البحث

التفاصيل

خطاب إلى ابن باديس: في عيد نوفمبر النفيس

خطاب إلى ابن باديس: في عيد نوفمبر النفيس

بقلم: أ.د. عبد الرزاق قسوم

 

عبد الحميد، يا ابن باديس! يا إمامنا وشيخنا الرئيس!

أطل علينا من برجك الخالد المجيد، وبمعية من معك من العالم والشهيد.

فنحن يا شيخنا، نحيي ذكر ميلاد نوفمبرنا السعيد، لنربطه بالتراث الباديسي التليد.

إنه بالرغم من انتقالك –يا إمام الجزائر- إلى عالم الخلود، فإن أبناءك وأحفادك، وإن اسمك، قد ظل مقرونا -برمزية نوفمبر- مرفوعا إلى العلى في صعود.

 

إن الجزائر، التي ضحيت بسوادك وبياضك من أجل ميلاد نوفمبرها، لتتفانى –دوما- بمآثرك، وفضائلك، في سبيل إعلاء كوكبها.

فلتطمئن، يا إمامنا الروحي، ونحن على أبواب نوفمبر، إلى أن غرسك قد أينعت ثماره، وطمئن الشهداء من أمثال عميروش والحواس وبن المهيدي وبن بو العيد وباقي الأبطال، إلى أن الحراك الشعبي السامي، قد اتخذ من النوفمبرية الباديسية، شعارا للبرنامج الوطني المتنامي.

إن الجزائر، المتطلعة نحو الغد الأفضل، بعد أن خرجت من الليل المظلم الأطول، لتتوق إلى رفع شعار التجديد لتطوي، بذلك، عهد التزوير الأنذل، وترتقي إلى العلى من الدرك الأسفل.

نحن نأمل أن يستلهم العهد الجزائري القادم من الإمام ابن باديس، روح التفاني في سبيل الوطن، وعمق الانتماء، للبعد الحضاري بالاعتماد على الآيات والسنن.

لقد كنت يا إمامنا قدوة في التواضع والثبات على الثوابت، فليكن العهد الجديد مستلهما من قيمك مبادئ الاستقامة على درب الشهداء في زرع المنابت.

لقد عاث المفسدون الفساد والإفساد حقبة طويلة من السنين، فأهلكوا الحرث والنسل، وأفسدوا تربية البنات والبنين، وتنكروا لجهاد الأبطال المجاهدين، ومكنوا للعملاء، والمغامرين والانتهازيين من الخونة الوصوليين،

﴿وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ [سورة يوسف، الآية: 52]

تريد الجزائر من العهد الجديد أن يضمد الجراح، ويستأصل الأتراح، ويعيد إلى القلوب والشفاه البسمة والأفراح.

فقد حررنا نوفمبر، بمجاهديه الأبطال من كل أنواع الخضوع، والتبعية لثقافة الغزو والاستئصال، فأعادنا المتسللون والمزيفون، الذين سطوا على حكمنا، أعادونا إلى الاحتلال الفكري، وسوء المآل.

إن كل ما في وطننا اليوم، في حاجة إلى التغيير، بدءا بالمنظومة التربوية، إلى الهيكلة الاقتصادية –والثقافية، والسياسية، وانتهاء بمنهجية التسيير، والتعمير.

فعندما يطل نوفمبر السعيد علينا، يجب أن لا تقتصر في الترحاب على النشيد، ووضع الزهور على القبور، بل يجب أن تستلهم منه عظائم الأمور، مما زرعه فينا أبطال نوفمبر على مر الدهور، من حماية الحدود والثغور، والعناية بالسدود لتحسين المداخيل والأجور.

فالجزائر اليوم، تعيش قحطا طبيعيا، وتميعا أخلاقيا، وضمورا حضاريا، فأنى يمكن التوفيق بين الوفاء، نوفمبريا، والبناء وطنيا، والسلوك إسلاميا.

إن النظام الجزائري التجديدي، مطالب بأن يزيل القبح عن محيطنا، بتزيينه لمعالم لغتنا وأصالتنا، فقد تنكرت الجزائر، بالإستيلاب، والاستغراب لمبادئ شهدائنا، في الألسنة، وعلى المحلات، وفوق كل الأبواب.

وأين الجزائر اليوم، يا مجاهدي نوفمبر، ويا شهداء جهاده، من اليمين الذي أديتموه، والخط الذي رسمتموه، وبند الجهاد الذي رفعتموه؟

مطلوب من الجماهير الجزائرية، وهي تحيي عيد أول نوفمبر، أن تخضع كل هذه الأفكار للتأمل والتدبير، فترتفع بوعيها، ونضجها، إلى مستوى حسن الانتقاء والتخيير، حتى لا نكرر مأساة العهد الغابر والحقير.

لتكن مقاييس الاختبار بعيدة عن المصلحية، والعاطفية، والعصبية، والقبلية والجاهلية، ولنرتفع إلى قيم الكفاءات، ومبادئ النزاهات، وامتحان الالتزامات.

إن وطننا والحمد لله يعج بالقدرات في كل الميادين، فلنختر منها الصالح المصلح الأمين، والوطني الأصيل الرزين!

إن نوفمبر سيسائلنا، عمن أعدوا واستعدوا لنوفمبر مثل الإمام عبد الحميد وإخوانه الشهداء في برج النعيم، ومن قبلهم الأمير عبد القادر، والشيخ الحداد، والشيخ المقراني، والشيخ المغيلي، ولالة فاطمة نسومر، وغيرهم من الأبطال الميامين، إنهم جميعا، جنود فداء، ورموز نبلاء، وهم جميعا، أحق بالإقتداء.

إن امتحان نوفمبر على الأبواب، وهو امتحان للضمائر، واختبار للأحرار والجزائر، ولن يتخلف عن هذا الموعد أي وطني ثائر.

فيا عبد الحميد، يا ابن باديس، يا من قدمت المثل المحتذى، في تطبيق معنى الرئيس، ادع لنا ربك، يهيئ لنا أمر التأسيس، الذي سيخلص الجزائر من القبح والتدنيس، فيمسح بالأعمال دمعة المحتاج والبئيس، ويخلصنا من التلبيس، وسوء التسييس، وبقايا العهد التعيس.

فإن حققنا ذلك، فهو ما يمثل خير تحية لعيد الجهاد، وأبلغ وفاء لأفضل ما انتجت البلاد، وإحياء للأمل في قلوب وعقول العباد.

نحن نتوق بعد نجاح وحدة الفصائل إلى قمة عربية، تسود فيها الفضائل والشمائل فنقضي على كل معالم التوتر، ونوحد الكلمة من أجل المصير الأطهر.

إن بيننا وبين المستقبل، الذي سنصنعه بإرادتنا الحرة الأبية، بضعة أيام، فلنوحد كلمتنا، على معزوفة شعار الباديسية النوفمبرية وهي من خير الأنغام، التي نكتسح بها كل أنواع الألغام، وسوء الأفهام، وما ربك بظلام للأنام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أ. د. عبدالرزاق قسوم؛ عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.





التالي
الاتحاد يعزي في وفاة الأستاذ إبراهيم منير نائب المرشد العام والقائم بالأعمال جماعة الإخوان المسلمين في مصر "85 عاما"
السابق
كيف نطالع كتب علل الحديث؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع