البحث

التفاصيل

إنسانية رجل

الرابط المختصر :

إنسانية رجل

بقلم: د. فتحي أبو الورد - عضو الاتحاد

 

كتبت إحدى الفضليات تمتدح إنسانية رجل، وتصفه بالأصيل النبيل؛ لأن زوجته توفيت منذ عامين، ولم يتزوج بعدها وفاء لها، ولأنه لا يتخيل وجود امرأة أخرى مكانها، ولأنه كذلك لا يريد أن يحزن أولاده بوجود امرأة أخرى غير أمهم في البيت، كما أنه لا يريد لها أن تشارك أولاده في ميراثهم من أمهم.

ولما تكرر مثل هذا الأمر من بعض الفضليات أحببت أن أوضح بعض النقاط حتى نضع الأمور في نصابها الشرعي، ولا ننساق وراء حكم العواطف وحدها، وحتى لا نكرس لمعان بالقبول والصواب دون غيرها، فكتبت على المنشور تعليقي التالي:

 

لا شك أن هذا موقف إنساني نبيل وصورة من صور الوفاء تليق بصاحبها وتناسبه، ومن الجميل والمفيد أن نبرز مثل هذه الجوانب الإنسانية ونعظمها في حياتنا الفردية والمجتمعية.

وبالطبع أيضا هذا حديث يمس العواطف ويلامس المشاعر، وحتما سيلقى قبولا وإعجابا لدى كثرة من أخواتي من النساء. وقد تظنه بعضهن الأنموذج الصحيح والأوحد في مثل هذه الحالات، وأن ما سواه يعد انتقاصا من الوفاء. ومن ثم كان لي تعقيب على ما تفضلت به.

اولا: جاء الإسلام ليشرع للمسلمين جميعا، على اختلاف طبائعهم وقدراتهم وطاقاتهم وحاجاتهم المشروعة؛ لأن الناس يختلفون في ذلك اختلافا كبيرا، وما يستطيعه واحد من الناس قد لا يطيقه آخر، وما يسع واحدا منهم قد لا يسع آخر، ولا حرج على هذا أو ذاك، في فعله أو تركه، والإسلام يسع الجميع، دون أن ينال ذلك من خلقه أو إنسانيته، أو ينتقص من وفائه، ولذلك أجرى الفقهاء على الزواج الأحكام الفقهية الخمسة من وجوب أو ندب أو إباحة أو كراهة أو تحريم، حسب حالة الشخص؛ بل ذهب ابن حزم إلى أبعد من هذا فقال بفرضية الزواج، واعتبر أن ذلك أسلم عندما نظر إلى شدة العقوبة لمن يقع في جريمة الزنا. كما أن من موجبات تغير الفتوى - كما هو مقرر لدى الأصوليين - اختلاف الأشخاص وطبيعتهم واحوالهم.

ثانيا: أما قول صاحب الحالة "يستحيل أن أرى أي واحدة مكانها" فقد يسع الأخ الكريم عدم الزواج بعد وفاة زوجته لاعتبارات كثيرة منها عدم إلحاح الغريزة عليه، وهذا أكبر عامل مؤثر في المسألة، وقد يكون الإعراض عن الزواج لمرض أو تقدم سن أو عامل نفسي أو غير ذلك من الاعتبارات. ولا أعتبر الزواج بعد وفاة الزوجة - أو عدمه - دليلا على الوفاء - أو عدمه؛ فإن خير الأوفياء قاطبة قدوتنا صلى الله عليه وسلم تزوج بعد وفاة السيدة خديجة، وكان وفيا لها وكان يكرم صاحباتها، وكل من يمت لها بصلة حتى كانت نساؤه يغرن منها لشدة وفائه لها، ولن تكون هذه الحالة الفردية التي معنا سلوكا أو تشريعا عاما لرجال الأمة أو نسائها، أو تكون هذه الحالة هي مظهر الإنسانية والوفاء، وما دونها ليس كذلك..

ثالثا: لا تعارض بين الزواج بعد وفاة الزوجة وبين حقوق الأولاد، أو القول بأنه لا يريد أن يحزنهم بوجود امرأة أخرى فهذا أمر يمكن حله ببساطة بحيث يتفاهم مع الأولاد في هذا الشأن، وما دامت امهم قد ماتت - رحمها الله - فمن الميسور تقبلهم لذلك. ويمكنه أن يراعي في اختيار الزوجة أن تكون صالحة مناسبة لسنه وحالته، وأن تكون بمثابة أم لأولاده.

رابعا: أما قوله: إنه لا يريد امرأة تشارك أولاده ميراث أمهم، فإنه يجب عليه أن يعطي أولاده ميراثهم من أمهم، سواء تزوج أم لم يتزوج، ولا دخل له به.

خامسا: بإمكانه أن يعبر عن الوفاء لزوجته بأمور أخرى تتفعها في قبرها مثل: أن يوقف لها وقفا، أو يجري عليها صدقة، ويكرم أهلها وصاحباتها، ويذكر محاسنها كلما جاءت مناسبة، خاصة أمام أبنائها، وأن يكثر لها من الدعاء والثناء، أو هذا كله، وما شابه ذلك.

سادسا: هذه هي الذكرى الثانية لوفاة زوجته والعهد بها قريب، ولعله يغير رأيه ويتزوج في قادم الأيام لأي اعتبار من الاعتبارات، فماذا سنقول عنه حينها إذا فعل ذلك؟





التالي
بمشاركة البشير والقره داغي.. علماء الأمة يعقدون مؤتمرًا عالميًا لنصرة مسلمي تركستان الشرقية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع