البحث

التفاصيل

العاقل من اغتنم صحته قبل مرضه

العاقل من اغتنم صحته قبل مرضه

بقلم: الشيخ د. عبدالله السادة - عضو الاتحاد

 

إن الإنسان العاقلَ هو من تعلمَ الحلالَ والحرامَ وعمِلَ بما تعلَّمَ فيكونُ له ذلك ذخراٌ كبيرا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ومنِ اغتنَمَ -صحتَهُ قبلَ مرضِهِ- لأنَّ المرضَ يمنعُ الإنسانَ من أشياءَ كثيرةٍ كانَ يستطيعُ أن يعملَها في صِحَّتِه، والعاقلُ كذلك من -يغتنِمُ شبابَه قبلَ هَرَمِه-، ولا ينبغي أن يكونَ الإنسان غافِلاً عمَّا يستطيعُ أنْ يفعلَه في شبابه قبلَ أن يُدْرِكَه الهرَم، كذلك يتعين على الانسان العاقلِ أن يغتنِمَ -غناهُ قبلَ فَقْرِه- بأنَّ يعمَلُ منَ الصالحاتِ في غناهُ قبلَ أن يُصيبَه الفقر.  

وقت الفراغ

إن على المسلم العاقل أيضا أنْ يغتنِمَ عملَ البرِّ والخيرِ والإحسانِ عندما يكون لديه وقت فراغ، قبل أن يذهبَ هذا الفراغُ وينشغل، عن فعل ما ينفعه في الآخرة، وأن أكثرُ الناسِ يُضيِّعونَ هذه النعمَ الخمسةَ ولا ينتبِون إلا عندما يصيرُون منْ أهلِ القبورِ -كما قال سيّدُنا عليٌّ رضيَ الله عنه: ”الناسُ نِيَامٌ فإِذا مَاتُوا انتَبَهُوا”.

يجب الاستعداد ليوم الرحيل، قال عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما: أخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: ”كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”.

وكان ابنُ عمرَ يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وخُذ من صحتِكَ لمرضِك، ومن حياتِكَ لموتِك”.

العيش كالغريب

إن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب) قائلا: أي بعيدٌ عن موطنه، لا يتخذُ الدارَ التي هو فيها مَوطناً، ولا يحدِّثُ نفسَه بالبقاء، وهذه كلمةٌ جامعةٌ لأنواعِ النصائح، إذِ الغريب، لقلِّةِ معرفَتِه بالناس، قليلُ الحسدِ والعداوةِ والحقدِ والنفاقِ والنِّزاع، وسائرُ الرذائل مَنشؤُها الاختلاطُ بالخلائق، ولِقِلَّةِ إقامته، قليلُ الدارِ والبستان والمزرعة والأهلِ والعيال وسائرِ العلائق، التي هي منشأُ الاشتغالِ عن الخالق.

اما المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (أو عابر سبيل) أي؛ مار بطريق.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (خُذ من صحتك لمرضك) أي؛ اشتغل حالَ الصحَّةِ بالطاعات، بقدْرٍ يسدُّ الخلَلَ والنَّقصَ الحاصلَ بسببِ المرض، الذي قد يُقعِدُك عنِ القيامِ بالطاعات، و(من حياتك لموتك) أي؛ اغتنم أيامَ حياتِكَ بالأعمالِ التي تنفعُك عندَ الله تعالى بعد موتِك.

أفضل الأعمال

لْيُعْلَم أنَّ أفضلَ الأعمالِ عندَ اللهِ الإيمانُ باللهِ ورسولِه أي معرفة اللهِ بأنَّه موجودٌ لا يُشبِهُ شَيئًا وأنَّه مُتَّصِفٌ بعلمٍ وإرادةٍ وقُدْرةٍ وسمعٍ وبَصَرٍ وكلامٍ ووجودٍ أزليٍّ غيرِ حادِثٍ ولا يطرأُ عليه التغيُّرُ لأنَّهُ لو كانَ يتغيَّرُ منْ حالٍ إلى حالٍ لم يَكُن إلـهًا لهذا العالم.

وأن اللهُ هو المنفرِدُ بِخَلْقِ الأشياءِ أي إبرازِها من العدَمِ إلى الوجود. الأشياءُ التي لها حجمٌ كالإنسان والأرضِ والنبات، والأشياءُ التي ليست أجسامًا صلبةً كالنورِ والظلامِ كلُّ ذلك هو خالقُه. كذلك حركاتُ الإنسانِ وسكونُه وتفكيراتُه ونواياهُ القلبيةُ كلُّ ذلك هو يخلُقُه ليس العبد يخلقه.

خالق القلوب

إن كلُّ أفعالِ العبادِ وحركاتِهم وسكناتِهم التي يفعلونها بإرادتهم أو منْ غيرِ إرادةٍ منهم كلُّ ذلك منَ الله، فهم لا يخلقونَ شيئًا وهو تعالى خلقَ القلوبَ وهو الذي يحرِّكُها ويُصَرِّفُها كيفَ يشاء.

على المسلم التصديق بكل ما جاء به سيدنا محمّدٍ لأنَّه رسولُ الله، وهو صادقٌ في كلِّ ما جاءَ به إلى الناس، إنْ أخبرَ عنِ الماضي بما حصلَ لآدمَ أو مُوسى أو إبراهيم أو نوح أو غيرِهم منَ الأنبياءِ أو تحدَّثَ عن فرعونَ ونحو ذلك، فهو صادق، وكلامُه لا يحتَمِلُ الكذِب والخطأ.

كذلك إذا أخبرَ عما يحصُلُ في المستقبلِ فهو صادق. ويدخُلُ في ذلك ما يحصُلُ للناسِ في القبرِ وما سيحدث بعد الخروجِ منَها.





التالي
"الغارديان": على الدول الإسلامية استثمار التقرير الأممي حول الإيغور ضد الصين
السابق
مقاصد الاتباع وغاياته (2)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع