البحث

التفاصيل

(حكم صلاة الجماعة)

(حكم صلاة الجماعة)

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: الرابعة والثلاثون

 

أجمع العلماء على أن صلاة الجماعة مشروعة، وعلى أنها أفضل من صلاة المنفرد، واختلفوا في صفة شرعيتها على أربعة أقوال:

القول الأول: أنها واجبة على كل ذكر بالغ في الصلوات الخمس، ولكنها ليست شرطًا في صحة الصلاة، فمن صلى منفردًا من غير عذر فصلاته صحيحة، وهو آثم. وهذا مذهب الحنابلة، ونُقل عن الأوزاعي وعطاء وأبي ثور. واستدلوا بقوله تعالى: {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ...} [النساء:101]، قال ابن كثير رحمه الله: «وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغْتُفِرَت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك». فإذا كان الأمر بالجمَاعة في وقت الخوف، والعدو ينازل المسلمين، والمعركة ساخنة، فبدهي أن تكون الجماعة في السلم أولى وأوجب.

واستدلوا كذلك بحديث همه بتحريق من يتخلف عنها وحديث عدم إذنه لابن أم مكتوم أن يصلي في بيته، وبأنه صلى الله عليه وسلم رخص في جمع الصلاة في المطر، من أجل تحصيل صلاة الجماعة، وفيه تنضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، فيؤديها المصلون خارج وقتها المعتاد، والوقت واجب للصلاة، فلو لم تكن الجماعة واجبة لما ترك لها الوقت الواجب.

القول الثاني: أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، ونقل هذا عن داود الظاهري وجماعة من الصحابة، منهم ابن مسعود وأبو موسى، وهو قول شاذ في مذهب الحنابلة، ويستدلُّون بحديث ابن عباس عن النبي صلى الله قال: "من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له، إلا من عذر".

القول الثالث: أنها فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعية، وقال به جماعة من العلماء. واستدلُّوا بالأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول وبقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية".

القول الرابع: أنها سنة مؤكَّدة، وهذا قول جمهور الفقهاء.

واستدلوا بحديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".

وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا".

فهذان الحديثان يدلان على عدم الوجوب، لأن المفاضلة إنما تكون بين فاضلين جائزين. ومما يستدلون به على عدم الوجوب حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعده، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصليها ثم ينام".

فهذه الأدلة وغيرها توجب تأويل الأدلة القاضية بالوجوب.

وقالوا في حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرِّق من ترك الجماعة، وإنما همَّ بتحريقهم ولو كانت واجبة لما تركه.

وأما حديث الأعمى فأجابوا عليه وقالوا: بأنه لا دلالة فيه على الوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص لعتبان حين شكا بصره أن يصلي في بيته، وحديثه في الصحيحين. وقالوا: إن معناه: لا رخصة لك تلحقك بفضيلة من حضرها.

وقالوا في حديث ابن مسعود السابق ذكره: أنه لا دلالة فيه على فرضية الجماعة، وإنما فيه بيان فضلها وكثرة محافظته عليها.

وقالوا في حديث ابن عباس رضي الله عنه: "من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلَّا من عذر": إنه ضعيف، وعلى فرض صحته فيكون المراد به نفي الكمال لا نفي الصحة، أي لا صلاة كاملة.

وبذلك يترجح القول بأن الجماعة من السنن المؤكدة، ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، وليست فرض عين أو شرطًا في صحة الصلاة.

وأنصح إخواني المسلمين في كلِّ مصلحة أو مؤسسة أو كلية أو مدرسة: أن يقيموا فيها مسجدًا مناسبًا، أو مصلى يجمع الناس للصلاة فيه، ويعينهم على طاعة الله، وبذلك يربحون خير الدنيا والآخرة.

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص85-87





التالي
أوليات القرضاوي في المساحات الفقهية الجديدة
السابق
هذه هي الأسباب التي دفعت المصارع الأميركي كيفن لي لاعتناق الإسلام..

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع