البحث

التفاصيل

علي (رضي الله عنه) في عهد الخليفة عثمان بن عفان

الرابط المختصر :

علي (رضي الله عنه) في عهد الخليفة عثمان بن عفان 

الحلقة الثانية والعشرون

بقلم الدكتور علي محمد ط الصلابي

جمادى الأولى 1441 ه/ يناير 2020م

1- موقف علي رضي الله عنه في بداية الفتنة:
استمر علي رضي الله عنه في طريقته المعهودة مع الخلفاء ، وهي السمع والطاعة والإدلاء بالمشورة والنصح ، وقد عبر بنفسه عن مدى طاعته للخليفة عثمان، والتزام أمره ، ولو كان شاقاً بقوله: لو سيرني عثمان إلى صرار لسمعت وأطعت.
وعندما نزل المتمردون في ذي المروة قبل مقتل عثمان بما يقارب شهراً ونصفاً، أرسل إليهم عثمان علياً ورجلاً اخر لم تسمِّه الروايات ، والتقى بهم علي رضي الله عنه فقال لهم: تعطون كتاب الله ، وتعتبون من كل ما سخطتم ؟ فوافقوا على ذلك, وفي رواية: أنهم شادُّوه وشادهم مرتين أو ثلاثاً ، ثم قالوا: ابن عم رسول الله ﷺ ، ورسول أمير المؤمنين يعرض عليكم كتاب الله ، فقبلوا، فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب ، والمحروم يعطى ، ويوفر الفيء ، ويعدل في القسم ، ويستعمل ذو الأمانة والقوة ، وكتبوا ذلك في كتاب ، أن يرد ابن عامر على البصرة ، وأن يبقى أبو موسى على الكوفة.
وهكذا اصطلح عثمان رضي الله عنه مع كل وفد على حدة ، ثم انصرفت الوفود إلى ديارها ، وبعد هذا الصلح وعودة أهل الأمصار جميعاً راضين تبين لمشعلي الفتنة أن خطتهم قد فشلت ، وأن أهدافهم الدنيئة لم تتحقق ، لذا خططوا تخطيطاً اخر يذكي الفتنة ويحييها ، يقتضي تدمير ما جرى من صلح بين أهل الأمصار ، وعثمان رضي الله عنه ، وبرز ذلك فيما يأتي:
في أثناء طريق عودة أهل مصر ، رأوا راكباً على جمل قال: يتعرض لهم ، ويفارقهم فكأنه يقول: خذوني ، فقبضوا عليه ، وقالوا له: ما لك؟ أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله ، فتحوا الكتاب فإذا فيه أمر بصلبهم أو قتلهم أو تقطيع أيديهم وأرجلهم ، فرجعوا إلى المدينة حتى وصلوها، ونفى عثمان رضي الله عنه أن يكون كتب هذا الكتاب ، وقال لهم: إنهما اثنتان: أن تقيموا رجلين من المسلمين ، أو يمين بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ، ولا أمللت ، ولا علمت ، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم، فلم يصدقوه وهو الصادق البار لغاية في نفوسهم.
وهذا الكتاب الذي زعم هؤلاء المتمردون البغاة المنحرفون أنه من عثمان وعليه خاتمه يحمله غلامه على واحد من إبل الصدقة إلى عامله بمصر ابن أبي سرح، يأمر فيه بقتل هؤلاء الخارجين؛ هو كتاب مزور مكذوب على لسان عثمان ، وذلك لعدة أمور؛ منها: كيف علم العراقيون بالأمر وقد اتجهوا إلى بلادهم ، وفصلتهم عن المصريين الذين أمسكوا بالكتاب المزعوم مسافة شاسعة، فالعراقيون في الشرق والمصريون في الغرب ، ومع ذلك عادوا جميعاً في ان واحد ، كأنما كانوا على ميعاد؟ لا يعقل هذا إلا إذا كان الذين زوَّروا الكتاب واستأجروا راكباً ليحمله ويمثل الدور في البويب أمام المصريين ، قد استأجروا راكباً اخر انطلق إلى العراقيين ليخبرهم بأن المصريين قد اكتشفوا كتاباً بعث فيه عثمان لقتل المنحرفين المصريين ، وهذا ما احتج به علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فقد قال: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر ، وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا؟! بل إن علياً يجزم: هذا والله أمر أبرم بالمدينة.
إن هذا الكتاب المشؤوم ليس أول كتاب يزوِّره هؤلاء المجرمون ، بل زوَّروا كتباً على لسان أمهات المؤمنين ، وكذلك على لسان علي وطلحة والزبير ، فهذه عائشة رضي الله عنها تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان، فتنفي وتقول: لا والذي امن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا. ويعقب الأعمش فيقول: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها.
ويتهم الوافدون علياً بأنه كتب إليهم أن يقدموا عليه بالمدينة ، فينكر ذلك عليهم ويقسم: والله ما كتبت إليكم كتاباً.
كما ينسب إلى الصحابة بكتابة الكتب إلى أهل الأمصار يأمرونهم بالقدوم إليهم، فدين محمد قد فسد وترك ، والجهاد في المدينة خير من الرباط في الثغور البعيدة. ويعلق ابن كثير على هذا الخبر قائلاً : وهذا كذب على الصحابة ، وإنما كتبت كتب مزورة عليهم ، فقد كُتب من جهة علي وطلحة والزبير إلى الخوارج - قتلة عثمان - كُتُبٌ مزورة عليهم أنكروها ، وكذلك زُوّر هذا الكتاب على عثمان أيضاً ، فإنه لم يأمر به ، ولم يعلم به. ويؤكد كلام ابن كثير ما رواه الطبري وخليفة من استنكار كبار الصحابة ـ علي وعائشة والزبير ـ أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات.
إن الأيدي المجرمة التي زوّرت الرسائل الكاذبة على لسان أولئك الصحابة هي نفسها التي أوقدت نار الفتن من أولها إلى آخرها ، ورتبت ذلك الفساد العريض ، وهي التي زوَّرت وروّجت على عثمان تلك الأباطيل ، وإنه فعل وفعل ، ولقنتها للناس ، حتى قبلها الرعاع ، ثم زوَّرت على لسان عثمان ذلك الكتاب ، ليذهب عثمان ضحية إلى ربه شهيداً سعيداً ، ولم يكن عثمان الشهيد هو المجني عليه وحده في هذه المؤامرة السبئية اليهودية ، بل الإسلام نفسه كان مجنياً عليه قبل ذلك ، ثم التاريخ المشوّه المحرَّف ، والأجيال الإسلامية التي تلقت تاريخها مشوَّهاً هي كذلك ممن جنى عليهم الخبيث اليهودي ، وأعوانه من أصحاب المطامع والشهوات والحقد الدفين .. أما ان للأجيال الإسلامية أن تعرف تاريخها الحق ، وسير رجالاتها العظام؟! بل ألم يأن لمن يكتب في هذا العصر من المسلمين أن يخاف الله ولا يتجرأ على تجريح الأبرياء قبل أن يحقق ويدقق حتى لا يسقط كما سقط غيره.

2- موقف علي رضي الله عنه أثناء الحصار:
اشتد الحصار على عثمان رضي الله عنه ، حتى منع من أن يحضر للصلاة في المسجد ، وكان صابراً على هذه البلوى التي أصابته كما أمره رسول الله ﷺ بذلك ، وكان مع إيمانه القوي بالقضاء والقدر ، يحاول أن يجد حلاً لهذه المصيبة، فنراه تارة يخطب الناس عن حرمة دم المسلم ، وأنه لا يحل سفكه إلا بحقه ، وتارة يتحدث في الناس ويظهر فضائله وخدماته الجليلة في الإسلام ، ويستشهد على ذلك ببقية العشرة رضوان الله عليهم وكأنه يقول: من هذا عمله وفضله هل من الممكن أن يطمع بالدنيا ويقدمها على الاخرة ؟! وهل يعقل أن يخون الأمانة ويعبث بأموال الأمة ودمائها وهو يعرف عاقبة ذلك عند الله ، وهو الذي تربى على عين النبي ﷺ والذي شهد له وزكاه ، وكذلك أفاضل الصحابة، أهكذا تكون معاملته؟!
واشتدت سيطرة الثوار على المدينة حتى إنهم ليصلون بالناس في أغلب الأوقات، وحينها أدرك الصحابة أن الأمر ليس كما حسبوا ، وخشوا من حدوث ما لا يحمده عقباه ، وقد بلغهم أن القوم يريدون قتله ، فعرضوا عليه أن يدافعوا عنه ، ويخرجوا الغوغاء عن المدينة ، إلا أنه رفض أن يراق دم بسببه .
وأرسل كبار الصحابة أبناءهم دون استشارة عثمان رضي الله عنه ، ومن هؤلاء الحسن بن علي رضي الله عنهما ، وعبد الله بن الزبير ، حيث تذكر بعض الروايات: أن الحسن حمل جريحاً من الدار يوم الدار، كما جرح غير الحسن ، عبد الله بن الزبير ، ومحمد بن حاطب ، ومروان بن الحكم ، كما كان معهم الحسين بن علي وابن عمر رضي الله عنهما.
وقد كان علي من أدفع الناس عن عثمان رضي الله عنه ، وشهد له بذلك مروان بن الحكم، أقرب الناس إلى عثمان رضي الله عنه ، وألصقهم به في تلك المحنة القاسية الأليمة ، وقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن علياً أرسل إلى عثمان فقال: إن معي خمسمئة دارع، فأذن لي ، فأمنعك من القوم ، فإنك لم تحدث شيئاً يستحل به دمك ، فقال: جزيت خيراً ، ما أحب أن يهرق دم في سببي.
وقد وردت روايات عديدة تفيد وقوفه بجانب عثمان رضي الله عنهما ، أثناء الحصار فمن ذلك: أن الثائرين منعوا عن عثمان الماء حتى كاد أهله أن يموتوا عطشاً ، فأرسل علي رضي الله عنه إليه بثلاث قرب مملوءة ماء ، فما كادت تصل إليه، وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصلت.
ولقد تسارعت الأحداث فوثب الغوغاء على عثمان وقتلوه رضي الله عنه وأرضاه ، ووصل الخبر إلى الصحابة وأكثرهم في المسجد ، فذهبت عقولهم ، وقال علي لأبنائه وأبناء إخوانه: كيف قتل عثمان وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن، وكان قد جرح، وضرب صدر الحسين ، وشتم ابن الزبير وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله وهو يقول: تباً لكم سائر الدهر ، اللهم إني أبرأ إليك من دمه أن أكون قتلت أو مالأت على قتله.
وهكذا كان موقف علي رضي الله عنه ، نصح وشورى ، سمع وطاعة ، وقفة قوية بجانبه أثناء الفتنة ، ومن أدفع الناس عنه ، ولم يذكره بسوء قط ، يحاول الإصلاح وسد الخرق بين الخليفة والخارجين عليه ، لكن الأمر فوق طاقته ، وخارج إرادته؛ إنها إرادة الله عز وجل أن يفوز أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه بالشهادة.
3- المصاهرات بين آل علي وآل عثمان رضي الله عنهم:
لم يكن بين بني هاشم وبني أمية من المباغضة والعداوة والمنافرة التي اخترعها وابتكرها أعداء الإسلام والمسلمين ، ونسجوا الأساطير والقصص حولها ، ولقد اتضح لكل منصف أن بني أمية مع بني هاشم علاقتهم فيما بينهم علاقة أبناء العمومة والإخوان والخلان؛ فهم من أقرب الناس فيما بينهم ، يتبادلون الحب والتقدير والاحترام ، ويتقاسمون الهموم والآلام والأحزان ، فبنو أمية وبنو هاشم كلهم أبناء أب واحد ، وأحفاد جد واحد ، وأغصان شجرة واحدة قبل الإسلام وبعد الإسلام ، وكلهم استقوا من عين واحدة ومنبع صاف واحد ، وأخذوا الثمار من دين الله الحنيف الذي جاء به رسول الله الصادق الأمين ، المعلم ، المربي ، خاتم الأنبياء والمرسلين.
ولقد كان بين أبي سفيان وبين العباس صداقة يضرب بها الأمثال، كما كانت بينهم المصاهرات قبل الإسلام وبعده، فلقد زوج رسول الله ﷺ بناته الثلاثة من الأربعة من بني أمية: من أبي العاص بن الربيع وهو من بني أمية ، ومن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، وهو مع ذلك ابن بنت عمة رسول الله ﷺ التي ولدت مع والد رسول الله عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عبد المطلب توأمين: أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس ، وهي أم عثمان ، وأمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ .
هذا ولقد تزوج بعد عثمان بن عفان رضي الله عنه من بني هاشم ابنه أبان بن عثمان ، وكانت عنده أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر (الطيار) بن أبي طالب شقيق علي رضي الله عنهما، وحفيدة علي وبنت الحسين سكينة كانت متزوجة من حفيد عثمان زيد بن عمرو بن عثمان رضي الله عنهم أجمعين ، وحفيدة علي الثانية وابنة الحسين فاطمة كانت متزوجة من حفيد عثمان الاخر؛ محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وكانت أم حبيبة بنت أبي سفيان سيد بني أمية متزوجة من سيد بني هاشم وسيد ولد ادم رسول الله الصادق الأمين كما هو معروف ، كما أن هند بنت أبي سفيان كانت متزوجة من الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم فولدت له ابنه محمد.
وتزوجت لبابة بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ، العباس بن علي بن أبي طالب ، ثم خلف عليها الوليد بن عتبة(ابن أخ معاوية) ابن أبي سفيان، وتزوجت رملة بنت محمد بن جعفر الطيار بن أبي طالب سليمان بن هشام بن عبد الملك (الأموي) ، ثم أبا القاسم بن وليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكذلك تزوجت ابنة علي بن أبي طالب رملة من ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، فقد كانت رملة بنت علي عند أبي الهياج.. ثم خلف عليها معاوية بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، وتزوجت حفيدة علي بن أبي طالب من حفيد مروان بن الحكم، فنفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب تزوجها وليد بن عبد الملك بن مروان ، فتوفيت عنده، وأمها لبابة بنت عبد الله بن عباس. وقد اكتفيت ببيان بعض منها ، وفيها كفاية لمن أراد الحق والتبصر.

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره


: الأوسمة



التالي
(23)علي (رضي الله عنه) في عهد الخليفة عثمان بن عفان
السابق
علي رضي الله عنه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع