البحث

التفاصيل

فوائد الحج

فوائد الحج

بقلم: الشيخ محمد الحسن الددو

 

أولا: مرتبة الحج إلى بيت الله والمراد به

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

- فإن الله سبحانه وتعالى بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا هو الركن الأول من أركان الإسلام، وهو شرط للباقيات كلها، لا يتقبل الله من أحد صلاةً ولا صوماً ولا حجاً ولا زكاةً إلا به.

- والركن الثاني: إقام الصلاة، أي: أداء الصلوات الخمس المكتوبات في اليوم والليلة.

- والركن الثالث: أداء الزكاة في حق من وجبت عليه، أي: ممن ملك نصاباً، وحال عليه الحول ويشترط دوران الحول في زكاته.

- والركن الرابع: صيام شهر رمضان في كل عام.

- والركن الخامس: هو حج بيت الله الحرام مرة واحدة في العمر.

وهذا الحج: هو عبارة عن إعلان الولاء لله جل جلاله، وقصد إقامة ذكره وعبادته وشكره على نعمه، وهو مؤتمر عام يجتمع فيه المسلمون كل عام يتعرف بعضهم على بعض، ويتلقى أخباره ويتطلع على أوضاعه، فالمؤمنون عند الله تعالى أمة واحدة، كما قال الله تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً[الأنبياء:92]، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ذمة المسلمين واحدة)، وثبت عنه أنه قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه)، وثبت عنه أنه قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

وفي كتاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي كتبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعله في قراب سيفه، وكان معه في حله وترحاله: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم).

 

ثانيا: أركان تحقيق الأخوة الإسلامية

ولا يمكن أن تتأكد الأخوة حتى تكون أخوة حقيقيةً إلا بقيام ركنين هما: تحقيق الألفة، وإزالة الكلفة.

- تحقيق الألفة

فتحقيق الألفة: يقتضي أن يتعرف بعضهم على بعض وأن يهتم به، فـ (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)، وهذا يقتضي التطلع إلى أخبارهم، وأن يربط الإنسان مصيره بمصيرهم، وآماله بآمالهم، وآلامه بآلامهم، وأن يتألم إذا أصيبوا بأي مكان.

فنحن الآن مثلاً نسمع عن أخبار إخواننا في غزة، وقد قطع عنهم الكهرباء والماء، والمرضى في المستشفيات قد قطع عنهم الأكسجين، وهم يئنون تحت هذا الحصار المقيت الذي يشارك فيه المسلمون واليهود، وكل من كان له روح وإيمان، فإنه لا بد أن يتألم لذلك، وأن يسعى بكل جهده للتطلع إلى أخبارهم، وأن يعيش معهم فيما هم فيه.

فلا يمكن أن ينعم بعض الجسد بالرخاء والطمأنينة وبعضه في عذاب وألم، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه الأمة كالجسد الواحد.

كما بين الله تعالى أخوة المؤمنين بعضهم لبعض، فقال تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات:10]، وقال تعالى: وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ[التوبة:71].

وهذا الركن من أركان الأخوة -الذي هو تحقيق الألفة- يقتضي ألا يجد الإنسان في قلبه ضغينة على إخوانه المسلمين، فإذا نفث الشيطان في قلبه الضغائن سامح وعفا وصفح.

ولا بد أن يعفو الإنسان عن زلات إخوانه؛ لأنه يريد معايشتهم ومخالطتهم في الحياة الدنيا، ومن لم يعف ويسامح لا يمكن أن يجد من يلائم طبعه 100%، بل لا بد أن تتنافر الطباع، وأن يقع فيها ما لا يرتضيه كل واحد من الطرفين من الآخر.

وقد قال الحكماء:

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

وقالوا:

ولست بمستبقٍ أخ لا تلمه على شعث أي الرجال مهذب.

فلا بد أن يسامح الإنسان المؤمنين، وأن يصبر على أذاهم، وأن يتصدق عليهم -إذا كان فقيراً- بحقوقه وما له عليهم من الحقوق، فذلك كاف في الصدقة وحق الأخوة.

- إزالة الكلفة

الركن الثاني: هو إزالة الكلفة، وإزالة الكلفة إنما تكون بعد تحقيق الألفة، فيزيل الإنسان التكلف لإخوانه المؤمنين؛ لأنه يعتبرهم معه كأسرة واحدة، فلا يتظاهر بما ليس فيه، ولا يريد منهم ما ليس لديهم، ويتعاون معهم على ما هم فيه، وهذا الذي يقتضيه إزالة الكلفة مطلقاً، فيجد نفسه معهم في خندق واحد، يعيش معهم ويسير معهم على الأرض كما يسيرون، ويفكر معهم كما يفكرون.

ولذلك فإن أمم الكفر والطغيان لما أرادت تقطيع هذه الأمة وإزالة هيبتها من النفوس ذهبت إلى تقطيعها أجزاءً وأعراضاً، فكل أهل قُطر يظنون أنهم أمة مستقلة، وأنهم لا يهتمون إلا بشئونهم الخاصة، ولو اهتموا بها لكانت كل مدينة من ذلك القطر أيضاً يهتم أهلها بشئونهم الخاصة، ثم يهتم أهل كل مقاطعة بشئونهم الخاصة، ثم يهتم كل بيت بشئونهم الخاصة، ولا يبقى للأمة من يرفع لواء الإسلام، ولا من يهتم بشئون المسلمين، وهذا مخالف للمقصد الشرعي الذي بعث الله به جميع أنبيائه، من لدن نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله بعثهم بأصلين عظيمين هما: إقامة الدين، وعدم التفرقة، وقد قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[الشورى:13].

(يتبع: فوائد الحج على الأمة المسلمة)





التالي
الهند.. متطرفون هندوس يعتدون على طفل مسلم
السابق
الشيخ محمود أفندي.. الصوفيّ الذي جابه في حياته وجنازته

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع