البحث

التفاصيل

هل يجوز العمل عند الكيان الإسرائيـلي؟

الرابط المختصر :

هل يجوز العمل عند الكيان الإسرائيـلي؟

بقلم: د. أحمد الإدريـــسي

 

من أهداف الكيان الإسرائيلي الرئيسة؛ الهيمنة على روح الأمة وعقلها وفكرها ووجدانها، وتدمير مقوماتها، وذلك من خلال إخضاعها للسيطرة العسكرية والأمنية والهيمنة الاقتصادية، وبالتالي السعي إلى التخريب الأخلاقي والثقافي، وتسريب المفاسد الاجتماعية الإسرائيلية، عن طريق التفاعل والاحتكاك بين المجتمع الصهيوني والمجتمع العربي المسلم؛ شعبا بعد شعب.

أولا: ممارسة النشاطات الاقتصادية مع الكيان الإسرائيلي،

إن التطبيع الاقتصادي بالنسبة لإسرائيل لا يعني مجرد إقامة علاقات تجارية أو مفوضيات أو سفارات، ولكنه يشمل مراجعة لمفاهيم الصراع وإعادة فهم التاريخ، وعملية قلب جذرية للنظرة العربية والإسلامية تجاه إسرائيل واليهود.

وعليه فإن ممارسة أي نشاط اقتصادي مع الكيان الإسرائيلي بما في ذلك التصدير إليهم، أو استيراد بضائعهم أو الترويج لهم أو استهلاكها، أو بيع العقارات أو تأجيرها إليهم أو القيام بأعمال السمسرة، أو مشاركتهم في تأسيس الشركات والمصانع أو العمل فيها أو تبادل الخدمات معهم كالسياحة وسائر الأنشطة الاقتصادية التي تعين الكيان الإسرائيلي، وتخدمه مصالحه وأهدافه.

ثانيا: حكم عمل مسلم من بلد آخر –غير فلسطين- عند الكيان الإسرائيـلي

كانت الاتفاقيات السياسية بوابةً للتَّطبِيع، في حين أن الاتفاقيات الاقتصادية، والسياحية، والثقافية، والإعلامية، والأمنية، بين الكيان الإسرائيلي وغيره من الدول العربية والمسلمة، كانت وسائل تنفيذ مخططه، وعن طريق هذه الوسائل يحاول أن يجـرّ المسلمين لخدمتهم وخدمة مشروعهم عبر آلية التحكم في أرزاق الناس بالإغراء والترويج لعقود عمل جذابة ومغرية.

وحيث إن أرض فلسطين اغتصبها الكيان الإسرائيلي واستولى عليها، ومع التزايد المتسارع للشراكات والاتفاقيات الاقتصادية والثقافية والتي تهدف إلى التأسيس لتطبيع شعبي مستغلين ظروف البسطاء بسبب مخلفات البلاء والغلاء كان آخرها فتح مكاتب وساطة لتشغيل المغاربة بفلسطين المحتلة، وبناء على ذلك فإنه يحرُم العمل في الأراضي المحتلة [1]. إضافة إلى الأسباب والمبررات الآتية:

فيه أضرار معنوية ونفسية كامتهان المسلم،

لما فيه من تقوية الاحتلال وإطالة أمده ودعمه اقتصاديا وسياسيا،

إعانة المحتل على الظلم والعدوان.

احتمال العمل في بعض الأعمال المحرمة.

مما هو مؤكد أيضا أنه سيؤثر سلبا على سلوك العمال وأخلاقهم إن لم نقل استعمالهم في أنشطة التجسس على المقاومين.

كما أنه لا محالة سيقع في مخالفات شرعية، ومن أخطرها الأعمال التي ستفرض على العامل عند الكيان، أو قد يضطر إليها، ومنها؛ “العمل في بناء المستوطنات وفي فتح شوارعها”، وهذا محتمل جدا.

ومما لا يخفى على أحد أن العمل في بناء المستوطنات وفي فتح شوارع، يخدم أهم ركائز المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين، لأن إنشاء المستوطنات وجذب مزيد من المستوطنين إليها، كل ذلك يؤسس لإحكام السيطرة على الأرض الفلسطينية، والإخلال الديموغرافي فيها، بعد طرد المسلمين والعرب الفلسطينيين إلى خارج وطنهم، وهذا من أولويات عمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فقد أكدت دراسات مختلفة التزامن الواضح بين إقامة المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، والزحف الإسرائيلي عليها وامتلاكها، بالقوة.

ثالثا: اعتراض وجوابه:

فإن استدعى أحدهم القاعدة الأصولية المعروفة؛ “الضرورات تبيح المحظورات”.

قلت: إن فقه الاضطرار المبيح للوقوع في المحظور، لا يمكن إعماله في هذه النازلة، فإذا أفتى بعض علماء فلسطين بجواز عمل الفلسطيني عند المحتل للضرورة، فإنه لا يمكن أن تتجاوزه إلى غيره من الشعوب التي طبع حكامها مع الصهاينة. وقد أكد هؤلاء العلماء أن هذه الفتوى لا تسقط إلا على الفلسطيني الثابت في أرضه المدافع عن أرضه وماله وعرضه. وأن هذا الاضطرار له شروطه وضوابطه؛ فإذا اضطر هذا الفلسطيني وأمثاله للعمل للحاجة إلى ما يحفظ حياته ويبقي عليها خوفا من الهلاك فيجوز له العمل في هذا المجال لكسب القوت الضروري لكن بشروط وضوابط، منها:

ألا يجد مكاناً آخر يعمل فيه، ولا يمكنه الاتجار بأي صورة من الصور.

ألا يكون هذا العمل مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية.

أن تعجز الدولة الفلسطينية عن إعانته في تأمين ضرورات الحياة.

ألا يتيسر له السفر للعمل في أي بلد آخر، حيث سدت السبل في وجهه.

بذل الجهد باستمرار في البحث عن البدائل المشروعة.

وخلاصة الأمر؛ إن عمل المسلم؛ تاجرا أو رجل أعمال أو أجيرا عند الكيان الإسرائيلي في أرض فلسطين غير جائز للأسباب الآتية:

إعطاء الشرعية للمغتصب،

يعتبر إهانة للمسلمين،

إعانة المحتل لتمكين السيطرة على الأراضي الفلسطينية.

مساهمة من ذلك المسلم المهاجر إليهم في تثبيت هذا الكيان،

إعانة هذا الكيان في اغتصابه الأرض واعتدائه عليها.

خاتمة:

إن ممارسة أي نشاط اقتصادي مع الكيان الإسرائيلي يخدم التطبيع، وخدمة التطبيع ليست من أخلاقنا ولا من شيم المغاربة، وليست من شيم كل مسلم حر، إضافة إلى أنه خيانة عظمى للقضية الفلسطينية، وذلك بالنظر إلى مآلاته؛ فهو يخدم المشروع الإسرائيلي في فلسطين، ويساهم في تمكين السيطرة على الأراضي الفلسطينية.

ومن جهة أخرى، نقول: إن مخالفة هذا الحكم المتفق عليه بأغلبية علماء الأمة، يعني الرضوخ للمحتل والقبول بشرعيته، والإسهام في إعطاء الشرعية للمغتصب، وعليه فهو يعتبر من المتعاونين على الإثم والعدوان، ومخالفا لأمر الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة: 2).

ومن هنا وجب مواجهة التطبيع بكل جبهاته؛ من التطبيع السياسي والاقتصادي، إلى التطبيع الثقافي الذي معناه ابتداءً التخلي عن كل ما يحتويه المخزون الثقافي من النصوص المعادية، في نظرهم، ثم السماح للفكر اليهودي والصهيوني بالتمدد باتجاه كل القطاعات ليصبح إحدى حالات الفكر السائدة التي يحق لها التمظهر في بلاد المسلمين بشكل عادي.

والله غالب على أمره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]: وإذا حرم العمل حرم أخذ الأجرة من ذلك العمل.





التالي
يضم مركز ديني إسلامي وتعليمي.. تشييد المرحلة الثانية للمسجد التذكاري بمدينة كوستروما في روسيا
السابق
بمشاركة ثُلة من علماء الاتحاد.. "منار الإسلام" يقيم ندوة علمية حول "يوسف القرضاوي: قرن من البذل والعطاء"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع