البحث

التفاصيل

اكتساب المال من الحرام لا تطهره الصدقة

الرابط المختصر :

حث الإسلام على الكسب الحلال في مثل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} الملك: 15. وفتح آفاق الكسب المشروع أمام المسلم للتملك، وجعل من طرق التملك العمل والتجارة وإجارة الأجير والمضاربة والوصية والهبة واصطياد ما يحل برا وجوا وبحرا ونهرا وغير دلك.

ونظر إلى المال على أساس أن المالك الحقيقي له هو الله تعالى كما في قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ الله الذَّي آتَاكُمْ }النور: 33، وأن الإنسان مستخلف في ملك الله، كما قال تعالى: { وأنْفِقُوا مِما جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} الحديد: 7، وأن المال ضرورة من ضروريات الحياة، كما أنه وسيلة لا غاية، واعتبره خيرا إذا جاء من حِله ووضع في مَحله. وحرم كنْزه في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } التوبة: 34، لأن كنز المال يعيق التنمية الاقتصادية، ويضر بالمصلحة العامة.

وحرم الكسب الخبيث وسماه باطلا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } النساء: 29، ومن أكل أموال الناس بالباطل: الغصب، والسرقة، والقمار، وبيع المحرَّمات، والربا، والاحتكار، والغش، والغرر: وهو كل بيع اشتمل على جهالة في الثمن أو السلعة أو الأجل.

وجعل الله تعالى الزكاة فريضة محكمة في مال المسلم، وجعلها تطهيرا للمال الذي اكتسب من حلال في قوله تعالى:"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"، وفي الزكاة غنى وكفاية، وقد فرض الله تعالى في الأموال القدر الذي يسع الفقراء، وهي مليارات من الحلال الطيب في كل قطر من أقطار المسلمين.

وقد استوقفني في قضايا المال عند العلامة الشيخ القرضاوي أن اكتساب المال من الحرام لا تطهره الصدقة، فلا يطهِّره عند الله أن يتصدَّق صاحبه بجزء منه على الفقراء والأيتام، أو على جهة من جهات الخير، بل لا يقبل منه إلا أن يخرجه كلَّه عن ملكيته، ويردَّه إلى أهله إن كانوا أحياء أو إلى ورثتهم إن كانوا موتى، أو يتنازل عنه إلى جهات البرِّ والخير، إذا لم يُعرف أصحابه. ذلكم لأن الإسلام يشترط طهر الوسائل، كما يشترط شرف المقاصد والغايات.

فالمال الخبيث في مكسبه لا يُقبل صدقة عند الله تعالى، كما في الحديث الصحيح:"لا يقبل الله صدقة من غُلول" رواه مسلم. والغلول: الخيانة من المال العام، مثل مال الغنائم في الجيش قبل أن يوزَّع.

وفي الحديث الصحيح:"إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيِّبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} المؤمنون: 51، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة: 172، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذِّي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟" رواه مسلم.

وقال ابن مسعود: إن الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث. رواه أحمد وصححه الدار قطني موقوفا.

وتأملت في واقع المسلمين اليوم فوجدت أن كثيرا من أصحاب الثروات الطائلة في ضوء ما سبق ممن يجب عليهم أن يخرجوا عن أموالهم جميعا أو جلها، ممن أثروا على حساب الشعوب المنكوبة بالفاسدين، من المحتكرين، والمغتصبين، والسارقين الكبار، والمرابين، وكل من انتفشوا من الأموال الخبيثة.

ترى لو حدث ذلك، كم من المليارات التي ستمتلئ بها خزانات الجمعيات الخيرية، ومؤسسات البر، ليعاد توزيع الثروات كرها على أفراد المجتمعات البائسة؟!.


: الأوسمة



التالي
نكبات ونكسات
السابق
تعرف كتاب "الروح" لابن القيم؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع