البحث

التفاصيل

بين نعم ولا في الاستفتاء على الدستور

الرابط المختصر :

أن تقول "نعم" أو "لا" على الدستور يوم السبت 2 صفر 1434هـ الموافق 15 ديسمبر 2012م يعني أننا شعب حضاري قرأ مشروع دستوره ثم اتخذ موقفًا راشدًا.. موافقًا أو رافضًا، ويجب أن يكون عندنا عقيدة وليس ثقافة فقط أن من آيات الله في الكون أن نختلف؛ لقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22].

ومن يظن أنه مهما أوتي الإنسان عقلية سقراط أو أفلاطون أو ابن سينا أو الفارابي أو ابن خلدون أو ابن جني فلن يستطيع أحد أن يجمع الخلق على شيء واحد، فهذا عكس السنن الربانية؛ لقوله تعالى:{فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 42].

فكلاهما يعبِّر عن حب حقيقي لمصر وثورة مصر وأبناء مصر، الذين يستحقون الاستقرار والاستمرار لأفضل مشوار وهو الإعمار، ليس إعمار صعيد مصر وشمالها، بل إعمار الأمة الإسلامية قاطبة؛ لتكون الأمة المصرية الرائدة لا الراكدة.

أقول: يجب أن يقف تيار الإيجابيين أصحاب الصوت "نعم" أو "لا" معًا دعاة بالحسنى لمن رفضوا قراءة الدستور، وأريد هنا حوارًا هادئًا بين القول بنعم أم لا في دائرة أننا معًا إيجابيون في الاستجابة للشرعية، ونريد لمصر كما قال الشيخ الشعراوي: "إن الثائر الحق هو من يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليصنع الأمجاد".

إذا قلنا "نعم" فإننا من اليوم الثاني يكون عندنا مرجع فوق رءوس الجميع اسمه الدستور، وقد قرأته مرارًا بعقليات ومنهجيات مختلفة، وأوَّل جانب شغلني كرجل تخصصي وحياتي الشريعة الإسلامية: هل للشريعة الإسلامية بِرُقيِّها وعدالتها مكانة يمكنها من حل كل معضلات المجتمع المصري المسلم وهي الضمان الحقيقي الأكبر لشركائنا المسيحيين، فوجدت مادتين تجعل كل قانون أو لائحة تنفيذية أو قرار إداري يمكن الطعن عليه لو خالف الشريعة.. فلماذا أقول "لا"؟!

وعدتُ فقرأتُ الدستور بعقلية القانوني حيث درستُ في كلية الحقوق أربع سنوات للحصول على تخصص في القانون حبًّا في الدراسات القانونية، فكان أول شيء: هل هناك توازن بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية؟ فوجدت نموذجًا رائعًا وضعه خبراء من خيرة رجال الدساتير والقانون في العالم، وهذا واضح في الميزان الذي قاده رجل القضاء العظيم المحايد الذي لا يمثل تيارًا وهو الغرياني، وفريق من خيرة أبناء مصر من كل الاتجاهات، وخصُّوا مصر بلدهم بدستور أروع وأدق في هذا التوازن من أكثر دساتير العالم، بحيث لا تتغول سلطة على أخرى..

ووجدت استقلال القضاء وحق السلطة التشريعية في الرقابة على السلطة التنفيذية، ولو فيه طرف ضعيف في الدستور فهو السلطة التنفيذية على عكس الدستور الماضي الذي أعطى سلطة منفردة تتغول على كل السلطات والهيئات، فعنده 35 سلطة منفردة في الدستور الماضي، لكن الرئيس في دستور ما بعد الثورة له صلاحيتان فقط في السياسة الخارجية والأمن الوطني والقومي، وبقية الصلاحيات مشتركة مع مجلس الشعب أو الحكومة أو القضاء أو الجيش.. فلماذا أقول لدستور مثل هذا "لا"؟!

وعدتُ أقرأ الدستور بعقليَّة ابن البلد الفلاح الذي يحب كل أبناء قريته ومدينته وبلده وأمته، فلم أجد شريحة في المجتمع مهملة أو منسيَّة في زحمة الشغب حول الدستور، حتى الطفل له حضور مثل الشباب والكبار، والمرضى لهم حقوق تسبق الأصحاء، والأميون لهم حقوق في التعلم والتصويت، وللمتعلمين حق في العمل، ولأصحاب العمل حق في حياة كريمة، ولمن لا يجد عملاً له حق في تدريبه وتأهيله للعمل ثم توفير فرص عمل، ووجدت للتعليم رسالة حضارية واستثمارية، فقلتُ: هذا أعظم احترام للعلماء والجامعات، ووجدت الطلاب لهم مكانة يفخر بها كل طالب حرّ. وعدتُ أسأل عن سواعدنا المحترمين ورجالنا العمال والفلاحين، فوجدتهم في مكانة تليق بالإنسان الشريف عاملاً أو فلاحًا.. فلماذا أقول لدستور كهذا "لا"؟!

وعندما لبست ثوب المصلح الاجتماعي، فوجدت نسيج المجتمع مسلمين ومسيحيين -رغم مواقف غير مرضية وطائفيَّة بامتياز- لكن مصر الكبيرة بدستورها كَفَل لشركاء الوطن كل الحقوق المدنية والدينية بما لا يجدونه لو عاشوا في أوربا وأمريكا وأستراليا. ونظرت إلى موقف المرأة التي تغنَّى الكثير بأنهم حُماتها، فإذا بهم ذئاب في افتراسها! لكن الدستور كفل للمرأة كل كرامتها وعفتها وحقوقها، حتى نصَّ على حقها في العمل، عكس ما روَّج له الكثيرون.

وعدتُ أبحث عن حقوق المعوقين، فوجدت لهم مكانًا بارزًا وحقًّا ساطعًا أكثر مما يوجد في أكثر دساتير العالم المتحضر في القوانين أو اللوائح.. فلماذا أقول لدستوري هذا "لا؟!

ولبست ثوبًا لم ألبسه من قبل وهو ثوب رجل الاستثمار في الداخل أو الخارج، فوجدت أن الاهتمام بالأمن لتهيئة المناخ، وتذليل قوانين الاستثمار، والاهتمام بالموارد الضخمة لمصر بدءًا بقطرات نهر النيل وانتهاءً بجبال وسهول وأجواء مصر وما تحتها من تلال الذهب والبترول والغاز، سيحوِّل مصر إلى قوة اقتصادية عالمية بإذن الله.. فقلت: فلماذا أقول لهذا الدستور "لا"؟!

وجلست بعد أن تعبت من كثرة الملابس التي لبستها كأنني في برنامج تليفزيوني أغيِّر ملابسي لكل حلقة، فلبست أخيرًا "بيجامة" النوم من الإرهاق، فأرّقني هاجس: ماذا لو مرَّ الدستور وأحببنا أن نغيِّر شيئًا في الدستور.. فهل سدَّ شيوخ الجمعية التأسيسية الباب أمام تعديله؟ فرجعتُ وأشعلتُ النور ووجدت أن خُمس أعضاء مجلس الشعب يمكنهم أن يطلبوا تعديل الدستور بشرط إقناع الثلثين، ثم لا حق لهم في التعديل وهم ممثلو الشعب، لكن لا بُدَّ من استفتاء جديد من الشعب كله. فقلتُ: سأذهب للنوم قريرًا وسأقول "نعم" لدستوري الذي احترمني قبل ميلاده وبعد شبابه، ويمكن علاجه عند شيخوخته.

وقلتُ: والله لو قلتَ يا صاحبي "لا" بعد القراءة فسأظل أحترمك وأقدرك؛ لأن هذا من سنن الله وآداب التعايش في بلد واحد.

أما الذين لم يقرءوا فأقول لهم: لا تعطوا لعقولكم عطلة فيحتلها من يريد بنا معًا أن تعود مصر إلى الفوضى التي توعدنا بها المخلوع وأذنابه، ومن يتربصون بمصر في الكيان الصهيوني وأمريكا، وبعض أذيال الخليج!!

لكني أقول للجميع: والله نحن مقبلون بمصر على خير كثير؛ لأنَّ بها من الطيبين الصالحين مَن قال الله عنهم: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143].

فغدًا نفرح بمصر ودستورها العظيم ونهضتها الشاملة، وروحوا للصندوق وقولوا بملء الفم: "نعم" أو "لا"؛ فالذهاب فريضة شرعية وضرورة واقعية، لكن أن تقول: "نعم" أو "لا" فهذه على الإباحة الأصليَّة ومن الحرية الشخصية.


: الأوسمة



التالي
فضائل مصر في تاريخ الإسلام
السابق
الثأر من الماضي لا يبني المستقبل!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع