البحث

التفاصيل

الشيخ فايز النوبي يكتب.. العشرُ من ذي الحجة منحةٌ إلَهية وعَطيةٌ ربانية

الرابط المختصر :

العشرُ من ذي الحجة منحةٌ إلَهية وعَطيةٌ ربانية

بقلم: الشيخ فايز النوبي – عضو الاتحاد

 

روى الإمام الطبراني في مُعجمه الكبير بسنده عن محمد بن مَسلمة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لربِكم في أيام دهرِكم نفحات فتعرضوا لها ، لعل أحدَكم أن تصيبه منها نفحةٌ لا يشقى بعدها أبدا).

والتعرض لنفحات الله عزوجل -- يعني: التصدي والإسراع في الطلب لمِنحِ اللهِ عزوجل -- وعطاءاتِه وخيره، وجوده وكريم فضلهِ وعظيمِ مغفرته وواسعِ رحماتهِ، وجزيلِ أجرهِ وثوابهِ.

وها هو ولله الحمد: قد أهلّ علينا شهرٌ حرامٌ كريم، ووافدٌ عظيم هو شهر الحج والأيام العشر المباركات، شهر ذي الحجة، أحد الأشهر المعلومات، شهر الذكر والتكبير وسائر الطاعات.

فالله عزوجل -- يخاطب من أسعدهم، ووفقهم للوقوف بعرفات، فيأمرهم بذكره وشكره -- عند إفاضتهم إلى مزدلفة وبعدها في منى يوم النحر وأيام التشريق -- فيقول عزوجل: (.. فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) البقرة 198.

وحث الله عزوجل -- عباده الحجيح على المداومة والإستمرارية في الذكر والدعاء طيلة أيام التشريق فقال عزوجل: (۞ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ..) البقرة 203.

بل إنه أقسم عزوجل -- بالأيام العشر الأولى من ذي الحجة تعظيما لها وتشريفا، وبيانا لمكانتها وكبير فضلها فقال تعالى: (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْر) الفجر 1-2. ومعظم المفسرين بينوا: أن الآية الكريمة تتناول العشر الأولى من ذي الحجة.

ونبينا الهادي الكريم صلى الله عليه وسلم -- بيّن لنا فضل هذه الأيام العشر المباركات في أحاديثه الشريفة، منها ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما -- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام -يعني العشر الأولى من ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيء).

وجاء في مسند الإمام أحمد، وفي الأمالي المطلقة لابن حجر العسقلاني عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله عزوجل ولا أحب إليه العمل فيهن من أيام العشر من ذي الحجة، فأكثروا فيهن من التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل).

ورَوى كذلك ابن حِبّان، وأبو عوانة في صحيحيهما عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أفضل عند الله عزوجل من أيام عشر ذي الحجة قال: قال رجل: هن أفضل؟ أم عدتهن جهاد في سبيل الله؟

قال: هن أفضل من عدتهن جهاد في سبيل الله إلا عفيرٌ يُعفِّر وجهه في التراب).

والمراد بالعفير الذي يُعفر وجهه بالتراب هنا هو: المجاهد في سبيل الله عزوجل.

ومن هذه الأحاديث الشريفة يتضح لنا فضل الأيام العشر، وفضل العمل الصالح فيها، وأجره الكبير وثوابه الجزيل في هذه الأيام العشر المباركات، والتي أكسبها الله عزوجل هذا التكريم وهذا التبجيل والتعظيم لما فيها من إمكان القيام بصنوف العبادات والطاعات المتنوعة، والتي يَندُر أن تكون في وقت آخر غير هذه العشر؛ ففيها عبادات الحج والصيام، والصلاة والصدقة والذكر والدعاء، وسائرِ أفعال الخير وخصالِ المعروف، وتشمل كذلك أياما مباركات ففيها يوم التروية وهو: الثامن من ذي الحجة والذي يُحرِم فيه المتمتع والمفرد بالحج ويروي فيه الإمام مناسك الحج لتعليم الناس وإرشادهم، -وكانوا قديما أيضا يجمعون فيه المياه للتروي في عرفات ومنى-، ويوم عرفة وهو: أعظم وأفضل أيام العام، وهو اليوم التاسع، وفيه تكون أهم وأعظم شعيرة في الحج هي: الوقوف بعرفات، فالحج عرفة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم..

وفيها كذلك يوم النحر وهو: اليوم العاشر منها ويُسمى كذلك: بيوم الحج الأكبر لما فيه من معظم أعمال ومناسك الحج من رمي الجمرات بمني، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، وذبح الهدي، وحلق الرأس أو تقصيرها.

فنالت الأيام العشر من ذي الحجة المكانة الكبيرة والمنزلة العظيمة بأداء معظم مناسك الحج فيها،

وفريضة الحج هي فريضة العمر التي أوجبها المولى عزوجل- على القادر المستطيع مرة في العمر، وقد شاءت إرادة الله عزوجل- وقَدرُه الحكيم أن يَصعُبَ أداء هذه الفريضة الغالية على معظم المسلمين خلال العامين الآخرين؛ بل حُرِم غالب المسلمين من أداء الفريضة؛ بسبب وباء وجائحة كورونا، والتي نسأل الله عزوجل- بقدرته التي لا حدود لها أن يصرف هذا الوباء عن سائر بقاع الأرض إنه على ما يشاء قدير.

وفي الأيام العشر تُتاح للمسلم كل عام: فرصةُ مراجعةٍ للنفس وإصلاحٍ للذات، لذا وجب استغلاها في التوبة والإنابة لله عزوجل- والاستزادة من فعل الخير، فهي فترة استجمام وتنظيف، وتنقية واجتهاد في الطاعات حتى تهدأ النفوس من اضطراب الحياة المادية وصَخَبها وآلامها ومنغصاتها، وحتى تستريح من عَنائِها ونَصَبها، ويَخلُص بها المؤمن إلى نوعٍ عظيم من الرياضةِ الروحية، ويتفرغُ فيها للإقبالِ على الله عزوجل- بالذكر والفكر، والدعاء والتكبير، وجميلِ المحاسن، والحمد والشكر، فيُكثِر من الصيامِ والقيامِ والبرِ والإحسانِ والصدقات، وصالح الأعمال ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويسعى للخير والمعروف، والإكثار من ذكر الله عزوجل بالقلب واللسان - خاصةّ بالباقياتِ الصالحات، والتي وصفها الله عزوجل بقوله: (.. وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف 46. وفي آية أخرى: (وخيرٌ مردّا).

وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم - كما رُوي عن ابن عباس وغيره، عن عثمان وأبي هريرة رضي الله عنهم جميعا بقوله: (أنها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر).

وفي ختام الأيام العشر يكون العيد المبارك الذي شرع الله عزوجل - فيه للقادر ذبح الأضحية بعد الصلاة، وهي نُسك يُذبح تقربا إلى الله عزوجل - يبدأ من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق، لقوله تعالى: (فصلي لربك وانحر).

ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي، ثم نرجع فننحر من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح بعد الصلاة فإنما هو طعام قدمه لأهله ليس من النُسك في شيء).

فهي سنّةٌ مؤكدة على القادر، وينبغي أن تكون من أفضل أنواع المواشي، يَهدي منها الإنسان ويتصدق، ويأكل ويدخر.

وفي ختام المقال نسأل الله عزوجل - أن يوفقنا في هذه الأيام المباركات لطاعته وذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا ويقبلنا في عداد عباده الأتقياء المخلصين،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع