البحث

التفاصيل

في ظلال مقاصد التوحيد: مقاصد الإيمان بالكتب المنزلة

في ظلال مقاصد التوحيد: مقاصد الإيمان بالكتب المنزلة

بقلم: الدكتور انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

الحلقة (16)

ومن أصول الإيمان وقواعده: الإيمان بما أنزله الله تعالى على الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وبما خصهم من تلقي العلم الإلهي بواسطة الوحي الذي هو المصدر الأصلي للعقائد والشرائع، قال الخازن رحمه الله تعالى ((وأما الإيمان بكتبه فهو أن يؤمن بأن الكتب المنزلة من عند الله هي وحي الله إلى رسله، وأنها حق وصدق من عند الله بغير شك ولا ارتياب، وأن القرآن لم يحرف ولم يبدل ولم يغير، وأنه مشتمل على المحكم والمتشابه، وأن محكمه يكشف عن متشابهه))[1].

 والإيمان بالكتب المنزلة وإن أفرد في التسمية ضمن أصول الإيمان فهو داخل في الإيمان بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، بل هو مقصده وثمرته، قال السعدي رحمه الله تعالى: ((ويدخل في الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب، فالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يقتضي الإيمان بكل ما جاء به من الكتاب والسنة ألفاظها ومعانيها، فلا يتم الإيمان إلا بذلك، وكل من كان أعظم علماً بذلك وتصديقاً واعترافاً وعملاً كان أكمل إيماناً))[2]، قال تعالى {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[3]، وفي الآية الكريمة وجوب الإيمان بجميع الكتب المنزلة من عند الله تعالى بالجملة، سواء ما علمنا منها وما لم نعلم.

 ويجب الإيمان والعمل بجميع ما فيه من العقائد والعبادات والشرائع المحكمة، قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }[4].

  • بعض المقاصد والحكم في إنزال الكتب

إن الله تعالى أنزل هذه الكتب على الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ليبلغوها إلى قبائل وشعوب مختلفة، وفي مراحل تاريخية متتالية، وذلك لغايات ومقاصد عالية، ومن تلك الغايات والمقاصد ما يلي:

  1. الهداية إلى الحق

المقصد الكلي من إنزال الكتب هو الهداية إلى الحق في جميع أبواب الدين، عقائد وعبادات وشرائع، ذلك لأن الإنسان مهما بلغ من العلم والذكاء فلا يمكن أن يتوصل بعقله المجرد إلى معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالعقائد والعبادات والشرائع، قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[5].

  1. دساتير للحكم وموازين للعدل

ومن مقاصد إنزال الكتب أن تكون دساتير للحكم وموازين للعدل يحكم بها النبيون والأحبار المؤمنين بالله تعالى، قال تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[6].

  1. مواعظ ورقائق للقلوب

إن من أهم مضامين الكتب المنزلة على الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام المواعظ والرقائق والأدعية والابتهالات والثناء على الله تعالى، يعلم الله تعالى بها عباده المؤمنين كيف يعبدون ربهم ويحمدونه، وكيف يثنون عليه بما هو أهله، قال تعالى {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}[7].

مقاصد خاصة بإنزال القرآن الكريم

هناك مقاصد خاصة بإنزال القرآن الكريم تفرد بها عن سائر الكتب المنزلة من عند الله تعالى، ومنها:

  • الهيمنة على جميع الكتب والشهادة عليها بالحكم على مضامينها بالإبقاء والتأكيد عليها، أو بالنسخ والتبديل، قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[8]، قوله تعالى: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}: ((عن ابن عباس: أي مؤتمنا عليه، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: المهيمن الأمين، قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله))[9].
  • تخليد الإعجاز، وهو ما خص الله تعالى القرآن به من كونه معجزة خالدة ومستمرة خلود واستمرار رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }[10]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة))[11]، قال الشيخ محمد عبد الله الدراز[12] رحمه الله ((سر اختصاص القرآن بالخلود وعدم التحريف دون الكتب السابقة: والسر في هذه التفرقة أن سائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأبيد ))[13].

 

"الحلقة 15: في ظلال مقاصد التوحيد (مقصد إثبات النبوات والرسالات الإلهية)"

يتبع

 

[1] لباب التأويل في معاني التنزيل، 1 / 219

[2] الفتاوى السعدية ، ص 11

[3] سورة البقرة، الآية 197

[4] سورة المائدة، الآية 48

[5] سورة البقرة، الآية 38

[6] سورة الحديد، الآية 25 

[7] سورة المائدة، الآية 46

[8] سورة المائدة، الآية 48

[9] تفسير القرآن العظيم، 3 / 115

[10] سورة الإسراء ، الآية 28

[11] متفق عليه : صحيح البخاري ، 6 / 182 ، برقم ( 4981)، وصحيح مسلم 1/ 134 ، برقم ( 152)

[12] هو محمد بن عبد الله دراز: فقيه متأدب مصري أزهري. كان من هيأة كبار العلماء بالأزهر، توفي رحمه الله 1377 هجرية. انظر : الأعلام ، للزركلي 6 / 246

[13] النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم، تأليف  محمد بن عبد الله دراز، ص 42، الناشر : دار القلم للنشر والتوزيع 1426هـ





التالي
هدم بيوت ومحال تجارية.. لماذا تكثف الهند استهدافها للمسلمين؟
السابق
المسلمون الأمريكيون تبرعوا بنحو 1.8 مليار دولار عام 2021 (تقرير)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع