البحث

التفاصيل

الثأر من الماضي لا يبني المستقبل!

الرابط المختصر :


الأمة التي ليس لها تاريخ ليس لها حاضر ولا مستقبل»، مقولة قد تبدو صحيحة وصادقة إلى حد كبير، إذ إن قراءة الماضي والوقوف على أخطائه وسلبياته يعززان من فرص بناء الحاضر والتخطيط للمستقبل بشكل أفضل. وفي مقابل ذلك، فإن الوقوف على الصور المشرقة من الماضي يعطي اندفاعة إلى الأمام تسهم في ارتقاء أية أمة وأي مجتمع. والمقولة الصحيحة الأخرى أن أية أمة تملك ماضياً، لا بد أن يكون في ماضيها أخطاء كما فيه صور مشرقة، وهذا ليس عيباً بحد ذاته، ولا ينكره إلا جاحد، فنحن أولاً وأخيراً بشرٌ، وليس من طبيعة البشر العصمة عن الخطأ إلا من عصمه الله من الأنبياء والرسل، إلا إذا كان البعض يمارس مبدأ العصمة على نفسه، ويحاول أن يعكسه على غيره. لكن العيب أن لا يكون لأية أمة ماض ٍ، أو أن يخرج من أمة من يريد أن يحاكم الماضي ليثأر منه انطلاقاً من خلفيات قد يمارس فيها منطق القداسة والعصمة على نفسه دون أن يدري، أو انه يريد أن يهدم الحاضر والمستقبل لأنهما لا يتكيّفان مع هواه مستنداً في ذلك إلى محاكمة الماضي.

في مقالة للأستاذ طلال سلمان (منشورة في جريدتَي «السفير» و«الشروق» يوم الاربعاء 12-12-2012) تحدث الاستاذ سلمان عن «الماضي الذي يحكم المستقبل» فحاكم تاريخاً طويلاً زاخراً بالعطاءات ببساطة شديدة، دون أن ننكر أن في بعض هذا التاريخ أخطاء لا ينكرها أحد على الإطلاق، بل ربما من حاكمهم الاستاذ سلمان في الحاضر هم أكثر من عانى من ظل الماضي الثقيل.

لقد شكك الأستاذ سلمان بـ «الاخوان المسلمين» وقال: «إنهم ينطقون باسم الارادة الإلهية» و «إنهم لا يعترفون بمسلمين مختلفين عنهم»، ولا أدري كيف استنبط الأستاذ سلمان هذه القاعدة، و«الاخوان» في أدبياتهم يقولون إنهم جزء من المسلمين وليسوا كل المسلمين، وليسوا أمة المسلمين، ولا يحتكرون الاسلام لأنفسهم ويمنعونه عن غيرهم، بل غاية جماعتهم الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن وإقناع غيرهم بهذا الدين، وقد قعّدوا لهذا الشيء عبر المقولة الشهيرة: «نتعاون في ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه»، فلم ينطقوا يوماً إلا باسمهم، ورفضوا منطق التكفير أو الإقصاء أو كل ما يمكن ان يجعلهم منعزلين عن العالم. وأنا أشهد أن أحد كبارهم وسّط بعض الأصدقاء المشتركين وعقد لقاءً مع الأستاذ سلمان نفسه وهو يدرك أنه لن يغيّر من قناعة الأستاذ سلمان شيئاً ولكن حتى لا يبقى أي جدار في الخطاب والعلاقة بين «الاخوان» وبين غيرهم حتى ولو اختلفوا معه في المنهج والتفكير والهدف. كما كانت المشاركة شعارهم الذي لم يفارقهم على الدوام قولاً وفعلاً وممارسة، والأمثلة على ذلك كثيرة ويشهد بها من شاركهم في محطات بارزة وكثيرة.

ألم يكن «الاخوان» شركاء أساسيين في ثورة «25 يناير» التي شارك فيها معظم الشعب المصري وكانوا جنباً إلى جنب مع الحركات الثورية الأخرى، والجميع يشهد انه لولا الاخوان يوم «موقعة الجمل» لانهزم القوم وانتهت الثورة؟ ألم يكن «الاخوان» شركاء مخلصين وصادقين لبعض القوى والشخصيات التي «انقلبت» إلى المقلب الآخر بعدما أفسح لها «الاخوان» بموجب مبدأ ومنطق الشراكة وحملوها على قوائمهم الانتخابية إلى مجلس الشعب، والاستاذ سلمان يعرف ذلك جيداً؟ ألم يفسح «الاخوان» في المجال لاختيار مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية من الاشخاص الاكفاء والمحايدين لقيادة المرحلة الانتقالية، وبذلوا جهوداً في هذا السبيل، ونائب رئيس الجمهورية الحالي كان من أبرز هذه الشخصيات التي تقدم «الاخوان» منها لقيادة المرحلة إلا أنه رفض بالنظر إلى حجم المسؤولية التي يدركها ويدرك حجم مخاطرها ودقتها في هذه المرحلة. لقد أدى «الاخوان» هذا الدور من منطلق القناعة وليس من أي منطلق آخر. أم أن المطلوب من «جماعة الاخوان» أن تكون جماعة «صوفية» تعيش في زوايا وتكايا المساجد وتترك أمور ومصير البلد للفساد ينخر به مجدداً كما كان ينخر أيام النظام البائد ملتهماً جيوب وجنوب ومستقبل المصريين دون أن يكون للجماعة رأي أو دور وعندها يصبح الدين «أفيون الشعوب» وبذلك يطمئن ويسعد البعض ويرضى عن «الاخوان»؟ الجماعة ليست كذلك، فهي حركة إصلاحية شاملة ولا يمكنها أن تكون في منأى عن ما يتصل بهموم المجتمع.

وأما الحديث عن «الخليفة المفوض المطلق صاحب الشرعية المطلقة» فهذا من التشويه المتعمد ومن الاستهتار بعقول المصريين. إذ كيف يكون رئيس مفوضاً ومطلق الصلاحية ثم يبادر إلى طرح الدستور الذي يحد من صلاحياته على استفتاء شعبي؟ كيف يكون مطلق الصلاحية وقد عمد إلى تحويل الرئاسة إلى مؤسسة بعدما كانت حكراً على الفرد والشخص؟ كيف يكون مطلق الصلاحية، إلا في أوهام البعض ومخيلاتهم، وهو الذي يقرر اللجوء إلى الشعب في المحطات الفاصلة مع يقينه أن الآلة الاعلامية التي لا تتوقف عن شتمه والنيل منه قادرة على التلاعب بعواطف الناس ومشاعرهم وتأليبها ضده؟

إنها في الحقيقة ليست الأوهام ولا التخيلات عند البعض، إنما هو الاصرار عن سابق تصور وتصميم في هذه المحاولات اليائسة الهادفة لاخافة الشعب المصري وكل شعوب المنطقة من هذه التجربة الجديدة التي يمثلها الرئيس محمد مرسي في مصر تحت العناوين والمسميات المتداولة، وليس ذلك حباً بمصر ولا حرصاً على مصلحة شعبها، بل ثأر من جماعة ما زالت إلى الآن تعاني من عسف وظلم الأنظمة البائدة فضلاً عن عدم تفهم أقلام كانت شريكة لها في المعاناة من هذا الظلم.

إن وصول رئيس بأغلبية «الصوت الواحد» لا يلغي أنه الفائز، وهذا منطق الديموقراطية التي يتغنى بها الجميع، فإذا ما فاز فيها إسلامي كـ«محمد مرسي» انقلبوا عليها و«صاح كبيرهم» اغرقوا المركب بمن فيه، ونحن نقول مهلاً يا سيادة «حامي العروبة» وقليلاً من الانصاف والرويّة، فنحن في مركب واحد ونريد أن ننجو جميعاً بالشراكة العادلة الموضوعية التي لا تترك المركب لتلاطم الأمواج، فتعال إلى هذه الشراكة بعيداً عن منطق التشكيك. 


: الأوسمة



التالي
بين نعم ولا في الاستفتاء على الدستور
السابق
تحديات حقيقية تواجه الأمة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع