البحث

التفاصيل

قراءة «الفاتحة» في الصلاة من المسلمين الجدد بغير العربية

قراءة «الفاتحة» في الصلاة من المسلمين الجدد بغير العربية

بقلم: د. مسعود صبري

 

يجد المسلمون الجدد في الدول غير الإسلامية كالأمريكتين وأوروبا وغيرها بعض الصعوبة في أداء الصلاة، ومن أهم تلك الصعوبات: عدم القدرة على قراءة «الفاتحة» باللغة العربية، وكذلك الصلاة الإبراهيمية وأذكار الصلاة وغيرها، ويلجأ بعض الدعاة إلى بعض الوسائل التي تعين المسلمين الجدد على قراءة «الفاتحة» والأذكار داخل الصلاة، حتى إن بعضهم ليكتب «الفاتحة» بحروف غير عربية ويجعلون المسلمين الجدد يحملونها في الصلاة ويقرؤونها، وقد يجد بعض الدعاة حرجاً أو غرابة في ذلك، حتى إن بعضهم أفتى بحرمة ذلك.

وهذه المسألة ليست جديدة في أصلها، فهي مسألة قديمة موجودة في كتب الفقه، ولكنها جديدة من حيث صورتها.

وتنتظم النظرة الاجتهادية في مثل هذه المسألة في عدة أمور، هي:

أولاً: هل تجب قراءة «الفاتحة» في كل ركعة، أم يمكن قراءة أي شيء من القرآن؟

ثانياً: كتابة القرآن بغير العربية.

ثالثاً: الحركة في الصلاة، ومتى تبطلها؟

وبيانها كالآتي:

أولاً: قراءة «الفاتحة» في الصلاة:

قد ذهب جمهور الفقهاء، عدا الحنفية، إلى أن قراءة سورة «الفاتحة» ركن من أركان الصلاة؛ لما ورد في البخاري ومسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب».

وذهب فقهاء الحنفية إلى أن قراءة «الفاتحة» واجب من واجبات الصلاة وليست ركناً، وأن الركن هو قراءة آية قصيرة من القرآن،  كما ذهب أبو حنيفة، أو ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، كما عند الصاحبين: محمد بن الحسن الشيباني، وأبو يوسف القاضي،  واستدلوا بقول الله تعالى: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ (المزمل: 20).

ثانياً: كتابة القرآن بغير العربية:

لا يكتب القرآن بغير العربية، ولا يسمى قرآناً إن كتب بغير العربية؛ لأن الله تعالى وصف القرآن بأنه عربي، كما قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف: 2).

وقد اشترط جمهور الفقهاء أن تكون قراءة القرآن باللغة العربية؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه» (رواه البخاري).

وذهب أبو حنيفة إلى جواز قراءة القرآن بأي لغة كانت؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ (الشعراء: 196)، ولقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى {18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ (الأعلى).

وفرق الصاحبان محمد بن الحسن، وأبو يوسف بين العربي وغير العربي؛ فالعربي لا يجوز له قراءة القرآن بغير العربية، وغير العربي يجوز له؛ حتى يتعلم.

وبناء على ما سبق تأسيسه، فإنه يجوز كتابة «الفاتحة» ولو بحروف غير عربية؛ حتى يقرأها المسلم الجديد؛ لأنه بهذا قد قرأ «الفاتحة» باللغة العربية من جهة النطق، وإن كانت الكتابة بحروف غير عربية من جهة الكتابة؛ لأن المقصود في الصلاة هو النطق، وليس الكتابة.

ثالثاً: الحركة في الصلاة:

الحركة في الصلاة تكون على أنواع؛ فهناك الحركة الواجبة: وهي ما كانت في مصلحة الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها، مثل: إزالة النجاسة أثناء الصلاة، وهناك حركة مستحبة، وهناك حركة مكروهة، وهي ما كانت كثيرة في مصلحة الصلاة، وهناك حركة جائزة، وهي ما كانت يسيرة ليست في مصلحة الصلاة.

فيجوز له حمل الورقة التي مكتوب فيها «الفاتحة» أو غيرها مثل التشهد؛ لأن هذه حركة في مصلحة الصلاة للمسلم الجديد؛ حتى يتعلم.

كما أن حمل الورقة من الحركة اليسيرة التي لا تبطل بها الصلاة، بل هي هنا في مصلحة الصلاة؛ لقراءة «الفاتحة» التي هي ركن، وقد ثبتت الحركة في الصلاة للرسول صلى الله عليه وسلم وللصحابة، من ذلك كما ورد في البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم «صلى ذات يوم وهو حامل أمامة بنت ابنته، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها»، وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب لعائشة وهو يصلي.

وفي الصحيحين أن ابن عباس رضي الله عنهما قد صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عن يساره فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه. 

وإنا نهيب بالإخوة الدعاة عدم التسرع بالإفتاء في التحريم دون التثبت أو سؤال أهل العلم، وألا يضيّقوا على الناس واسعاً؛ فالقول بحرمة كتابة «الفاتحة» بالحروف اللاتينية وحملها لقراءتها للمسلم الجديد قول لا أساس له من الصحة، وإن كان مستغرباً أو غير مألوف من جهة الواقع، لأن عدم إلفه؛ لا يعني بالضرورة حرمته.





التالي
"التطبيع عار".. موريتانيا تنفي وجود نية لاستعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع