البحث

التفاصيل

عام على عودة حركة طالبان لحكم أفغانستان..آمال وآلام

عام على عودة حركة طالبان لحكم أفغانستان..آمال وآلام
 

 

كابل- ظهرت، أوائل أكتوبر/تشرين الأول 1994، قوة جديدة على الساحة الأفغانية ألقت بظلالها على المشهد السياسي في البلاد، وجعلت الأطراف السياسية أهمها الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار والجمعية الإسلامية بزعامة برهان الدين رباني، وقيادة أحمد مسعود ابن القائد الراحل أحمد شاه مسعود، تعيد حساباتها بعد فوات الأوان، لأن مقاتلي طالبان وصلوا إلى مشارف العاصمة.

لم تواجه طالبان حين ظهورها مقاومة تذكر من قبل فصائل المجاهدين، فاستطاعت خلال سنتين من تأسيسها السيطرة على 95% من أراضي البلاد. وبعد عقدين من حربها ضد القوات الأميركية والحكومية، سيطرت خلال 12 يوما على جميع الولايات، ودخل مقاتلوها إلى كابل دون مقاومة من الجيش النظامي.

اليوم، تكمل طالبان عامها الأول منذ سيطرتها على أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية، فما الذي تغير في تجربة الحكم هذه: على مستوى التشكيلة القيادية للحركة، وطريقة الحكم، والتحديات التي تواجهها في تجربة الحكم الثانية. التقرير التالي يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة.

ما الذي يميز طالبان اليوم عنها قبل عقدين من الزمن؟

يقول الخبير العسكري عبد الرحيم كريمي للجزيرة نت "عندما تقارن بين سيطرة طالبان عام 1996 على العاصمة كابل وبعد الانسحاب الأميركي لم تواجه طالبان أي مقاومة، لأن مسؤولي الحكومة غادروا العاصمة، ورأى الجيش أن مقاومته لن تؤثر في مسار المعركة، لذلك فضل الانسحاب حفاظا على سلامته".

ولم تتغير آلية حكم طالبان بين تجربتي السيطرة على أفغانستان، فبعد الانسحاب الأميركي في 15 أغسطس/آب 2021 شكلت الحركة حكومتها من قياداتها، إلا أن الجديد في شكل حكومتها أنها استحدثت 3 نواب لرئيس الوزراء.

وربما تكون أفغانستان الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي لا تملك دستورا، وإنما تدار الأمور بما يصدر من مكتب زعيمها المقيم في ولاية قندهار.

وتميزت طالبان في عهد زعيمها المؤسس أنها كانت متماسكة قياديا وميدانيا، رغم حدوث خلافات داخلية بين التيار الديني الأصولي التي يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية حسب مفهوم الحركة وبين التيار "المعتدل" في طريقة الحكم.

يقول مصدر الحركة للجزيرة نت "نتيجة للصراعات الداخلية انسحب اثنان من وزرائها من الحكومة التي شكلت بعد السيطرة على كابل وهما المولوي رفيع الله مؤذن (وزير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والملا محمد مير (وزير التجارة) وكان ابتعادهما عن الحياة السياسية لاعتراضهما على القرارات التي تتخذ بصورة فردية حيث تفرض على الحكومة دون التشاور معها".

غير أن الهزة الكبيرة التي تعرضت لها طالبان كانت بعد إعلان وفاة زعيمها الملا محمد عمر حيث أخفى الرجل الثاني بالحركة (الملا أختر منصور) الخبر لمدة عامين، وكان يصدر البيانات والقرارات باسم هذا الزعيم الروحي. وأثناء زعامة أختر منصور، أعلن الملا محمد رسول ونائبه الملا عبد المنان نيازي انشقاقهما عن الحركة، ورفضا الخليفة الثاني لحركة طالبان.

وعن ذلك يقول مصدر بالحركة للجزيرة نت "طالبان كغيرها من الحركات تتعرض للانشقاقات والخلافات، إلا أن ما يميزها أن كل هذه المشاكل تبقى داخلية ولا تتسرب إلى الإعلام أو عامة الناس، حاليا هناك خلاف (داخلي) شديد حول موضوع تعليم الفتيات وشكل الحكومة، لكن لا أحد يتحدث عن الذين يعارضون".

ورغم وصول طالبان للحكم بعد توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة، لم يعترف المجتمع الدولي بحكومتها، في حين حظيت حكومتها الأولى باعتراف 3 دول وهي باكستان والامارات والسعودية.

يقول الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل للجزيرة نت "وافقت طالبان في اتفاق الدوحة على شروط كثيرة إن لم تقم بها فلن تحصل على الاعتراف الدولي بحكومتها، حتى الدول الإسلامية لن تعترف بطالبان حكومة شرعية قبل اعتراف الولايات المتحدة".

من أبرز الشخصيات من الجيل القيادي الثاني لدى طالبان؟

بعد مرور 27 عاما على تأسيس طالبان، وسيطرتها مرتين على حكم أفغانستان، لم تتغير ملامح الشخصيات القيادية بالحركة منذ 1994، فهناك تشابه كبير بين الجيل الثاني وأسلافه من الجيل المؤسس، وأبرز الوجوه بالجيل الجديد:

الملا عبد الغني برادر: النائب الأول لرئيس الوزراء، وكان أحد المقربين للزعيم الروحي حيث أقام معه علاقة صداقة منذ أيام الشباب، ويعتبر من أعضاء المؤسسين للحركة.

اعتقل الملا برادر عام 2010 في كراتشي، ثم أطلق سراحه عام 2018 بعد ضغوط أميركية على الحكومة الباكستانية. وبعد مغادرته السجن، سافر إلى قطر ليصبح ممثلا دبلوماسيا لطالبان حيث أشرف على المفاوضات مع الولايات المتحدة، والتي كان هدفها إيجاد صيغة مناسبة لانسحاب القوات الأميركية.

الملا محمد يعقوب: نجل الزعيم الروحي، ويتولى وزارة الدفاع بالوكالة، وكان نائبا لزعيم الحركة الشيخ هيبة الله آخوند زاده، ويحظى باحترام كبير لمكانته الروحية، فهو يمثل الجيل الجديد الذي لم يعايش الفترة الأولى لحكم طالبان تسعينيات القرن الماضي. وترأس اللجنة العسكرية التي كانت وراء التوجهات الإستراتيجية التي اختارتها الحركة في حربها ضد الحكومة.

سراج الدين حقاني: نجل الزعيم الجهادي السابق جلال الدين حقاني، وينتمي إلى فئة أبناء القادة في طالبان، تولى وزارة الداخلية بعد الوصول إلى السلطة. ويتمتع بنفوذ واسع لدى الحركة.

وأبدى ابن حقاني قدرة على إقامة العلاقات مع مختلف أطياف الشعب الأفغاني، ولديه إلمام واسع بالعادات والتقاليد القبلية، ويستفيد منها في حل القضايا الشائكة بين القبائل والأطراف السياسية.

لماذا يستقر زعيم طالبان في قندهار بدل كابل؟

اختار زعيم طالبان الشيخ آخوند زاده مثل سلفه الملا محمد عمر الإقامة بولاية قندهار العاصمة التاريخية لأفغانستان، حيث لم يخرج منها إلا لزيارات قصيرة لولايات جنوبية وغربية، وزار كابل مرة واحدة للمشاركة في "لويا جيرغا" الأخيرة.

يقول مصدر في طالبان للجزيرة نت "زار الملا محمد عمر كابل مرتين وبسرية واختار البقاء في قندهار لأسباب أمنية، وكذلك يفضل الزعيم الحالي البقاء في قندهار لأنها مدينة صغيرة مقارنة بالعاصمة، ويمكن السيطرة عليها أمنيا".

ما أهم التحديات التي تواجهها طالبان بعد الانسحاب الأميركي؟

بعد مرور عام على وصولها للحكم وانسحاب القوى الأجنبية من أفغانستان، تواجه طالبان تحديات مهمة ومصيرية، ويمكن إجمال أبرزها في النقاط الثماني التالية:

1- المصالحة الوطنية: عندما جلست طالبان والولايات المتحدة بالعاصمة القطرية كان الجميع يعتقد أن هذه المفاوضات ستؤدي إلى استقرار ولم شمل الأفغان، وستنعم البلاد بالأمن، ولكن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بسحب قوات بلاده بهذه العجالة أدى إلى فوضى وسقوط النظام السابق، واستحوذت طالبان على السلطة، ولم تكتمل مفاوضات المصالحة الوطنية، ولم تعمل الحركة على إشراك القوى السياسية الأخرى بحكومتها الجديدة.

2- الأمن: بعد وصول طالبان إلى السلطة فرضت الحكومة الأمن على معظم المناطق، ولكن عودة تنظيم الدولة وجبهة المقاومة التي يتزعمها أحمد مسعود تتسبب في توتر الأوضاع الأمنية، ويرى خبراء بالشأن الأفغاني أنه إن لم تغير طالبان موقفها من الوضع الراهن فسيلجأ عدد كبير من القوات المحلية السابقة إلى جبهات القتال ضدها بما يملكونه من خبرة قتالية.

3- تشكيل حكومة شاملة: بعد شهرين من وصول طالبان إلى السلطة عام 2021 أعلنت الحركة تشكيل حكومتها من أعضائها فقط، ولم يشارك آخرون فيها، وهو ما أدى إلى تأجيل اعتراف المجتمع الدولي بالحكومة، وعزز نظرة الشك بتغير طالبان في عيون الأفغان.

4- الدستور: عطلت طالبان الدستور الذي أقر قبل 20عاما، وهو في الأصل نسخة من الدستور الملكي، إلا في بعض المواد، وهو لا يتعارض مع المبادئ والقيم الإسلامية، وتدار الحكم بالقرارات الصادرة من مكتب زعيم طالبان، ويطالب الشعب الحركة بتفعيل الدستور والعمل به.

5- تغيرات المجتمع: خلال 20 سنة تغير المجتمع الأفغاني كثيرا، فتراجعت نسبة الأمية، ولأول مرة تمارس المرأة السياسة والعمل في مؤسسات المجتمع المدني، لكن لا يزال موقف طالبان تجاه النساء والأحزاب السياسية لا يتماشى مع مطالب الشعب، والإصرار على إبعاد المرأة سيعقد المشهد أكثر، ولم تقدم الحركة حتى الآن رؤيتها تجاه دور الأحزاب.

6- العلاقات الدولية: تحاول طالبان الحصول على الاعتراف الدولي بحكومتها، ولكن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في قلب العاصمة كابل لن يدفع المجتمع الدولي لبناء علاقات طبيعية معها، لأن وجود الظواهري في كابل يتعارض مع اتفاق الدوحة، حتى أن الدول التي لديها رغبة في بناء العلاقات مع طالبان ستتراجع إلى حين.

7- الإعلام وحرية التعبير: ازدهر قطاع الإعلام في عهد النظام السابق، وبعد أقل من عام على تسلم طالبان للحكم، بدأت وسائل الإعلام المستقلة بالإغلاق، ولم يتبق سوى منها القليل من وسائل الإعلام، وتواجه عملا محفوفا بالمخاطر. فقد أغلقت حوالي 40% من القنوات التلفزيونية والإذاعة والصحف، وغادر آلاف الصحفيين.

8- تنظيم الدولة وحركات مسلحة أخرى: قبل وصولها إلى الحكم خاضت طالبان عدة معارك مع تنظيم الدولة، شرقي البلاد وشمالها، والذي عادت خلاياه النائمة بالمدن الكبرى لإحراج الحركة، ولا يزال يشكل التحدي الأمني الرئيسي للسلطة الجديدة، وينفذ هجمات انتحارية ضد المدنيين ومسؤولين حكوميين.

المصدر: الجزيرة





التالي
قصة العنكبوت والحمامة في الهجرة النبوية صحيحة أم لا؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع