البحث

التفاصيل

د. عبادي: أملنا تشكيل جبهة واحدة تجمع أبناء الوطن كلهم ضد الفساد والاستبداد

الرابط المختصر :

أجرت جريدة "التجديد"، في عددها الصادر يوم أمس الخميس 13 مارس 2014، حوارا مطولا مع الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد عبادي، تطرق لمجموعة من القضايا تهم الشأن الداخلي للجماعة من قبيل "الديمقراطية الداخلية"، والحضور الإعلامي الوازن للدائرة السياسية، وعلاقة الدعوة بالسياسة.. كما تطرق إلى قضايا تهم علاقة الجماعة بباقي الأطياف السياسية من تيار إسلامي وعلماني، وقضية "الميثاق"، وموضوع المشاركة المباشرة في الحياة السياسية، والتحديات التي أفرزها "الربيع الديمقراطي" أمام الحركة الإسلامية.. وقضايا أخرى تجدونها ضمن هذا الحوار الذي نعيد نشره تعميما للفائدة.

بعد أزيد من سنة على وفاة مرشد الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين تغمده الله بواسع رحمته كيف تقيمون حضور فكره التربوي والتنظيمي في الجماعة؟

الجماعة تربت في أحضان المشروع التربوي للإمام رحمة الله عليه وستظل بحول الله وقوته تنهل منه حتى تترجمه إلى واقع تتجسد فيه معاني العدل والإحسان. وما أخال أن الزمان سيتجاوز هذا المشروع لما يتسم به من خصائص، فهو مشروع مؤصل، شمولي، واضح، هادف، مرن مستجيب لفطرة الإنسان، مقنع للعقل، ومطمئن للقلب، يرسم الخطوط العريضة لإعادة صياغة الشخصية المسلمة ولإعادة بناء الأمة.

وباختصار فهو تحيين للسنة النبوية وتطبيق عملي لها، ولذا أطلق عليه صاحبه "المنهاج النبوي"، ومن منبركم هذا نضم أصواتنا إلى أصوات كثير من المفكرين والباحثين الذين دعوا المهتمين بمناهج التغيير والإصلاح، من دعاة ومفكرين وسياسيين وغيرهم أن يولوا هذا المشروع العناية والاهتمام اللذين يستحقهما، فإن صاحبه رحمه الله بذل عصارة فكره وعصارة رغبته في نصر كلمة الله عز وجل خلال عقود طويلة، من أجل إرصاء هذا المشروع وتنزيله، وهو مشروع لا يينبغي أن تحتكره جماعة العدل والإحسان وحدها، بل هو مفتوح لجميع أبناء الأمة وحركاتها، والإمام عبد السلام ياسين رحمه الله رغم كل ذلك لا يدعي لفكره العصمة.

أما الشق التنظيمي من هذا المشروع فكان في تطور مستمر في حياته رحمه الله - ولا يزال - مسايرة لتطور الجماعة وتوسعها.

كيف تقيمون تطور وعطاء مختلف مؤسسات الجماعة خاصة في الشق المتعلق بالديمقراطية الداخلية، وهل سنشهد فتح جزء من أشغال مجلس الإرشاد مثلا مستقبلا في وجه الصحافة؟

لم تكن الجماعة بحمد الله تعالى في يوم ما قائمة على الاستبداد والاستئثار بالرأي، دون إشراك القواعد، كما يزعم من يتهمها بذلك عدوانا وبهتانا فمؤسسات الجماعة تسودها الشورى والنصيحة قبل الطاعة ويسودها الحب في الله قبل ذلك، وتتحاكم إلى قوانين تحدد صلاحياتها ومسؤلياتها، والمشرفون عليها تفرزهم صناديق الاقتراع من أسفل هرم التنظيم إلى أعلاه باستثناء نقباء الأسر.

أما الجواب عن سؤالكم هل سنشهد فتح جزء من أشغال مجلس الإرشاد في وجه الصحافة ، فإني أقول أنه ليس لدينا ما نخفيه، ونتمنى أن يأتي يوم يرفع فيه عنا الحصار وتكف المخابرات عن متابعة خطواتنا وإحصاء أنفاسنا لعرقلة سيرنا وقطع الطريق أمامنا، فنفتح أبوابنا أمام الصحافة وغيرها، ونمارس أنشطتنا ونعقد مجالسنا على مرأى ومسمع من الجميع ليعرف الناس من نحن وماذا نريد وكيف نفكر ونخطط .

يسجل نوع من الحضور القوي للدائرة السياسية بالإعلام مقارنة مع باقي مؤسسات الجماعة إلى أي شيء ترجعون ذلك؟

غياب كثير من أطر الجماعة عن وسائل الإعلام يرجع إلى أمرين اثنين، أولهما عكوفهم على بناء الجماعة تربية وتكوينا وتنظيما لا يترك لهم الفراغ للانشغال بالمجالات الأخرى. ثانيهما عزوف الإعلام نفسه عن الاهتمام بالجوانب المهمة التي تكرس الجماعة فيها معظم جهودها، وهو المجال التربوي الدعوي التكويني، وحصر اهتمامات المتابعين فيما يصدر عن الجماعة من بيانات ومواقف سياسية .

أما حضور القياديين من الدائرة السياسية في وسائل الإعلام فذلك من صلب اختصاصاتهم ومهماتهم، لأن الدائرة السياسية أنشئت أصلا للاهتمام بالشأن العام والتواصل مع الآخر والانفتاح عليه.

سبق وأن ذكرتم في الندوة الصحفية التي أعقبت انتخابكم أمينا عاما للجماعة، قولك "إن المشروع المجتمعي الذي تسعى الجماعة إلى بنائه هو مجتمع "العمران الأخوي" الذي يتفوق كثيرا على مقتضيات الديمقراطية" هل من شرح لهذا الشعار؟

المشروع المجتمعي الذي نسعى إلى بنائه، بتعاون مع أبناء وطننا أولا، ثم مع أبناء الأمة الإسلامية، يروم بناء مجتمع يسوده العدل، ويرتبط أعضاؤه بروابط الحب في الله، و تقوم العلاقة فيه على التراحم والتكارم والمواساة والإيثار والتعاون على الخير والتناهي عن الإثم والبغي، مجتمع يضمن للناس كل الناس حقوقهم ويصون كرامتهم، مجتمع يدفع بأعضائه إلى السعي لاكتساب ناصية العلوم والتكنولوجيا ويحدث نهضة اقتصادية يساهم بها في رفع المعاناة عن ملايين الجائعين الذين يمتص عرقهم ملأ الأرض ومستكبروها.وهذا ما نصطلح عليه في منهاجنا بمجتمع العمران الأخوي.

أما وجه تفوقه على الديمقراطية فيتمثل في كون المجتمعات اللائكية الديموقراطية ـ وإن اهتدت إلى إرساء قواعد سياسية في الحكم، وهذه تحتسب لها ويستفاد منها، مثل الفصل بين السلط والتحاكم إلى القانون وضمان الحريات وما شاكل ذلك ـ فإنها لم تستطع أن تحرر الإنسان من ربقة بهيميته وغطرسته وكبريائه ونزواته وشهواته، ولذا بدأت أصوات كثير من مفكريها تنادي بتخليق الديمقراطية وأنسنتها، وهيهات هيهات، ففاقد الشيء لا يعطيه. ثم إن الروابط في هذه المجتمعات مصلحية محضة، ينظمها القانون الوضعي ويغيب فيها الرقيب القلبي والوازع الإيماني. ويبقى الفرق الجوهري بين مجتمع العمران الأخوي الذي ننشده والمجتمعات اللائكية أنها لا تملك جوابا للأسئلة الوجودية الحرجة التي تقلق الإنسان وتزعجه: من أنا وما غايتي في هذا الوجود؟ وإلى أين أنا ذاهب؟

في بيان مجلس الشورى الأخير وفي تصريحات لقيادات في الجماعة يتكرر الحديث عن دعوة الجميع لحوار وطني وإلى صياغة ميثاق لإنقاذ البلد، لماذا لم تقم الجماعة لحد الساعة بمبادرة عملية في هذا الصدد؟

التواصل مع الفعاليات والأشخاص قائم ويتعمق أكثر، أما الهيئات والأحزاب فيصعب عليها في الظرف الراهن أن تستجيب لمشروع الميثاق الذي ندعو إليه، ربما مخافة أن تصنف، وتتهم بالتنسيق معنا، فتتعرض مصالحها للخطر، وتصبح متابعة مضايقة كما هو شأن الجماعة، أو لأنها لا تقدر أهمية هذه الخطوة وملحاحيتها وتحسبها مجرد مناورة سياسية.

أما الجماعة فهي جاهزة للمضي فيما تدعو إليه، وعدم تقديمنا لمبادرة عملية في ذلك يعود أساسا إلى حرصنا على البناء الجماعي لمشروع الميثاق، حتى لا نتهم بالاحتكار والإقصاء، ولدى الجماعة ما يمكن أن تساهم به إلى جانب الصادقين من أبناء البلد - وما أكثرهم والحمد لله - للخروج من هذا المأزق الذي تمر به البلاد، والحوار الجاد هو الكفيل بإيجاد الأجواء المساعدة لأن يدلي الجميع بما لديه دون إقصاء ولا فرض وصاية، ولا مناص لنا من المدخل الجماعي التشاركي التوافقي في ذلك كله.

في موضوع العلاقة بالسلطة وموضوع الحزب السياسي يتم الحديث عن"أن موقف الجماعة لن يتغير ما لم يتغير الواقع "فما هو الواقع الذي تنتظر الجماعة أن يتغير دون أن تساهم فيه؟

ما تكتلنا في تنظيم دعوي إلا للمساهمة في تغيير الواقع الفاسد، ولكن من أين يبدأ التغيير؟ هل يكفي تغيير الأنظمة والمناهج والقوانين والدساتير والإيديولوجيات والشعارات ليتغير الواقع من سيء إلى حسن فأحسن؟ أكيد، هذه الأمور يجب أن تتغير، ولكنها غير كافية لإحداث التغيير المنشود، فقد رفعت شعارات براقة طموحة بعد الاستقلال في بلدنا هذا وفي معظم الأقطار العربية والإسلامية فإذا بنا نجد أنفسنا بعد أكثر من نصف قرن في مؤخرة الركب الحضاري على جميع الأصعدة، لأننا لم ننطلق من حيث أمرنا الله عز وجل أن ننطلق من القاعدة الربانية في التغيير إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..

فإذا لم يتغير الإنسان ويتحرر من أمراضه القلبية وما أكثرها، كبر، عجب، شح، نفاق، غرور، حب الملذات والشهوات، خضوع للهوى، اتباع للشيطان... والقائمة تطول، سيكون هذا الإنسان وبالا على المجتمعات عندما تسند له المهام والمسؤوليات وخطرا على البيئة وكل المخلوقات، والواقع خير دليل وشاهد، ومن هنا نركز نحن في مشروعنا التغييري الشامل على التربية أساساً، يقول الإمام المرشد رحمه الله في كتابه "حوار مع الفضلاء الديموقراطيين" ".. ماذا تغني التخرصات والاستراتيجيات والترسانات إن كان جانب فقه العباد بدين الله مخروما، وكان التآخي في الله معدوما، وحب الله ورسوله والمؤمنين منقوصا، والآخرة مسكوتا عنها، وذكر الله أمرا نكرا، والطاعات مطففة، والأخلاق مجففة، والإيمان في القلوب باليا، والران عليها غاشيا. وقل ماشئت بعد أن تحكم مقدمات التربية وأسبقية تجديد الإيمان ويقظة التطلع إلى الإحسان، قل ماشئت عن ضرورة النضج الحركي، وإفشاء الشورى في الصف، وتكتيل الجهود بجمع الفصائل الإسلامية الجادة على مشروع، وعن ضبط التنظيم وتطعيمه بالوعي السياسي، ودراسة الأوضاع القائمة وعن التحالفات المرحلية وشروطها.." .

فإذا تربى الإنسان على فضائل الخير وتخلص من الرذائل، تربية وسط الفتنة لا في معزل عنها، تربية جماعية جهادية، وليست فردية، تأهل لأن ينطلق في المجتمع طاقة تتحدى الصعاب وتعلو على الجراح والحواجز، تبث الوعي السليم، توقظ الهمم، وتحرك الوجدان، وبذلك تتسع دائرة أهل الصلاح، وتضيق دائرة أهل الفساد بالتدريج، حتى تندحر، فيتحقق وعد الله عند ذلك وأنتم الأعلون إن كنتم مومنين ، وإن جندنا لهم الغالبون .

تكاد جماعة العدل والإحسان تشكل الاستثناء الوحيد في العالم الإسلامي والعربي من حيث المشاركة المباشرة في الحياة السياسية، عكس الحركة الإسلامية بتيارها السلفي أيضا في كل من مصر والسودان وتونس والجزائر وفلسطين وموريتانيا... هل من تفسير مقنع لذلك؟

ما ذكرته ليس على إطلاقه، فلسنا استثناء في عدم المشاركة المباشرة، وحتى الذين ارتأوا هذه المشاركة، تأتي عليهم أوقات ينسحبون ويقاطعون فيكون لذلك وقع وتأثير.

أما نحن فنحمد الله على تجربتنا وعلى ما سميته استثناء، لأن تجربة المشاركة المباشرة في الحياة السياسية في جل تلك الدول لا تغري ولا تشجع، فكثير من الحركات المشاركة كانت خسارتها أكبر من ربحها، ربما ربحت كسب تجربة، وحققت بعض الإنجازات الشكلية، لكنها خسرت كثيرا من مصداقيتها، وفقدت كثيرا من جمهورها، وفشلت في إنجاز كثير من وعودها لا لتقصير في الأداء فحسب، ولكن للقيود المفروضة عليها والعراقيل التي وضعت أمامها، وقد تساهم بهذه المشاركة الرسمية في تأبيد الفساد والاستبداد إذ توهم الشعب أن هناك تغييرا أو أملا في التغيير.

كثيرا ما يتم تبرير موقف عدم المشاركة السياسية المباشرة بوجود الفساد ومخافة ازدياده مع تلك المشاركة، فهل من تصور لعمل سياسي لا يوجد فيه هذا الاحتمال؟

لسنا والحمد لله ممن يبرر عدم المشاركة بوجود الفساد، فمحاولة الإصلاح من داخل بيئة فاسدة ملوثة هو عين الجهاد، وما يترتب عنه من أجر عند الله لا حصر له، ويمكننا أن نستحضر بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع، مثل قوله عليه السلام: "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" وقوله "عبادة الله في الهرج كالهجرة إلي" و".. العامل يومئذ بكتاب الله وسنة رسوله له أجر خمسين، قيل يارسول الله أمنا أو منهم؟ قال بل منكم" .

وعليه فلا وجود لعمل سياسي لا يتوفر فيه هذا الاحتمال، والتغيير يأتي نتيجة لسنة التدافع بين الخير والشر. أما المانع لنا من المشاركة الرسمية فهو فقدان الصلاحيات، والشروط المملاة، ومنها الانبطاح الكلي لإيديولوجية المخزن، وخدمة سياسته ومقاصده، الشيء الذي يفسد العملية السياسية برمتها.

كيف تنظرون إلى موضوع علاقة الدعوي بالسياسي بين من يرى بالفصل ومن يرى بالتمييز ومن يرى بالوصل، أي مقاربة تعتمدونها على مستوى جماعة العدل والإحسان؟

نحن نرى أن علاقة السياسة بالدعوة هي علاقة فرع بأصل، والإشراف للأصل لا للفرع، ومما جر الويلات على المسلمين هيمنة السياسة على الدعوة بعد الانكسار التاريخي، الذي تحولت فيه الخلافة الراشدة إلى ملك عاض، فأصبحت الدعوة في قبضة الدولة، ومنعت من الاهتمام بالشأن العام ومحاسبة المفسدين، بل وظفت الدعوة ـ ولا تزال توظف ـ لتزكية الظلم والفساد، وخدمة أهواء الحكام إلا ما انفلت من العلماء من قبضة الحكام وهم فئة قليلة في كل عصر ومصر.

وواقع آخر عشناه ولا يزال ماثلا أمام أعيننا، وهو الحركة التحررية الوطنية التي انطلقت دعوة من المسجد وبدافع الإيمان بالله تعالى والجهاد في سبيله، فإذا بهذه الدعوة مع مرور الأيام ومكر الحكام تذوب وتبتلعها السياسة.
فلا بد من أن تحتفظ الدعوة بمؤسساتها وأنشطتها وبرامجها وأطرها من المربين والدعاة، وأن يكون لها الإشراف العام على السياسة، حتى لا تحيد عن النهج، دون أن تتدخل بشكل سافر ومباشر في شؤون السياسة التي يجب إسنادها إلى أهل الخبرة والاختصاص المستوفين لشرطي الأمانة والتقوى .

ظهر في الآونة الأخيرة حزب الديمقراطيون الجدد، واعتبر هذا الحزب مشروعا قد يناسبكم كإطار سياسي، هل ترون أن مشاركتكم الحزبية قد تسلك هذا الخيار بعد"انسداد" باب تأسيس حزب سياسي خاص بأعضاء الجماعة؟

قد سبق للأستاذ فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة أن أجاب عن هذا السؤال في حوار أجراه معه موقع الجماعة، وأكد أن الانخراط في حزب آخر والاستظلال تحت مظلته غير وارد إطلاقا عندنا، لأن ذلك من شأنه أن يفقدنا ذاتيتنا ويبعدنا عن تصورنا ومبادئنا، لكننا في نفس الوقت ندعو إلى التنسيق والتعاون مع كل المكونات السياسية ونحرص على ذلك لما فيه خدمة شعبنا وبلدنا.

تتحدثون في الأوراق التعريفية بالجماعة عن اعتبار الحركة الإسلامية هي العمق الإستراتيجي الذي تنتمون إليه، وعبرتم عن رغبتكم في رابطة أو جبهة إسلامية، هل من تصور عملي لترجمة ذلك إلى واقع، وهل نتوقع مبادرات قريبة في هذا المجال؟

أبناء الحركة الإسلامية أقرب الناس إلينا وهم عمقنا الاستراتيجي، ولكن لا نرغب أن ينقسم المجتمع إلى جبهات يواجه بعضها بعضا، فأملنا أن تتشكل جبهة واحدة تجمع أبناء الوطن كلهم إسلاميين وعلمانيين ضد الفساد والاستبداد، والطريق إلى هذه الجبهة في نظري أن تجد هذه التشكيلات (إسلامية وعلمانية) فرصا للتواصل، ليتعرف كل واحد منها على الآخر عن قرب، وليأنس بعضها إلى بعض، ويفهم بعضها بعضا، ويحاور بعضها بعضا، فتزول كثير من الحواجز والخلافات الوهمية. ولن نعدم العثور على قواسم مشتركة توحدنا لمجابهة الظلم والفساد والتعاون على ما فيه مصلحة البلاد والعباد.

ماهي في نظركم أهم التحديات التي أفرزتها التحولات الأخيرة في ظل ما يعرف بالربيع الديموقراطي أمام الحركة الإسلامية؟ وما هي سبل تجاوزها؟

الأوضاع في ظل ما يعرف بالربيع الديموقراطي لم تستقر بعد فالأحداث تتفاعل والصراع مستمر ومصالح القوى الخارجية والداخلية تتشابك والأمة بمقدراتها هي الفريسة والضحية.
فعلى الحركات الإسلامية أن تعي فقه المرحلة، وأن تحاول أن تكون صمام الأمان، وأن تقود سفينة التغيير في هذه الأمواج العاتية إلى بر الأمان بحنكة فائقة، بالتوكل على الله وتحصين الصف الداخلي وتثبيته وتوطيد النفس على الصبر وتحمل الأذى وإيجاد مواطن أقدام في مؤسسات المجتمع، والانفتاح على الخصوم السياسيين والإيديولوجيين والتواصل معهم، والتغلغل في وسط الشعوب دعوة ورفقا وإحسانا.
وعليها أن تتحاشى الخطاب المستفز والمتعالى والمقصي للآخر، وألا تتصدى لتحمل مسؤوليات الدولة بانفراد، وأن تساهم إلى جانب كل الفرقاء السياسيين في تحمل المسؤولية، وأن تحسب الحساب للوضع الإقليمي والدولي، وإلا فهي مغامرة عواقبها وخيمة.

الحركة الإسلامية والعلاقة بين مكوناتها، ماذا تعني لكم هذه المفاهيم؟

العلاقة بين مكونات الحركة الإسلامية لسنا نحن من نحددها، فبحكم أننا نتبنى الإسلام عقيدة وشريعة فنحن ملزمون بالانضباط مع مقتضيات الولاية بين المؤمنين، وليحرص الجميع على أن لا تتعارض الولاية الخاصة في تنظيم معين مع الولاية العامة لكل المسلمين، فالغاية من الولاية الخاصة خدمة الولاية العامة والفتل في حبلها.

هناك من يستنكر تعدد الحركات الإسلامية ويطالب بدمجها في حركة واحدة، وهذه رغبة الجميع ولكنها أمنية بعيدة المنال، لأن كل حركة نشأت في بيئة معينة وتربت على تصور معين ورسمت أهدافا معينة يصعب عليها أن تنسلخ من جلدها بين عشية وضحاها وتذوب في غيرها، فالاختلاف قائم وهو مشروع ما لم يتحول إلى اختلاف تضاد، والتعاون مطلوب بل هو واجب، ولنعمل على تحقيق القاعدة الذهبية "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" .

كيف تقيمون العلاقة الحالية بين مكونات الحركة الإسلامية والعلمانية في ظل التحديات التي تعيش عليها المجتمعات الإسلامية؟

العلاقة الحالية بين مكونات الحركة الإسلامية والعلمانية يطبعها في الغالب التشنج، والتوجس، وسوء الظن، والاتهامات المتبادلة، والتحديات الكثيرة تفرض على الجميع العمل على إذابة الجليد ومد الجسور.
فعلى الحركات الإسلامية ألا تنظر إلى العلمانيين نظرة عداء واحتقار وازدراء، فهم شركاء الوطن، ولأن كراهية بعضهم للدين ولأهله كانت نتيجة استغلال الدين في تزكية الظلم وممارسته، ونتيجة الخضوع لمناهج التعليم المستوردة التي عملت على مسخ فطرة الإنسان المسلم، ونتيجة الإعلام المزيف الذي يشوه صورة الإسلام والمسلمين. وعليها أن تترفق بالناس جميعا وتتلطف.

وشريعتنا وضعت لنا قواعد للتعامل والحوار تؤثر في الخصم وتكسبه مهما كان عناده وعداؤه ومنها قول الله سبحانه وتعالى: إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وقوله عز من قائل لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم فقدم الله الإحسان على العدل، وفي مجال الحوار يقول تعالى إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وقوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه أي لا تخفه ولا تفرض عليه عقيدتك ورأيك واختيارك، بل وفر له الأمن والحماية.

وعلى العلمانيين في الجانب الآخر أن يعوا حقيقة الإسلام باعتباره دين تحرر شامل من الهوى والطواغيت، من رسالته تحقيق العدالة والحرية والكرامة لجميع الناس، وأن يعوا أن العالم الإسلامي لن يقبل غير نبتة الإسلام، وأن ما سوى الإسلام من الإيديولوجيات غير مرحب به، ولن تقبلها تربته، وعليهم أن يصطلحوا مع الذات ويتخلصوا من الفصام النكد في شخصيتهم، وأن يتأكدوا أن شرع الله ـ وهو أرحم الراحمين ـ هو الذي يضمن سعادة البشر دنيا وأخرى، وأن لا يحاكموا الإسلام من جراء ظلم الحكام وتصرفات وأفكار بعض من تأثروا بمذهب الخوارج وهم ضحية كذلك، المجدي معهم الحوار الهادئ أما القمع والسجون فلن يزيدهم إلا تصلبا لآرائهم ومواقفهم.


: الأوسمة



التالي
همام سعيد: الإخوان ليسوا إرهابيين والسعودية أخطأت
السابق
الغنوشي لـ«التجديد»: نجاح التونسيين يكمن في توافقهم (حوار)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع