البحث

التفاصيل

فتوى حول مدى عدم قبول الصلاة من شارب الخمر 40 يوماً

الرابط المختصر :

فتوى حول مدى عدم قبول الصلاة من شارب الخمر 40 يوماً

 

ورد إلي سؤال حول الحديث الوارد في عدم قبول صلاة شارب الخمر أربعين يوماً، فهل هذا الحديث صحيح؟ وهل شارب الخمر لا يقبل منه الصيام والصلاة ؟

أولاً: لا شك أن الخمر محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وأنها أم الخبائث، ومن مفاتيح الشرور والمعاصي، ولكنها معصية فإذا تاب عنها شارب الخمر فيدخل في عموم الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تنص على أن التوبة في حقوق الله تعالى تجبّ ما قبلها فقال تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } الفرقان 68-70

وقال تعالى : { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر 53

وقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة 222

والله سبحانه بين بأن أبانا آدم الذي خلقه الله تعالى بيديه، ونفخ فيه من روحه، ومع ذلك عصى الله تعالى، ثم تاب عليه واهتدى.

فباب التوبة مفتوح على مصراعيه، وأنها تؤدي إلى مغفرة الله ورحمته في حقوق الله تعالى، أما حقوق العباد فعلى التائب أن يؤديها إلى أصحابها أو يبرئ ذمته منها.

ثانياً: إن الحديث ورد بأسانيد عن عبد الله بن عمرو بلفظ: "من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين ليلة، فإن شربها فسكر لم تقبل صلاته أربعين ليلة ...... " رواه أحمد (6773) والنسائي (5670) وابن ماجه (3377)

وهذا الحديث اختلف في تصحيحه علماء الحديث، فمنهم من صححه لغيره  مثل الألباني، ومنهم من لم يصححه، والحديث لم يروه الشيخان، البخاري ومسلم، كماإنه حديث آحاد فقط. ومع قطع النظر عن صحة الحديث أو عدمها، فإن المقصود بالحديث إنما يطبق في حالة عدم التوبة، أما إن تاب تاب الله عليه" وكما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " رواه ابن ماجه بسند حسن ( 4250)

وكذلك قال العلماء : إن صلاته صحيحة، ولكن ثوابها غير متحقق على الوجه المطلوب.

فقبول التوبة من العصاة ثابت بالنصوص القطعية، وهذا الحديث لو قيل إنه صحيح ، فهو حديث الآحاد ولا ينهض حجة على هذا المبدأ الثابت بالقرآن والسنة والإجماع،ولذلك يجب تأويله بما يتفق مع المبدأ الثابت السابق

وقد فسر بعض العلماء قوله: ( لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أي لم يقبل منه القبول التام فقط، وليس مطلق القبول.

ويمكن أن يفسر بأن صلاته غير مقبولة وصحيحة إذا كان يصلي وهو سكران ولو جزئياً، وهذا مناسب مع قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } النساء 43.

وهناك تفسير آخر أن هذه السيئة ( شرب الخمر ) يجب أن تقابل بحسنة وهي التوبة إلى الله تعالى فتسقطها.

والخلاصة أن الحديث أوله العلماء بحالة عدم التوبة، أو كونه سكران وهو يصلي ، وحتى في حالة عدم توبته منها فإن صلاته إذا كان واعياً غير سكران، صحيحة ولكنها غير كاملة من حيث الثواب، كما قال النووي وغيره  شرح صحيح مسلم  (14\ 227)،  ولكنها إن شاء الله ستدفعه إلى ترك الخمور والمحرمات ،لأن الصلاة نور وبرهان وصلة بالله تعالى فتمنعه عن الفحشاء والمنكر.

وأما صيام شارب الخمر إذا تركها في شهر رمضان فإن صومه صحيح، وإن شاء الله سيدفعه إلى ترك الخمور والمحرمات.

هذا والله أعلم

كتبه الفقير إلى ربه

أ.د علي القره داغي





السابق
تفسير الشيخ شلتوت.. إبداع لم يكتمل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع