البحث

التفاصيل

إلى قادة الانقلاب على الشرعية (إبراهيم أبو محمد - المفتي العام للقارة الأسترالية)

الرابط المختصر :

احذروا أيها السادة مفاجآت الأقدار

 أنا لا أصدق أن الرجل الذى قطع على نفسه عهدا أمام جمع من الناس وفي لقاء موثق على الفيديو وتناقلته قنوات كثيرة "أن تقطع يده قبل أن تمتد على أبناء شعبه" يمكن أن يفعل ذلك بمن يختلفون معه، بينما صُور المجزرة التي فعلها تجاوزت كل الحدود وجرحت ضمائر كل الشرفاء في العالم، ولذلك فأنا مثل ملايين غيري حاولت أن أضبط انفعالاتي بعد مجزرة الحرس الجمهوري حتى أتبين الموقف.

 سيادة الجنرال: الثورة الجديدة أو الثورة المخطوفة، والتي استردها بيانك الأول تناديك أن تستكمل ـ من فضلك أهدافهاـ فتأمر بقطع النت وإغلاق المواقع، وأن تمنع عن الناس الماء والهواء، وحاول أن تمنع عنهم ضوء الشمس ونور النهار.

ديموقراطية الرئيس "الفاشل والمخطوف غدرا" صبرت على نقد معارضيه وحتى مَنْ سبّه  وحاكمه القضاء وأمر بحبسه، تدخل الرئيس "الفاشل" واستعمل صلاحياته الدستورية في وقف عقوبة السجن والعفو عنه وإطلاق صراحه.

بينما ديموقراطيتنا الجديدة، ديموقراطية الجنرالات والانقلابات العسكرية أمرت بعد ليلة واحدة من ولادتها الميمونة أن تزج في السجون بمئات المواطنين الشرفاء تجاوز بعضهم السبعين من العمر لأنه من فصيل سياسي معين، وأصحابه يختلفون معك أيديولوجيًّا.

بعد ثوان من البيان الذى ألقاه السيسي وأعلن فيه عزل رئيس الجمهورية المنتخب بإرادة الشعب ظهرت القدرات الكامنة والفائقة لرجال الشرطة والداخلية ـوالتي غابت عن المشهد لمدة عامين- ظهرت في إغلاق القنوات الموالية للحقيقة وللشرعية، ومطاردة العاملين فيها، كما تجلت كفاءة هذه القدرات الغائبة لقوات الشرطة بعد ثوان معدودات في مطاردة المتظاهرين المؤيدين للرئيس وحصارهم، بينما كانت قد أغمضت جفونها الجميلة قبلها بليلة واحدة، ووضع ضباطها الشرفاء جدا وجنودهم البواسل على عيونهم نظارات سوداء حتى لا تعكر أبصارهم برؤية البلطجية وهم يقتلون عشرين متظاهرا من مؤيدي الرئيس في ميدان نهضة مصر وحده، فضلا عمن قتلوا في بقية الميادين، وتلك كانت أولى بركات شرعية الشارع الثوري الذى يبشر بالمصالحة الوطنية والتكاتف والعناق بين الثوار الجدد وبين الفلول كما دعي الزعيم الجديد والملهم زعيم الانقلاب.

ولئن استطاع الرئيس المخطوف الفاشل الملتحي والذى يُشغل حرسَه بالذهاب إلى المساجد والصلاة معه يوم الجمعة أن يؤمن ٤ مليون امرأة في معاشهم، وأن يدخل ما يقرب من مليون أسرة تحت مظلة التأمين الصحي، وأن يؤمن لمصر في ستة أشهر نصف ما تحتاج إليه مصر من القمح، وأن يدخل مصر ضمن المنافسة العالمية في صناعة الكمبيوتر، وأن يقدم للمصريين الغلابة أول منتج من "التابلت" صنع في بلادهم، وأن يعيد من جديد فتح مصانع مصرية عملاقة كانت قد تعطلت منذ ثلاثين سنة، لئن استطاع الرئيس الفاشل المنتخب أن يحقق هذا الإنجاز في عام كامل، فإن الإنجاز العظيم والانحياز الأعظم الذى حققتموه قد تفوق في ثوان معدودات على ما فعله الرئيس الفاشل في عامل كامل، فأغلقتم كل منافذ الرأي الحر، وقطعتم إرسال القنوات الفضائية، وأمرت رجالك باعتقال أصحابها، وباعتبارنا من الشعب فنحن نرجوك أن تستكمل أهداف ثورة ٣٠ يونيو بسحق كل المعارضين ولو كانوا كل أبناء شعب مصر فقد فعل ذلك من قبل ستالين ونيرون قد حرق روما، وبجوارنا إسرائيل فعلتها في غزة وفي لبنان والأسد يفعلها الآن في سورية ولا ملامة ولا عزاء للشرفاء ولا لمنظمات حقوق الإنسان.

الديموقراطية "المحترمة جدا" في مصر "أم الدنيا" سجلت أعلى معدلات في الخوف من الحريات وحققت أعلى رصيدا في إغلاق كل منافذ الرأي الحر، وبعد بيان الجنرال "الملهم" لم تستطع تلك الديموقراطية أن تتحمل نقد قناتين هزيلتين، بينما كان الرئيس "الفاشل المخطوف غدرا" ظل يتحمل نقد وبذاءات عشرات الفضائيات، ومئات الصحف والمواقع ولمدة عام كامل.

احذر سيادة الجنرال من كل محجبة، وتشكك في كل الوجوه، وافحص بطاقات الذاهبين إلى المساجد فقد يوجد فيهم من تبدو عليه علامات الغضب لما حدث لمصر وثورتها، وفرغ أجهزة الدولة من كل موال لهم، ولو من الدرجة السادسة أو السابعة، ولو استطعت -تأمينا لثورة ٣٠ يونيوـ أن تفحص خلايا المصريين وجيناتهم، فافعل ولا تترد، فربما يوجد فيهم من لا يرضي بالخداع ومن لا يقبل الاستغفال ومن لا يرضي بالدنية في دينه أو وطنه، كما قال الرئيس المخطوف والمغيب غدرا.

الشعب على ثقة من قدراتك وذكائك وبراعتك في تمثيل لم الشمل وحماية الوطن وعدم التمييز بين أبنائه، والدليل هو ما حدث أمام نادي الحرس الجمهوري، والكل يقف خلفك ومعك ويفتديك عما قريب بالروح والدم ولو ذهب الوطن والمواطنين إلى سواء الجحيم.

 يمكنك سيدي الجنرال أن تقصف قلمي أو تزج بي في ظلمات سجونك -رغم أنى لستُ منهم، ولم أشرف بالانتساب إليهم- ولكنك لا يمكن أن تنزع من نفسي حجم احتقاري لذاتي لأنني يوما وثقت بك وصدقتك حين قلتَ: "تقطع أيدينا ولا نعتدي على مواطن مصري" فظننتك نموذجًا للعسكرية التي تحترم دستورها ومبادئها وتنحاز للشرعية ولا تميز بين مواطن وآخر.

شكرا لك سيادة الجنرال الذى تحول في ٣٠ يونيو إلى "زعيم ملهم"، لأنك ألهمت الوطن بنوع جديد من الديموقراطية لا تعرفه كل شعوب العالم المتحضر أو حتى المنحدر، وهو نوع جديد يمكن لأصحابه أن يفعلوا بموجبه كل شيء، وأن يستبيحوا به كل شرعية، وأن يتجاهلوا به إرادة الشعوب ونتائج كل صناديق الانتخابات الحرة.

شكرا سيادة الجنرال والزعيم الملهم، لأنك أهديت لمصر نوعًا جديدًا من الديمقراطية الرائعة ـ من الروع والرعونة وترويع الآمنين وقطع رقابهم عن طريق البلطجة السياسية في المظاهرات السلمية ولو بلغ عدد الضحايا عشرات القتلى وآلاف المصابين وبرصاص جيشهم ما دام الهدف الكبير هو إرساء قواعد ديمقراطية عزل الخصوم، ووضعهم في السجون وتحت الرقابة في الإقامة الجبرية.

وعذرا سيادة الجنرال إن كفرتْ كلُّ شرائح المجتمع ومعهم كلُّ أحرار العالم بهذا الاختراع الديمقراطي الجديد الذي يستبيح الحريات ويكمم الأفواه ويزج الخلائق بالجملة في ظلام السجون والمعتقلات، وكل جريرتهم أنهم يريدون أن يمارسوا حقهم في ديمقراطية حقيقية وليست مزيفة.

ثق أيها الجنرال الملهم أنني سأرفع لك القبعة ابتهاجا بفعلك الفاضح وقدرتك الفائقة على اغتيال الديمقراطية وتزوير الحقائق.

من حق مصر أن تفخر بثعلب مخابراتها الذى استطاع أن يفرغ الديمقراطية من مضمونها ومحتوياتها، وأن يحولها إلى ديمقراطية "سترتش" تناسب العسكر، ويمكنها أيضا أن تتسع لكل مقاسات الفلول حتى يتمكنوا من حكم مصر والقبض على كل الثوار فيها مرة أخرى.

وأبشر سيادة الجنرال، ولا تعبأ بالضعفاء الذين لا جيش لهم، ولا إعلام يتحدث عن مظالمهم أو عن قتلاهم وعدالة موقفهم، فمعك كل مصانع الكذب وإعلام الغواية يقف بجوارك ويغذي فيك غريزة الوحش، ويوهمك أنها بطولة من أجل مصر، كل ما أخشاه عليك وعلى مصر أن هؤلاء الذين تحاصرهم ونالت من أرواحهم أسلحةُ الغدر لديك، يملكون سلاحًا آخر ربما لا تعرفه ولا تعترف به كل مصانع الكذب حولك، إنه سهام الأسحار النافذة التي لا تخطئ المرامي أبدا، وهى سهام تنطلق بدعوات المظلومين والمكلومين في أبنائهم وذويهم في جوف الليل، فتخترق كل أجهزة الرقابة والرؤية الليلية، لتصل إلى الله، وقد انطلقت بالفعل وتنطلق خلال الشهر الكريم لتؤدي دورها ضمن قدر الله المكتوب، لا سيما حين تصدر من أهالي مَن قتلتهم ومَن تحاصرهم اليوم في الميادين، فتمتع بزهوك قليلا قبل مفاجآت الأقدار وحسابات السراب الخادع.

أعرف أن التاريخ بحكمه وحكمته عند بعض الناس لا قيمة له؛ لا لأنه كما يتوهمون، وإنما لأنهم لا يدركون تحت وهج الشهرة وغيبوبة البطولة الموهومة قيمة حكمه على المواقف، وحكمته في صبغ المواقف بلون حقيقتها الطبيعية متجردة من الرتوش المصاحبة للألقاب والرتب، ومتحررة من كل "مكياج" يغطي الحقيقة ويفصل بينها وبين وهج الشهرة الذي يدفع البسطاء للتصفيق والأذناب للتلفيق وتوضيب القضايا كما يدفع إعلام الغواية لإضفاء هالات من البطولة لأناس ليسوا للبطولة أهلا، ولم يفعلوا شيئا يستحقون عليه تلك الهالة، بل كان فعلهم يستوجب المساءلة القانونية في المجتمعات الواعية؛ لأنه يدخل ضمن القانون المحلي في باب الإجرام، بينما هو في القانون الدولي يصنف ضمن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، لكنهم في مجتمعات الهمج يتحولون أبطالا، ومن ثم فحكم التاريخ عليهم ليس في اللحظة الآنية، وإنما يؤجله بحكمته ليكون في وقته المناسب، حين تنكشف الحقائق ويزول عن عيون الناس كل أنواع الغشاوة ويذهب عن روعهم كل أقنعة الخداع.


: الأوسمة



التالي
الإخوان والديمقراطية
السابق
رسالة إلى الفريق السيسي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع