البحث

التفاصيل

تعرّض الأنبياء عليهم السلام للأذى والصدّ عن سبيل الله عزّ وجلّ مِنْ قِبَلِ أعداء الدعوة.

الرابط المختصر :

تعرّض الأنبياء عليهم السلام للأذى والصدّ عن سبيل الله عزّ وجلّ مِنْ قِبَلِ أعداء الدعوة.

بقلم: الدكتور علي محمد الصلابي (عضو الاتحاد)

 

   من سنن الله في دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تعرّضهم للأذى ، ووقوف المفسدين في طريق دعوتهم ، يصدونهم ، ويشوّهون دعوتهم ، ويؤذونهم بصنوف الأذى والابتلاء ، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ *}  [الانعام :  34].

   ولمّا جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل ابن عمِّ خديجة رضي الله عنها ، وأخبره بما رأى في غار حراء من نزول الوحي قال له ورقة: هذا الناموسُ الذي نزّل على موسى: يا ليتني فيها جذعاً ، ليتني أكونُ حياً ، إذ يخرجُك قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مخرجي هم؟» قال نعم ، لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثلِ ما جئتَ به إلا عُودي ، وإن يدركني يومك أنصرْك نصراً مؤزّراً.

   ومن صور الأذى والصد عن سبيل الله عز وجل التي تعرّض لها أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام:

1 ـ السخرية ، ورميهم تارة بالسحر ، وتارة بالجنون والسفاهة ، وتارة بالكذب والضلالة:

والشواهد في القران على هذا كثيرة منها:

قال تعالى عن قوم نوح عليه السلام: {قَالَ الْمَلأَ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ*} [الاعراف :  60]. وقال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ *} ] المؤمنون :  25].

وقال عز وجل عن قوم هود عليه السلام: {قَالَ الْمَلأَُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *}  [الاعراف :  66].

وقال تعالى عن قوم صالح عليه السلام: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ *} [الشعراء :  153].

ونفس هذه المقولة قالها قوم شعيبٍ لنبيهم: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ *}  [الشعراء :  185].

وقال تعالى عن قوم فرعون: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ *} [يونس :  76].

 وقال تعالى عن مشركي العرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ *}  [الانبياء :  5].

وقال عزَّ وجل مخبراً عن هذا الموقف الموحّد من المشركين مع أنبيائهم عليهم السلام: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ *أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ *}  [الذاريات :  52 ـ 53].

2 ـ القتل والسجن والإخراج من الأرض:

  قال تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ *}  [الشعراء :  116].

وقال تعالى عن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ *}  [الانبياء :  68].

وإخباره تعالى عن تهديد قوم شعيب لنبيهم عليه السلام بقوله تعالى: {قَالَ الْمَلأَُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الاعراف :  88].

  وقول قوم لوط لنبيهم عليه السلام وأهله في قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ *} [النمل :  56].

ولما قصّ الله عز وجل علينا خبرَ قوم نوح وهود وصالح مع رسلهم عليهم السلام في سورة إبراهيم [13] قال بعد ذلك: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنِا}.

وقوله تعالى عن تهديد فرعون لموسى عليه السلام بالقتل: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ}  [غافر :  26].

  وما تعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم من التهديد بالسجن ، أو الإخراج ، أو القتل ، والذي ذكره الله عز وجل في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ *}  [الانفال :  30].

  وقال نوح عليه السلام عندما هُدِّدَ بالرجم: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ *فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *} [الشعراء :  117 ـ 118].

وقال شعيب عليه السلام عندما هُدِّدَ بالإخراج من بلده: {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ *} [الاعراف :  89].

وقال لوط عليه السلام بعدما هُدِّدَ بالإخراج: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ *رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ *} [الشعراء:  168 ـ 169].

  وقد يلجأ المبطلُ إلى القوّة المادية ، فيقتل بعضَ أنبياء الله ، ويعذّب بعضاً اخر ، بعد أن تعوِزُه الحجّة ، وينقصه البرهانُ والدليل ، فيكون التجاؤه إلى التعذيب والتقتيل عنوان خذلانه ، وعلامةً على نصر أعدائه ، ورُبَّ معذب أو قتيل كتب الله له النصر ، ولدعوته الظفر والتأييد ، وربَّ جبار أو عنيد كتب الله عليه الذل ، وسجّل عليه الخذلان ، فكان الأول حياً في موته ، منتصراً في قبره ، وكان الثاني ميتاً في حياته ، مكبوتاً في جبروته وكبريائه ، فهو نصر معنوي ، يظفر فيه الحقّ بالباطل ، وتظهر فيه الحجّة على التقليد ، والبرهان على الشبهة ، وقوة الروح على قوة المادة ، وقد يكونُ مع النصر المعنوي نصرٌ مادي ، كإنجاء الله إبراهيم من النار ، بعد أن دبّروا له ما دبّروا ، وصنعوا له ما صنعوا ، وإنجاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من تدبير قريش لقتله ، كلُّ ذلك نصر مادّي ، ومعه نصر معنوي.

3 ـ التضييقُ في الرزق ، وانتهاجُ سياسة التجويع والحصار الاقتصادي:

   ويتّضحُ هذا مما قام به المشركون في مكة من مقاطعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومَنْ امن معه مقاطعةً اقتصادية في البيع والشراء وغير ذلك ، ومحاربتهم في شِعْبِ أبي طالب ، حتى مسّهم الضرُّ ، وبلغ منهم الجوع مبلغاً شديداً ، وكذلك ما نادى به المنافقون في المدينة من محاولةٍ لتضييق سبل الرزق لمن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يتفرّقوا عنه ، وينشغلوا في بطلب المعاش ، قال تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ *}  [المنافقون :  17].

وهي قولةٌ يتجلّى فيها خُبثُ الطبع ، ولؤم النحيزة، ذلك أنّه لخسّة مشاعرهم يحسبون لقمة العيش هي كلُّ شيء في الحياة ، كما هي في حسهم ، فيحاربون بها المؤمنين... وهي خطة غيرهم ممّن يحاربون الدعوة إلى الله عز وجل من قديم الزمان إلى هذا الزمان ، ناسين الحقيقة البسيطة ، التي يذكّرهم القرانُ بها قبل ختام هذه الاية: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ *} [المنافقون: 7].

4 ـ إثارة الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة وجعلها أحزاباً وشيعاً:

   وهذا واضحٌ من قوله تعالى عن فرعون مصر: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ *}  [القصص :  4].

وكذلك ما حاوله اليهود زمنَ الرسول صلى الله عليه وسلم من إثارةِ النعرات بين الأوس والخزرج بعد إسلامهم ، ولكنّهم باءوا بالفشل ، وعصم الله سبحانه الأنصار بوجود الرسول صلى الله عليه وسلم.

5 ـ اتهامهم بالفساد والإفساد وإثارة الفتن:

   ويتّضحُ هذا جلياً من قوله تعالى عن المقولة الجائرة لفرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ *} [غافر:  26].

  وقال تعالى عن الملأ من قوم فرعون: {وَقَالَ الْمَلأَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الاعراف :  127].

6 ـ اتّهام الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام بأنّهم طُلاّب مُلْكٍ ودنيا ، وليسوا مخلصين فيما ينادون به:

قال تعالى: {مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون :  24].

وقوله تعالى أيضاً في مقولة فرعون لموسى عندما رأى معجزة العصا: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى *}  [طه :  57].

وقوله تعالى عن فرعون وقومه وعن موسى وهارون عليهما السلام:

{أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ *}  [يونس :  78].

وفي قوله تعالى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ}  [يونس :  78]: هذه الكلمة مِنْ ملأ فرعون هي إذكاءٌ لشعور الرفعة وأبّهة السلطان ، وتأريثٌ للعداوة والبغضاء لموسى وأخيه ، لأنّه يحاول بعمله هذا أن يَسْلُبَ فرعون مُلكه ، ويقضي على نفوذه وعظمته ، وهي دسيسةُ خبيثةٌ دنيئةٌ ألفناها من بطانات الرؤساء ، وتعوّدناها من حواشي السوء ، إذا كرهوا رجلاً دسّوا عليه تلك الدّسيسة ، واتّهموه بتلك التهمة ، لأنّهم يعلمون أنّ الرؤساء لا يتأثرون بشيءٍ تأثرهم بما يمسّ سلطانهم ، ويتعلق بسلطانهم ، فإذا لقنوهم تلك الكلمة فإنّهم لا يناقشون فيها ، ولا يطلبون عليها دليلاً ، ولا شبه دليل من ذلك المبلِّغ الدسّاس ، وهي طبيعةٌ من طبائع التسلط ، وخُلقٌ من أخلاقه ، ولا تخص رجلاً دونَ اخر ، ولا تتعلّق بجيلٍ دونَ جيلٍ.

    وقد يعلم ملأ فرعون أنّ موسى عليه السلام وأخاه هارون لا يريدان ملكاً ، وإنما يريدان إصلاحاً في الأرض ، وإنقاذاً لبني إسرائيل من بطش فرعون وظلمه ، ولـكنّ بطانات السوء تأبى إلا أن تظهِرَ المصلحَ بتلك الصورة ، التي من شأنها أن يطيرَ لها لبُّ فرعون ومَنْ على شاكلته من الظلمة المستبدين ، لـذلك لجأوا إلى تلك الدسيسـة ، دسيسة أنّهما يريدانِ مُلكـاً ، ولا يريدان رسالـة.

  وهذه الصور من الأذى والصدّ عن سبيل الله تعالى تبيّنُ لنا سنةَ الله عزّ وجل في الصراع بين الحق والباطل ، وسنته سبحانه في الابتلاء والتمحيص.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي

http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book94(1).pdf

 


: الأوسمة



السابق
الاتحاد ورابطة علماء فلسطين يصدران كتاب "سيداو في ميزان الشرع والعقل والفطرة السليمة"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع