البحث

التفاصيل

إسطنبول.. لجنة الأسرة تعقد ندوة بعنوان "رد الشبهات المعاصرة حول قضايا الأسرة" بمشاركة ثُلة من علماء الأمة

إسطنبول.. لجنة الأسرة تعقد ندوة بعنوان "رد الشبهات المعاصرة حول قضايا الأسرة" بمشاركة ثُلة من علماء الأمة

 

نظمت لجنة الأسرة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ندوتها الثالثة في سلسلة ندوات "تعزيز دور العلماء في حماية الأسرة" وذلك تحت عنوان "رد الشبهات المعاصرة حول قضايا الأسرة"، وقد عُقدت الندوة عقب انتهاء اجتماع مجلس أمناء الإتحاد، وذلك بتاريخ 29 يناير 2023م في مقر اتحاد علماء تركيا (UMAD) ممثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تركيا.

وقد ترأس الندوة فضيلة الأستاذ الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي – رئيس جامعة طرابلس– لبنان ورئيس المركز الدولي لحقوق الإنسان والقانون المقارن، وعضو لجنة الأسرة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث افتتح الندوة بالترحيب بفضيلة أمين عام الاتحاد الأستاذ الدكتور علي القرة داغي، والسادة العلماء الحاضرين من أعضاء الإتحاد.

وقد أوضح د.الميقاتي أهداف الندوة، والمتمثلة في:

  • تسليط الضوء على الشبهات المعاصرة المتعلقة بقضايا الأسرة، تمهيدًا لوضع الردود الفقهية اللازمة عليها.
  •  تعزيز دور العلماء في التصدي للشبهات المعاصرة وتحصين فتاواهم من أفخاخ المسائل الجزئية التي تشكل -مجتمعة- منظومة تتوافق مع القانون الدولي، وتتصادم مع الشريعة الإسلامية؛
  • استصدار فتاوى موثقة من الاتحاد، تتصدى للشبهات التي تثيرها المواثيق الدولية، بهدف الحفاظ على مؤسسة الأسرة؛
  • الخروج بمقترحات لموضوعات بحوث لأقسام الدراسات العليا بالجامعات، وتوجيه الباحثين نحو عناوين معينة تتعلق بمآلات الشبهات المعاصرة؛
  • مناقشة الحلول الممكنة للمشكلات الموجودة على أرض الواقع الناتجة عن البعد عن الشرع الحنيف، والتي لها أثر في بروز الشبهات؛
  • تحصين الأسرة من آثار التشريعات الناشئة عن المواثيق الدولية؛
  • وضع نموذج قانون إسلامي للأسرة يكون مرجعية تشريعية لقوانين الأسرة في العالم الإسلامي.
  • أن يكون للعلماء دور بارز ومؤثر في رسم السياسات التشريعية في الدول الإسلامية.

كما أكد على أن الندوة تستهدف توضيح مآلات إقرار كل تلك التعديلات التشريعية، وآثارها على الأسرة، وما قد يترتب عليها من نقض لبعض أصول الإسلام.

  ثم قدمت الدكتورة كاميليا حلمي رئيسة لجنة الأسرة في الاتحاد كلمة أشارت فيها إلى أن هذه الندوة هي ندوة تحضيرية لما بعدها من سلسلة ندوات تستهدف الرد على الشبهات المعاصرة حول قضايا الأسرة، والتي برزت حديثا كنتيجة للمشكلات الناجمة عن تغيير قوانين الأسرة في الدول الإسلامية لتتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة، ومنها على سبيل المثال:

  • إلغاء القوامة واستبدالها بالشراكة والتناصف، وما ترتب عليه من شبهات؛
  • وتشريع رفع سن الزواج، الذي فتح المجال أمام ارتكاب الفواحش، وما ترتب عليها من حصول حالات حمل السفاح، مع إغفال الهدي النبوي الذي شجع الشباب على الزواج {من استطاع منكم الباءة فليتزوج}، والتغاضي عن الإفساد التشريعي الحاصل بتجريم الزواج تحت سن الثامنة عشرة! وبدء انتشار الدعوات لرفع الوصمة عن الفتيات اللاتي ينجبن سفاحًا، وتسميتهن بالأمهات العازبات، حتى أصبحت المؤتمرات تعقد للتداول في مشكلة "الأمهات العازبات"، وتطرح حلولا تزيد المشكلة تفاقما، وتشجع على ارتكاب الفواحش، مثل تأسيس بيوت لإيواء "الأم العازبة"، وتخصيص معاش لها، والتعامل معها بكل احترام، ويتم الاستشهاد بموقف النبي صلى الله عليه وسلم من الغامدية!! مع إغفال أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام عليها الحد.

كذلك ظهور شبهات الدعوة للمساواة بين الأطفال الشرعيين وغير الشرعيين في النسب والإنفاق والميراث وما إلى ذلك. و جميعها من الشبهات المستجدة التي تحتاج إلى علماء مقاصديين يدركون أبعاد المنظومة الدولية لهدم الأسرة، وينظرون إلى تلك الشبهات من منظور شامل لا يغفل أي جزئية من جزئيات تلك المنظومة، وعيونهم على مصلحة الأسرة بشكل خاص، والمجتمع ككل بشكل عام.

من جهته أكد فضيلة الأستاذ الدكتور على القرداغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على أن مناقشة الموضوع ينبغي ان تنطلق من منطلق فطري وشرعي، حيث أن هذا الكون يقوم على التوازن وليس على المساواة، وأن التوازن القائم على العدل هو الحل الوحيد لهذه المسألة، فالمساواة لا تحقق دائمًا العدالة، والتوازن هو الأساس وهو ما يسمى بـ(فقه الميزان)، وأن ميزان الأسرة له كفتان (المرأة والرجل) وكل واحد من الكفتين له دور في تحقيق العمران والاستخلاف والعبودية لله، فالكون كله  يقوم على الزوجية، يقول الله تعالى "وليس الذكر كالأنثى"، فطريًا ليس الذكر كالأنثى، وليست الأنثى كالذكر، فهما يختلفان حتى في الكروموسومات.

تلتها مداخلة الدكتور عبد المجيد النجار الأمين المساعد و عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، التي أشار فيها إلى ضرورة فهم المنطلقات التي ينطلق منها القائلون بهذه الشبهات وهي شبهات مصدرها الفكر الغربي، الذي يقوم على مبدأ التغيير المطلق، فلا يوجد شيء في الكون والحياة ثابت، وهي فكرة يونانية قديمة تسربت إلى الفكر الغربي وظهرت في مراحل كثيرة، وانطلقت من هذه الفكرة فلسفة من أشهر الفلسفات الحديثة هي (الوجودية) ووفقًا لتلك الفلسفة، فإن الإنسان يصنع هويتيه ذكر أو أنثى (الوجود قبل الهوية) ومن هنا جاءت المثلية، ثم اعترفت التشريعات بالزواج المثلي، فليس هناك خصوصية لا للمرأة ولا للرجل ولكن كل شيء مصنوع ومتغير، وردنا على الشبهات المثارة حول (القوامة و المساواة وغيرها)، لابد أن يكون من منطلق الفهم لهذا الفكر، ولابد أن يكون مبنيًا على بيان حقيقة الهوية الإنسانية وطبيعة هذه الهوية وثبات هذه الهوية بين المرأة والرجل، وأن الكون كله مبني على سنن لا تتغير، بنص القرآن.

   ثم أكدت الدكتورة فريدة الزوزو عضو لجنة الفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: على أن دور العلماء ينبغي أن يتركز في أطر ثلاثة : أولاً الرؤية المقاصدية ومرجعيتنا القرآن والسنة، التي تشكل الإطار العام والخيط الناظم الذي يجمع كل الجزئيات الفقهية، ثانياً والرؤية الفلسفية (الإطار الفلسفي) التي نخاطب بها غير المسلمين، وثالثاً الرؤية الفطرية.

ثم كانت مداخلة لفضيلة الشيخ الدكتور محمد الصغير رئيس هيئة نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: مؤكدا أن ما جرى التطرق إليه من شبهات ليست قضايا فكرية تتعلق بالمشترك الحضاري، بل هي أمور تمس العقيدة والشريعة وبها نصوص قطعية الثبوت، أي أنها تتعلق بالثوابت، ووجوب الانطلاق من هذه الثوابت. وأن القضية في الغرب هي هدم الأسرة، وهو ما قاله سيد قطب -رحمه الله- في الأربعينات إثر زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، من أن المارد الأمريكي سيخرج من القمقم ليحارب الأخلاق ويدمر الأسرة وينشر الشذوذ. وجاء الدكتور عبدالوهاب المسيري في التسعينيات ليقول، لقد استكثرنا ما قاله سيد قطب وها أنا أقول لكم أن القوم حققوا تعميق الشذوذ في الأطفال. وقد خرجت تقارير تؤكد هذه الكلام، حيث أضحت قضية الشذوذ هي القضية الأولى في الغرب الآن.

أعقبتها مداخلة الأستاذ الدكتور صفوت خاليلوفيتش عضو مجلس أمناء اتحاد علماء المسلمين: والتي أكد فيها على أنه تجري في البوسنة محاولات لتغيير قوانين الأسرة، حيث يتم الضغط  لتمرير قوانين تجيز زواج الشواذ، حتى يسمح للبوسنة -وهي بلد صغير في البلقان- بدخول الاتحاد الأوروبي، وأضاف أنه كإمام وخطيب في المساجد الكبرى في البوسنة سيتم مقاضاته عن أي كلام ضد الشواذ إذا ما أُقرت هذه القوانين، كما أكد أن هناك من المسلمات - بل ومن بعض الملتزمات- من تنجر وراء فكر حركة "الفيمنيست"، بحجة أن الفقه الإسلامي ذكوري صنعه الرجال.

ومن جهته أكد الأستاذ عمر الفاروق كوركماز عضو مجلس أمناء اتحاد علماء المسلمين على أنه ينبغي أن نكون واقعيين، فمجتمعاتنا الإسلامية ليست مجتمعات نظيفة يتهددها خطر قادم من الضفة الأخرى، وبالتالي عليها الاستعداد للمقاومة، علينا أن نعترف بأن بيوتنا هشة ولدينا مشاكل نفسية واجتماعية، لأن التعليم الرسمي في بلداننا لا يختلف عن تعليم الغرب وإن كان يدرس بلغاتنا، وبالتالي فالمرجعية للجيل المسلم لا تختلف عن الجيل غير المسلم. وتساءل عن كيفية تحصين الشباب المعاصر لنفسه طالما أنه يعتبر مرجعيته علم النفس الغربي وليس القرآن والسنة.

أعقب ذلك مداخلة الأستاذ الدكتور فضل مراد رئيس لجنة الفتوى، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: والتي ذكّر فيها بقول الله تبارك وتعالى: {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}، {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، مؤكدا أن المسألة مسألة حاكمية، وأن التربية الإيمانية والعقيدة هي الحصن لحماية الأسرة، وأنه ينبغي أن نتعامل مع الغرب بندية، كونهم جزء من العالم وليسوا أساتذة العالم، ونحن لسنا في مقام التلميذ، وأن المعركة معركة مصطلحات "اصنع مصطلحا تكسب حربًا"، فنحن أمة ذات هوية ولابد لنا من استعمال المصطلح الإسلامي (الفاحشة – المنكر)، أما مصطلح مثل مجتمع "الميم" وما شاكله، فهو مصطلح يخفف من الفاحشة.

تلتها مداخلة فضيلة الشيخ أحمد العمري رئيس لجنة القدس وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مؤكدا أن الإسلام تم تغييبه في كثير من مؤسساتنا منذ الخمسينيات، وأن الذين غيبوه يصرحون اليوم بمعركة عالمية وذلك لغياب المشروع الإسلامي، ويريدون أن يضربوا قضية الوحي ويبعدونا عن الهوية، والعودة إلى تأصيل الكتاب والسنة في مجتمعاتنا وبيوتنا هو خير رد.

ثم جاءت مداخلة الدكتورة سناء الحداد عضو لجنة الأسرة وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والتي قالت فيها: نحن لا نتكلم عن الغرب ولكننا نتكلم عن مجتمعاتنا التي تتغير فيها القوانين، فعلى سبيل المثال، في تونس تتم المطالبة بإلغاء القوامة والحكومة هي التي تطالب، حيث قدمت الوزارة مشروع قانون يلغي رئاسة الزوج للعائلة، وباسم المساواة تتم المطالبة بإلزام المرأة بالأنفاق مثل الرجل، نحن الآن لا نتحدث عن جمعيات ولكن عن حكومات، وهنا يطرح تساؤل إذا كانت المرأة ستصبح ملزمة بالإنفاق بموجب القانون، فإذا تعبت وامتنعت عن الانفاق فهل من حق الرجل أن يرفع ضدها دعوى أو يطلقها؟، وجاء الرد بأن عمل المرأة في بيتها سيحتسب كمساهمة منها في الإنفاق على الأسرة، وكأن عملها في المنزل مساهمة منها في الثروة الأسرية، هناك مشروع قانون في إحدى الدول الإسلامية في هذا الاتجاه؛

كما أن قوانين بعض الدول الإسلامية (تونس والجزائر)، تجرم الخيانة الزوجية وليس الزنا، فالزنا مباح إذا كان مرتكبيه غير متزوجين ووصلا سن الرشد، أما في مصر والأردن ولبنان فجريمة الزنا جريمة شخصية، ليس للنيابة العامة الحق في تحريك الدعوى فيها إلا في حال وجود شكوى، وإذا تم التنازل عن الشكوى تسقط الدعوى، حيث يتم فتح الباب على ما حرم الله في المقابل إغلاق باب الحلال، ومثال ذلك التضييق على التعدد أو تجريمه، ففي تونس على سبيل المثال يدَّعي الرجل أنه في حالة زنا حتى لا يعاقب على التعدد!.

أعقب ذلك مداخلة للأستاذ الدكتور وصفي عاشور أبو زيد رئيس لجنة التزكية وعضو مجلس أمناء الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والتي أكد فيها أننا أمام قضية كبرى وتحدٍ عظيم، و أن من أكبر التحديات في خلال العشرين سنة القادمة قضية انتكاس الفطرة وهدم الأسرة والشذوذ، وأن الآخرين يعملون من خلال خطط مرسومة وممولة، وقد غزونا في كل بلادنا العربية والإسلامية، وهم يتحركون داخلها الآن. وأن علينا ألا نبدأ من الصفر، فلدينا الكثير من المؤتمرات والبحوث حول هذه القضايا، ولهذا علينا حصر الجهود العلمية الموجودة في هذا المجال، مؤكدا أننا نحتاج إلى جيش إعلامي يتصدره العلماء والخطباء، وإلى خطاب إعلامي يستعين بالجانب العلمي التجريبي.

من جهته أكد الأستاذ عبد الوهاب إيكنجي رئيسة جمعية أوماد UMAD وعضو مجلس أمناء اتحاد علماء المسلمين أن أكثر ما يهدد البشرية جميعًا وليس المسلمين فقط هو محاولة هدم الأسرة، وعدم التزام المسلمين بالقرآن والسنة، والتعمق في العلم ونسيان التطبيق هي المشكلة، وأن هناك من يظن أن هذه الأمور تسير بفوضوية ولكن الواقع أن هناك من يضع لها منهجية، وأنه يفوتنا أن نركز على تصحيح القوانين الوضعية لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

ثم أعقب ذلك مداخلة للأستاذة بيان نوري وزيرة المرأة السابقة في حكومة إقليم كردستان بجمهورية العراق، وعضو لجنة الأسرة بالاتحاد، والتي أكدت فيها على ضرورة تناول كل شبهة بالمناقشة بشكل مستقل محذرة من خطورة الخلط بين الشذوذ وحالة الخنثى، وأنه علينا الرد العلمي على كل شبهة على حدة.

تلتها مداخلة الأستاذة ديليك جيلينك، داعية في الشؤون الدينية التركية، وعضو لجنة الأسرة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين التي قالت فيها: في القديم، كانت المرأة تعمل في بيتها، فتعد الطعام، وتجفف الفواكه واللحوم، وغيرها من الأعمال، أما عندما أصبح كل شيء يأتي من خارج البيت جاهزًا خرجت المرأة للعمل، فعمل المرأة كان موجودًا وإن كان داخل البيت، ولم تكن النساء يطالبن بإلغاء القوامة أو الحصول على مال مقابل هذا العمل. كما حذرت من ممارسات بعض الرجال الذين يظلمون المرأة باسم الإسلام، من ذلك حرمانها من استيفاء أنصبتها الإرثية.

  وفي افتتاح الجلسة الثانية من الندوة أكد د. الميقاتي على عدد من النقاط هامة حول الثابت والمتغير بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية في مجال الأسرة، على النحو التالي:

أولاً: إن الثابت والمتغير محسومٌ فقهاً لجهة الحدود الحاسمة بين الحلال البيّن والحرام البيِّن، وبين القطعي والظني، وبين ما كان ظنياً ثم ارتقى إلى القطعي بقوة الاجماع الثابت، أو كان قريباً من ذلك بقوة اتفاق المذاهب الفقهية الأربعة ذات الأصول المحررة على يد الأئمة الأعلام الذين وسع فقههم العالم أجمع على مدى قرون طويلة بكل متغيراتها الزمانية والمكانية وبشتى نوازلها.

ثانياً: خطورة محاولات تحويل الثابت إلى متغير وتجاوز الإجماعات، بدعوى التشكيك في ثبوتها رغم استفاضتها وشهرتها وتسامعها وتلقي الأمة لها بالقبول، ثم القيام بتجاوز المذاهب الأربعة التي تشكل الثروة الفقهية الحضارية الإسلامية النابضة بالحياة من الأندلس إلى الصين بدعوى الاجتهاد. فليس هناك اجتهادٌ بدون أصول فقه وبدون آلية اجتهاد معتبرة. ولا يكون الاجتهاد مقبولا إلا إذا صدر من أهله وفي محله.

ثالثاً: لا يجب إنزال المواثيق الدولية منزلة الثوابت التي تفرض علينا تغيير الثوابت الشرعية. فبالرغم من إقرار الميثاق العالمي لحقوق الإنسان باحترام الخصوصيات الثقافية والدينية وبحق الشعوب في تقرير مصيرها، إلا أن المواثيق الدولية تحرم الدول من استعمال حقها القانوني في رفض ما يتعارض مع ثقافتها ودينها وأعرافها، فمنظمة الأمم المتحدة تمارس الإكراه على الحكومات والدول ذات الأكثرية الإسلامية. ويعد الاذعان لذلك الإكراه تحويلاً لكل الثوابت كما يعد عنفاً تشريعياً يطال شعوباً بالمليارات. إنه مما يحرم شرعاً ترك دفع المفسدة المحققة والانشغال بمصلحة متوهمة.

ومن الواجب ألا تقبل دول منظمة التعاون الإسلامي مجتمعة بتلك الإملاءات التشريعية من خلال موقف موحد منسجم مع دساتيرها وهويتها الثقافية وألا تستجيب للضغوط الدولية التي تطالبها بسحب تحفظاتها على المعاهدات الدولية.

رابعاً: إن البحث عن الثابت والمتغير في أحوال الأسرة، وإعادة تفعيل المقاصد المعتَبَرة شرعاً فيما استجد من متغيرات معاصرة يجب ألا يستبطن أبداً تطويع الثابت ليتماهى مع المتغير، سواء كان تاويلاً أو تفريغاً من محتواه الذي جُعل له بقوة النص وبقوة القطع وبقوة قبول الأمة المعصومة بمجموعها حيث "لا تجتمع أمتي على ضلالة" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغير ذلك يكون العدوان على حدود الله التشريعية من حيث ندري أو لا ندري.

وحرصا على المقاصد وفقه المآلات، يجب أو تولى الأهمية للنظر في مآلات التعديلات التي يتم إقرارها في البرلمانات بضغط التعقيدات الحياتية الداخلية تارة أو بضغط الإخضاع الأممي تارة أخرى. خاصة بعد أن اتضحت مقاصد المواثيق الدولية التي أنتجتها تيارات الأنثوية المتطرفة، والتي تعسفت في فرض منظومة غلب عليها تحليل الحرام وتحريم الحلال بعناوين مفخخة المضامين، والدعوة الصريحة إلى تغيير الثوابت تحت طائلة التقاضي الدولي والعقوبات الاقتصادية.

خامساً: أن العناية بمساحة المتغير الواسعة أولى عن تركيز البحث المعاصر على التغيير فيما هو ثابت. فالواجب هو العناية بالمصالح المرسلة في مجال إعادة تنظيم السلطة القضائية وتطوير أصول المحاكمات والقضاء المستعجل وأصول الإثبات والتبليغ الالكتروني وإجراءات التنفيذ والوسائل البديلة لحل المنازعات وتقنيات الوساطة والتوفيق والاصلاح والتحكيم بما يضمن العدالة السريعة والأمن الأسري.

سادساً: إن حفظ الدين والنفس والعقل مقدم على حفظ المال باتفاق الفقهاء، والحفاظ على شرائع الإسلام لا يجب أن يتم التنازل عنه حتى لو تسبب في تعرضنا للعقوبات جائرة -على فرض إيقاعها علينا أمميا- ألم يحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعاب مكة.. أم أننا نغفل في كثير من الأحيان عن هذه السيرة النبوية المباركة، ونجعلها مجرد تاريخ نبوي سردي للأحداث؟ أليس ديننا وأعراض نسائنا ورجالنا وأبناءنا أغلى من أي مساومات مفروضة بقوة الهيمنة اللادينية الأممية؟ أليس من حقنا حفظ الثوابت بقوة التمسك بالدساتير المقدم احترامها على المعاهدات الدولية؟

متسائلا: لماذا نتكلم عن التكيف ولا نتكلم عن التكييف، ولا نبرز النموذج التشريعي الاسلامي المتكامل بدلا من تحمل أوزار سلسلة من الفتاوى الفقهية المرجوحة التي تشكل فوضى فقهية لا تسمن ولا تغني من جوع، ثم يتم الإيحاء بأن العائق هو الثوابت، في حين أنها ضمانات البقاء الاجتماعي في زمن يجري الكلام فيه عن الجندر بصورة طافحة تهدد بانقراض المجتع بسبب تهافت ذلك المصطلح الدخيل.

ثم عقبت الدكتورة سناء الحداد بأنّ القانون التونسي والقانون المغربي يميزان بين النسب وبين البنوة غير الشرعية، ومن المعلوم أنّ الميراث من لوازم النسب فلا توارث بين ولد الزنى وبين الرجل الذي تخلّق من مائه لذلك فإنّ النص القانوني الحالي في البلدين المذكورين لا يجيز التوارث بين ولد الزنى وبين الأب البيولوجي. ولكن منذ سنوات برزت عدة مطالبات بتعديل النص القانوني في اتّجاه إقرار التوارث بينهما، ومن هنا نتبيّن سياسة التدرّج في تغيير القوانين لتسوية ابن الزنى بالابن الشرعي في إطار مواءمة القانون مع الاتفاقيات الدوليّة التي تطالب بالمساواة بين الأسرة الشرعيّة والكيان القائم على علاقة غير شرعيّة. وفي ذلك الإطار التشريعي العام لعدد من البلدان الإسلاميّة المتأثّر بالأجندة الأمميّة والمعطّل لتطبيق حدّ الزنى، يُطرح إشكال يتمثل في وجود عدد من العلماء في بعض البلدان الإسلاميّة يدعون باسم "الاجتهاد" في الدين إلى إسناد النسب لابن الزنى وبهذا يتساوى ابن الزنا مع الإبن الشرعي.

ثم تلتها سلسلة من المداخلات، واختتمت الورشة بعدد من التوصيات أهمها:

  • أن يتخذ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين موقفاً شرعياً تاريخياً حاسما بشأن خطورة مواءمة القوانين والتشريعات الأسرية مع الاتّفاقيّات الدوليّة المناقضة للشريعة الإسلامية من خلال إسصدار فتاوى تهدم الثوابت بحجة مرونة الشريعة وتحت غطاء الاجتهاد.
  • حصر الجهود العلمية الموجودة في هذا المجال، وتكوين فريق توعوي مؤهل يتصدره العلماء والخطباء، واعتماد خطاب إعلامي يستعين بالجانب العلمي، في مواجهة الهجمة التي تتعرض لها مؤسسة الأسرة.
  • عقد المزيد من الندوات الجماهيرية و العلمائية لتعريف جمهور العلماء بالأبعاد المختلفة للمواثيق الدولية وأثارها على الأسرة والأخلاق.
  • عقد مؤتمر عالمي تناقش فيه التحديات والشبهات التي تواجه الأسرة وسبل مواجهتها.

المصدر: الاتحاد





التالي
ألمانيا.. هكذا ساهم مسجد السلام في الحفاظ على تعليم اللغة العربية ونشر الثقافة الإسلامية بين المهاجرين..

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع