البحث

التفاصيل

استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية 11

الرابط المختصر :

كتاب "إستراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية النقدية والمالية في ظل الربيع العربي ، يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية (النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يقول فضيلته:

إن السلطات الادارية تقديرية تحتاج إلى السلطات الواسعة لاتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، وبالتالي فالتضييق من هذه الصلاحيات إذا لم يكن على أسس عادلة وتوازن تام يؤدي إلى شل الحركة وتعطل المصالح، وعدم الابداع فيها، ولكنه في المقابل قد يستغلها البعض، ويتعسف في استعمالها فيحدث الاضرار بالمجتمع.

ولذلك فالمعيار لصحة تصرفات ولي الأمر ومن في حكمه تتكون من ثلاثة عناصر:

العنصر الأول: الاخلاص الذي يتحقق بالنية الصادقة، وطهارة الباعث حتى لا يناقض قصد المكلف قصد الشارع، يقول الإمام الشاطبي: (المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداّ لله اختياراً، كما هو عبدالله اضطراراً....). وبهذا الشرط يبعد باعث الهوى والمصلحة الشخصية، إذ ان الاخلاص يعني التجرد لله تعالى بعيداً عن الأهواء وحظوظ النفس.

العنصر الثاني: كون التصرف في حدّ ذاته مشروعاً وأن تستعمل لتحقيقه وسائل مشروعة.

العنصر الثالث: رعاية الآثار الناجمة عن التصرف أي النظر إلى مآلاته ونتائجه.

أسباب الفساد الاداري والمالي والسياسي، وآثاره المدمرة:

إن من أهم أسباب الفساد ما يأتي:

1 — ضعف الوازع الديني والأخلاقي، أو عدمه، وإلاّ فمن كان مؤمناً بالله واليوم الآخر ويعلم علم اليقين بأن الوظيفة مسؤولية، وأنها خزي وندامة إلاّ من أخذها بحق، واستعملها بعدل فلا يستطيع أن يأخذ الأموال بالباطل، أو أن يظلم لأنه يعلم أنه سيموت وسيحاسب حساباً عسيراً، وأكبر دليل تطبيقي على ذلك سيدنا يوسف حينما عرضت عليه امرأة العزيز وقالت:(وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

2 — حب الدنيا والمظاهر والغنى على حساب الآخرين.

3 — عدم وجود قدوة صالحة في رأس الدولة، أو المؤسسة، أو مع الضعف، وبالتالي فكما يقول المثل: إذا كان شيمة أهل البيت الرقص....

4 — عدم وجود فصل بين السلطات الثلاث: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، وعدم إعطاء كل سلطة سلطاتها بدقة وضبط، وإلاّ فلو قامت السلطة التشريعية: مجلس الشورى "البرلمان" بواجبها من المساءلة والاستجواب لما استجرأ هؤلاء المفسدون أن يعيثوا في الأرض فساداً.

5 — عدم وجود قوانين رادعة، أو قضاء قوي عادل يصل إلى الجميع دون فرق، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم حينما شفع أسامة في المرأة المخزومية: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريف تركوهُ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وايم الله، لو أن فاطمة بنت مُحمدٍ سرقت لقطعتُ يدها).

6 — عدم وجود لوائح وقوانين تنظم الحقوق والواجبات بشكل عادل.

7 — الأثر السلبي للوسائط والشفاعات، حيث أصبحت لدى البعض قناعة: أنه ما دام من قبيلة قوية، أو له وسائط قوية فإنه سيكون بمنجى من العقاب.

8 — وجود فقر ناشئ يظن بعض أصحابه بأنه ناشئ بسبب الظلم الاجتماعي الذي يثير الحقد والحساسية والثأر، وبالتالي يثأر هؤلاء من الحكومة أو الشركة من خلال الفساد الاداري أو يظنون أنهم أصحاب حق.


الآثار السلبية للفساد الإداري:

أستطيع أن أعبر عن هذه الآثار المدمرة للفساد الاداري بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريف تركوهُ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وايم الله، لو أن فاطمة بنت مُحمدٍ سرقت لقطعتُ يدها) فالفساد الاداري والمالي والسياسي هلاك للنفس وإهلاك للأمة بالكامل، ويكفي أن نذكر حالة أمتنا الاسلامية التي تتوافر في معظم دولها كل عناصر التقدم والنهضة والتحضر من الموارد المالية والبشرية والعلمية، ولكن الفساد بجميع أشكاله هو المانع، وهو العقبة الكأداء.

وإذا ذكرنا بعض الآثار فهي:

1. التخلف والفقر، وعدم التقدم

2. هروب رأس المال إلى الخارج، وعدم التحمس للاستثمار في داخل البلد لا من أهله، ولا من غيرهم (في الغالب).

3. إسناد الأمور إلى غير أهلها وحينئذ قامت قيامة المؤسسة كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ويترتب على ذلك هروب العقول الجيدة والكفاءات الممتازة إلى الخارج.

4. عدم وجود الجودة الحقيقية في المنتجات

5. غياب الثقة، وتردي حالة التوزيع العادل.

6. عدم الادخار في المؤسسات والشركات.

والخلاصة أن الفساد الاداري منظومة تخريب وافساد تطول كل مقومات الحياة.

الحل الاسلامي لمشكلة الفساد الاداري (الاستراتيجية الاسلامية):

إن القضاء على الفساد، وتحقيق النزاهة على مختلف المستويات ليس عملية سهلة، بل يحتاج إلى برامج اصلاحية شاملة، وقدوة حقيقية في قمة الهرم الاداري، ودعم سياسي فقال، وتعاون مختلف أجهزة الحكومة، ومشاركة شعبية، ومساندة قوية في مختلف وسائل الاعلام (المقروءة، والمكتوبة، والمسموعة) في التوعية، وكشف الفاسدين دون خوف ولا وجل، ومساهمة كافة مؤسسات المجمتمع المدني للوقوف صفاً واحداً لمحاربة الرشوة والمحسوبية، واستقلال السلطة، ونحوها.

ولذلك نعتقد أن الاستراتيجية الاسلامية في القضاء على الفساد شاملة لمختلف أوجه الفساد وصوره، ومرتكزة على بناء الانسان النزيه الطاهر، والمجتمع الطاهر، والدولة الطاهرة القوية، وهي تتكون في نظري من ستة عناصر متكاملة ومترابطة، وهي:

أولاً: تحصين الفرد والمجتمع ضد الفساد، بالعقيدة، والقيم الأخلاقية والتربوية وتنمية الوازع الديني، وذلك من خلال منح الدولة ومؤسسات التعليم والتربية العناية القصوى بالتربية الدينية والروحية والسلوكية،

ومع بناء الفرد تكون العناية بالأسرة، وإعطاؤها دورها في تربية النشء وبناء المجتمع السليم.

ولتحقيق هذه البند يحتاج إلى العمل بما يأتي:

1. قيام المؤسسات العلمية بوضع مفردات ومقررات تعالج هذا الموضوع بدقة ووضع برامج تعليمية وتثقيفية عن حماية النزاهة ومحاربة الفساد.

2. وضع برامج توعية تثقيفية، ودورات جماهيرية على مستوى القطاع العام والخاص.

3. قيام الخطباء بالتوعية الدائمة في هذا المجال.

ثانياً: الجانب التشريعي الخاص بالعقوبات الدنيوية والأخروية على الفساد الاداري (الرشوة، واستغلال السلطة، والتعسف في استعمال الحق) كما سبق.

ثالثا: الثواب الدنيوي والآخروي للولاة العادلين الناجحين حيث يستحقون الشكر والدعاء والتقدير في الدنيا، والجزاء الأوفى عند الله تعالى تطبيقاً لقوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) حيث بينت هذه الآية أن جزاء العمل الصالح الناجح المثمر هو الجزاء في الدنيا من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعاء والرحمة لهم، ومن قبل المؤمنين بالشكر والتقدير المادي والمعنوي، ومن الله تعالى بالثناء والشكر والجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الولاة العدول، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن (وكلتا يديه يمين) الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلَوا) كما ورد الحديث الصحيح المتفق عليه أن الإمام العادل ضمن السبعة الذين يحشرون في ظله يوم لا ظل إلاّ ظله..

ومن المهم بمكان العناية بوضع الجوائز والمكافآت المجزية للصالحين المصلحين.


: الأوسمة



التالي
رؤية غير فقهية لمسلسل عمر بن الخطاب
السابق
مسئولية العلماء

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع