البحث

التفاصيل

منطق النخبة.. وسلوك أصحاب الرسالات

الرابط المختصر :

كم كانت حدة الصدمة التي تكبدها المصريون في نخبتهم، التي تجنح إلى الوصول إلى أهدافها، مقترنا برفعة الشأن، على أن يتبع ذلك تقلد الأوسمة، وحيازة النياشين، وإن شئت فقل: الذين يبحثون عن الحق المنسوب إليهم.
كم كانت الدهشة وهم يرونهم يربطون بين الجهد الذي يبذلونه، والنشاط الذي يقومون به بنتائج ما قدموا، وحصاد ما كسبوا، فإن لاقوا استجابة مرضية، وإلا طويت تلك الصفحات إلى غير رجعة، بحثا عن غرض آخر من أغراضهم المتعددة، التي ليس لها خلود الرسالات وعطاؤها.


إن أصحاب الرسالات، كغلام أصحاب الأخدود، ليس لهم شاغل إلا أن تصل رسالتهم ولو على أشلائهم، إنهم ينطلقون من رسالة ملأت عليهم أركانهم، فأخذت الوقت والجهد والمال.. إنهم يعطون ولا يأخذون .. يقدمون ولا يطلبون.. يبذرون ويغرسون؛ طلبا لحصول الثمرة لا قطفها.


إنهم يريدون نشر نور الحق، دون أن ينسب إليهم، فنكران الذات شعارهم، والإخلاص والصدق دثارهم، لا يعرفون للكلل دربا، ولا للفتور طريقا، لا يتأثر بذلهم وعطاؤهم بمدى النجاح الذي حققوه، إنما تزداد حماستهم، وتتوقد عزائمهم يوما بعد يوم؛ لأنهم نهلوا من معين لا ينضب، ومنهج متجدد، ورسالة خالدة.


يمضي أصحاب الرسالات في طريق وعر، لا تثنيهم العوائق، ولا تردهم الشواغل، ولا تفت في عضدهم الشدائد، يتجاوزون المثبطات في لطف وهدوء؛ لأنهم آمنوا أن ثمة ضريبة ينبغي أن يقدمها أصحاب الرسالات من أموالهم وأوقاتهم وأنفسهم.


إنهم يسهرون لا من أرق .. يتركون  الشهوات لا من عجز.. يهجرون الملذات مع قدرتهم على تحصيلها والتنعم بها، شغلهم عن ذلك الإيمان برسالتهم والذود عنها، والدعوة إليها.


 فلا سعادة لهم، إلا وشمس الحرية تشرق، ولا قرار لهم إلا ونورها يبدد الظلمات، ولا نعيم لهم إلا وقد أينعت ثمرتها، وأفاد منها الرائح والغاد.


إن دروب آمالهم لا تنتهي، وضياء أمانيهم لا يخبو، فهم يصِلون الليل والنهار، ابتغاء أن تعم رسالتهم ما أشرقت عليه شمس، أو خيم عليه ظلام.


أصحاب الرسالات لا ينزلقون إلى وسائل غير كريمة ليصلوا إلى غاياتهم، ولا يتنازلون عن بعض الحق الذي يحملون، أو يضحون بيسير من مبادئهم.


لا يعرف أحدهم المساومة على ما يملك من حق، ولا يرتكب حماقة في سبيل الوصول إلى ما يصبو.. لا يؤثر عنهم تحالف مع باطل، أو إذعان لظالم، أو صعود على أشلاء آخرين، فهم يؤمنون أن الغاية الكريمة لا يعين عليها إلا الوسائل الشريفة.


ولذلك تتصف مبادرات أصحاب الرسالات واتجاهاتهم وبرامجهم بأنها لبنات في صرح القيم والمبادئ، التي لا تعرف الشطط، ولا تستجيب لليأس، ولا تركع للقهر، أو تركن إلى الاستبداد.


صاحب الرسالة طالب للحق، باحث عنه، جاهد في إصابته والوصول إليه، آخذ بشتى الوسائل، مستعين بمختلف المعارف، سالك كل السبل؛ ابتغاء  إصابة ذلك الحق، وإن خالف رغباته وأهواءه، يدور معه حيث دار، ويرتحل معه أينما ارتحل.


صاحب الرسالة يدعو إلى ما يؤمن به بالحكمة والموعظة الحسنة: بالبسمة الحانية، والكلمة العذبة، والقدوة المضيئة.. يقدم رسالته النبيلة في أبهى حلة، وأروع مظهر.


وهو مع ذلك محارب شجاع، وخصم عنيد، لا يعرف الضعف أو الاستسلام، يقاتل الباطل حتى آخر قطرة من دمه، وطرفة من عينه، ونبضة من قلبه، ثائر على قيود الذل، وقهر المستبدين، وعتو الظالمين.


إنهم لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، لا ينازعون أهل الدنيا في عزها، ولا يجزعون من ابتلاءاتها .. لا يعرف الاستعلاء إلى نفوسهم سبيلا، ولا يجد الاعتزاز بأنفسهم من قلوبهم مسلكا.


 أصحاب الرسالات مع ذلك ليسوا ملائكة أولي أجنحة، ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون، وصوابهم أكثر من خطئهم، قد يخطئون لقلة الخبرة، أو لتغليب حسن الظن، أو لسوء فهم عارض، ولكنهم يعودون إلى الحق من قريب، ويعتذرون بلا مكابرة أو مناورة أو مماراة، كما يتحملون عواقب أخطائهم.


فكم نحن بحاجة إلى من يحمل رسالة الحق، في خضم تلك الأمواج المتصارعة، وذلك الصخب الحضاري، نريد أرباب رسالة، لا أصحاب أطماع.


: الأوسمة



التالي
«تاجر الموت» سيحكم الهند!
السابق
الانقلاب ومعنى الإنجاز في النظم الشمولية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع