولة تقسيمه تمهيداً للاستيلاء عليه.

 

وإنني أؤكد مجدداً بأن مدينة القدس وأرض فلسطين كلها عربية إسلامية وستبقى كذلك إلى يوم الدين، وسيبقى المسجد الأقصى المبارك شامخاً عزيزاً كريماً يرسخ هوية هذه الأرض المباركة، وسيبقى الأذان يصدح في جنباته وفي سماء القدس وكل فلسطين نداء خالداً منذ أن صدح به مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح رضي الله عنه


: الأوسمة



التالي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينعي الشيخ الدكتور نادر العمراني
السابق
نظام الأسد يتمسك بإبادة حلب... والمعارضة ترفض تجزئة الحلول.. موت مؤجّل.. شرق حلب بلا مستشفيات

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع