البحث

التفاصيل

(الآذان من ميزات الصلاة الإسلامية)

الحلقة: الخامسة و العشرون

 

ربيع الآخر 1444ه/ نوفمبر 2022م

 

ومن ميزات الصلاة الإسلامية ما شُرع لها من أُطُر خاصَّة، تجعلها فريدة من نوعها، من هذه الأطُر: الأذان، والإقامة، والجماعة.

تعريف الأذان:

الأذان لغة: هو الإعلام بالشيء، قال تعالي: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} [التوبة:3].

والأذان في الشرع: هو الإعلام بدخول وقت الصلاة، بألفاظ مأثورة مخصوصة. والإعلام بقرب صلاة الفجر خاصة عند بعض الفقهاء.

وقد دل القرآن والسنة والإجماع على مشروعيته، قال تعالي: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة:58]. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9].

قد تواتر بالسنة القولية والعملية أنه كان يُنادَى للصلوات الخمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي حديث مالك بن الحويرث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإذا حضرت الصلاة، فليؤذِّن لكم أحدكم، وليؤمّكم أكبركم". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتهموا عليه، لاستهموا عليه". وغيرها من الأحاديث الكثيرة المستفيضة عن مشروعية الأذان وفضله.

وأجمعت الأمة خلفًا عن سلف على مشروعية الأذان.

حكم الأذان:

الأذان فرض كفاية في كل مصرٍ (حي) أو قرية، للصلوات الخمس المكتوبة والجمعة، ففي قول النبي صلى الله عليه: "أحدكم"، في حديث مالك بن الحويرث ما يدلُّ على أن الأذان فرض كفاية.

وهو فرض على الرجال دون النساء.

ويسنُّ الأذان للمنفرد، وللراعي وأشباهه في البادية، ويستحبُّ لهم الجهر بالأذان، لقول أبي سعيد يرفعه: "إذا كنتَ في غنمك أو باديتك فأذَّنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذِّن جنٌّ ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة".

وفي الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في السفر، وفي الحضر، وفي المرض، فإنه يؤذِّن للأولى، ويقيم لكلِّ فريضة، لحديث جابر رضي الله عنه، في جمع النبي صلي الله عليه وسلم في عرفة: "أذَّن، ثم أقام فصلي الظهر، ثم أقام فصلى العصر"، وكذلك: "أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء، بأذان واحد وإقامتين".

ويسن كذلك لمَن قضى فوائت أن يؤذِّن مرَّة واحدة، ويُقيم لكلِّ فريضة، لحديث أبي قتادة رضي الله عنه الطويل، في نوم النبي صلي اله عليه وسلم وأصحابه في السفر عن صلاة الفجر، ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فانتقلوا من مكانهم، ثم أذَّن بلال بالصلاة، فصلَّي رسول الله صلي اله عليه وسلم ركعتين، ثم صلَّى الغداة، فصنع كما يصنع كل يوم.

حكمته:

الأذان دعوة إلى الصلاة، وإعلام بدخول وقتها في صورة جُمَل قصيرة، وكلمات مختارة، قليلة الألفاظ، كبيرة المعاني، تثنَّى وتكرَّر، ويُنادى بها بصوت جهير، ولحن رقيق، فتصل إلى القلوب والآذان، وتؤثِّر في الفكر والوجدان، فتشدُّ الناس إلى ساحة الله شدًّا، فيحتشدون للصلاة في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه.

ولم يجعل الإسلام وسيلة إعلامه بوقت الصلاة بوقًا يُنفخ فيه، أو ناقوسا يُدق، أو نارًا تُوقد، أو غير ذلك من الأدوات الصماء، التي عرفتها بعض الديانات.

إنما جعلها كلمات ربانية ندية، كلُّها ثناء على الله، وشهادة لمحمد بالرسالة، ودعوة إلى الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، يُنادي بها رجل ندي الصوت جهيره.

قال الإمام القرطبي: «الأذان على قلَّة ألفاظه مشتملٌ على مسائل العقيدة؛ لأنه بدأ بالأكبرية، وهي تتضمَّن وجودَ الله وكماله، ثمَّ ثنَّى بالتوحيد ونفي الشريك، ثمَّ بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة؛ لأنها لا تُعرف إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ دعا إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثُمَّ أعاد ما أعاد توكيدًا».

صيغة الأذان:

كلمات الأذان خمسَ عشرة (15) كلمة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

وفي أذان الفجر تزاد بعد "حي على الفلاح" جملة: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم". ويسمى التثويب، لقول بلال رضي الله عنه: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أثوِّب في الفجر، ونهاني أن أثوِّب في العشاء.

هذا هو الأذان الشرعي الذي لا يجوز الزيادة عليه ولا النقص منه، من زاد فيه فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله.

فضل الأذان:

وقد ورد في فضل الأذان والمؤذِّنين نصوص كثيرة، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "المؤذن يُغفر له مدى صوته، ويصدِّقه كلُّ رطب ويابس". وفي رواية: "وله مثل أجر من صلَّى معه".

وعن معاوية قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤذِّنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة".

 

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص 68-72





التالي
آلاف الفلسطينيين يلبون نداء "الفجر العظيم" في "الأقصى" و "الإبراهيمي"
السابق
الصبر في المحن والشدائد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع