البحث

التفاصيل

جهود عبد الله بن ياسين في توحيد بلاد المغرب

جهود عبد الله بن ياسين في توحيد بلاد المغرب

فصول تاريخية من سيرة زعيم دولة المرابطين

بقلم: الدكتور علي محمد الصلابي

 

هو عبد الله بن ياسين بن مكوك بن سير بن علي الجزولي، أصله من قرية «تماماناوت» في طرف صحراء غانة.

درس على فقيه السوس وجاج بن زلوا، ثم رحل إلى الأندلس في عهد ملوك الطوائف وأقام بها سبع سنين، واجتهد في تحصيل العلوم الإسلامية، ثم أصبح من خيرة طلاب الفقيه وجاج بن زلوا، فعندما طلب أبو عمران الفاسي من تلميذه وجاج بن زلوا أن يرسل مع يحيى بن إبراهيم فقيهاً عالماً ديناً تقياً مربياً فاضلاً وقع الاختيار على عبد اللهِ بن ياسين الصنهاجي الذي كان عالماً بتقاليد قومه وأعرافهم وبيئتهم وأحوالهم.

ودخل عبد الله بن ياسين مع يحيى بن إبراهيم في مضارب ومواطن ومساكن الملثمين من قبلة جدالة في عام 430 هـ/1038 م ؛ فاستقبله أهلها واستمعوا له وأخذ يعلمهم، فكان تعليمه باللغة العربية لطلبة العلم، والإرشاد الديني للعامة بلهجة أهل الصحراء البربرية.

في عام 447 هـ  1055 م اجتمع فقهاء سجلماسة ودرعة، وكتبوا إلى ابن ياسين يرغبونه في الوصول إليهم ليخلص بلادهم مما تعانيه من حكم الطغاة الظلمة زناتة المغراويين وأميرهم مسعود بن واندين، فجمع ابن ياسين شيوخ قومه وقرأ عليهم رسالة فقهاء سجلماسة، فأشاروا عليه بمد يد المعونة لهم، قالوا له: «أيها الشيخ الفقيه هذا ما يلزمنا فسر بنا على بركة الله».(عنان، 1964، ص 289)

فخرجت جموع المرابطين في شهر صفر سنة 447 هـ إلى بلاد درعة، فتصدى لهم الأمير مسعود بن واندين بالقتال، وانتهت المعركة بهزيمة المغراويين ومصرع مسعود، وتشتت جيشه وأسرع ابن ياسين بدخول سجلماسة، وأصلح أحوالها، وقدم عليها عاملاً من لمتونة وحامية مرابطية ثم عاد إلى الصحراء.(عنان، 1964، ص291)

وفي عام 448 هـ  1056 م توفي الأمير يحيى بن عمر اللمتوني فعين عبد الله بن ياسين أخاه أبا بكر بن عمر مكانه للقيادة، ثم تأهب أبو بكر لغزو بلاد السوس ففي ربيعِ الثاني سنة 448 هـ سار المرابطون صوب بلاد السوس، واختار أبو بكر بن عمر ابن عمه يوسف بن تاشفين لتولى القيادة على مقدمة الجيش المرابطي، وكان ذلكَ أول ظهور ليوسفبن تاشفين مؤسس دولة المرابطين وقائد مرحلة التمكين، وتمكنوا من احتلال أرودانت، وقضوا على الروافض والوثنيين، كما قاتلوا اليهود المنتشرين في تلك النواحي ؛ فأعادوا بذلك تلك المناطق إلى مذهب أهل السنة والجماعة.(الغنيمي،1994،ج2، ص182)

وسار المرابطون إلى مدينة أغمات، وكان أميرها يومئذٍ لقوط بن يوسف بن علي المغراوي وحاصروها واضطر لقوط إلى الفرار عندما أيقن عبث المقاومة، فخرج يتلمّس النجاة في أهله وحشمه تحت جناح الظلام، ودخل المرابطون أغمات عام449 هـ  1057 م وأقاموا فيها ما يقارب الشهرين، وتحركوا حركات حربية محكمة للقضاء على فلول المغراويين، واستطاعوا قتل أمير أغمات، وتزوج أبو بكر بن عمر من زينب النفراوية زوجة لقوط المغراوي.

ثم سار أبو بكر بن عمر في جموع المرابطين إلى أرض برغواطة وكان أميرهم يومئذٍ أبو حفص بن عبد الله بن أبي غفير بن محمد بن معاذ، ونشبت بين المرابطين والبرغواطيين، وقائع ومعارك حامية الوطيس أصيب فيها العالم الرباني والمقاتل الميداني والفقيه الموجه ابن ياسين بجراح أودت بحياته إلى الشهادة نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً ؛ حمل على إثر تلك الجراح إلى مقر القيادةِ في معسكر المرابطين، وقبل خروجِ روحه جمع رؤساء وشيوخ المرابطين وحثهم على الثبات في القتال، وحذرهم من عواقب التفرقة والتحاسد في طلب الرياسة، ولم يلبث أن فارق الحياة(الغنيمي،1994،ج2، ص182).

فعلى أمثال هؤلاء الرحمة والمغفرة والرضوان من الرحيم الواحد المنان، واتفق رأي المرابطين على اختيار أبي بكر بن عمر للرياسة مكان ابن ياسين، وأجمع شيوخ المرابطين على مبايعة أبي بكر، فجمع بين الزعامتين الدينية والسياسية، بينما يؤكد كل من القاضي عياض وابن خلدون أن المرابطين اتفقوا فيما بينهم على تقديم الشيخ سليمان بن حدو، ليرجعوا إليه في مشاكلهم وقضايا دينهم، وتولى القائد الجديد الزعامة بهمة عالية وشجاعة فائقة، واستعداد للتضحية والفداء من أجل إحياء دين الله على منهج النبوة، وطمس المعالم الفكرية للدولة البرغواطية، فأمر بتعبئةِ جيوشه المجاهدة، وخرجَ لقتال واستئصال الكفر من بلاد المغرب، فأثخن في جنود الدولة البرغواطية، وفرق جموعهم، وكسر شوكتهم، وأعلنوا الطاعة والولاء للدولة المجاهدة الجديدة، ثم قصد أبو بكر مدينة أغمات، فمكث بها حتى شهر صفر سنة 452 هـ  1060 م ثم تابع سيره في بلاد المغرب، يفتح البلدان والقرى وحصون الجبال، ففتح سائرَ بلاد زناتة، وفتح مكناسة، وحاصر مدينة لواتة ودخلها عنوة في شهر ربيع الثاني 452 هـ، ثم عاد إلى أغمات التي اتخذها قاعدة عسكرية للمرابطين ومقراً للأمير وإخوتهِ، وعندما امتلأت المدينة اتجه أبو بكر إلى اختيار عاصمة جديدة، فوقع على موضع مدينة مراكش الحالية، وشرع في بنائها، فأتاه رسول من الصحراء يخبره بإغارةِ قبيلة جدالة على قبيلةِ لمتونة، فعينَ ابن عمه يوسف وأسرع من أجل الإصلاح بين القبائل المتنازعة، وقسم الجيش إلى فريقين، نصفه مع يوسف الذي شرع في تأديب القبائل المغربية المتمردة من مغراوة وزناتة وبني يفرن وغيرهم، ووقع اختياره على أربعة من القواد هم: محمد بن تميم الجدالي، وعمر بن سليمان المسوفي، ومدرك التلكاني، وسير بن أبي بكر اللمتوني، وعقد لكل منهم على خمس الاف من قبيلته، وسيرهم لتأديبِ تلك القبائل المتمردة، وسار في أثرهم فغزا قبائل المغرب قبيلة بعد قبيلة وبلداً بعد بلد، وكان بعضهم يفرون وبعضهم يقاتلونه، والبعض الآخر يدخلون في طاعته. واستمر في توحيد بلاد المغرب، وسنرى جهوده الجهادية في سيرته الميمونة.

أما أبو بكر فقد استطاع تأمين الأمن في الصحراء، وأزال الخلاف القائم بين لمتونة وجدالة، وتوسع في جهاد قبائل السود الوثنية لتدخل في دين الله حيث صاول وجاول وقاتل الزنوج لتأمين حدود دولة المرابطين الجديدة بعد دعوة الزنوج للدخول في الإسلام.

وبعد أن حقق أبو بكر بن عمر نجاحات هائلة في مهمته الدعوية رجع إلى المغرب الأقصى بجيوشه ؛ فأكرمهم يوسف بن تاشفين إكراماً يليق بالقائدِ الرباني أبي بكر بن عمر، واختار أبو بكر يوسف نائباً عنه على حكم المغرب الأقصى، وأمره بالعدل والرفق بالمسلمين ثم ودعه وعاد إلى الصحراء، وقد زوده يوسف بطائفة عظيمة من الهدايا الجليلة، ومن المال والخيل والبغال، والأسلحة المحلاة بالذهب، والجواري والثياب الفآخرة والمؤن والدواب، وهناك استأنف الجهاد والغزو حتى قتل في إحدى غزواتهِ في سنة 480 هـ  1087 م.(عنان، 1964، ص 293)

قال ابن كثير في «البداية والنهاية» عنه أي عن أبي بكر بن عمر: «اتفق له من الناموس ما لم يتفق لغيره من ملوك، كان يركب معه إذا سار لقتال عدو خمسمئة ألف مقاتل، كان يعتقد طاعته، وكان مع هذا يقيم الحدود ويحفظ محارم الإسلام، ويحوط الدين، ويسير في الناس سيرة شرعية، مع صحة اعتقاده ودينه، وموالاة الدولة العباسية، أصابته نشابة في بعض غزواته في حلقه فقتلته.(حسين، 1986، ص44)

لقد كان أبو بكر بن عمر من أعظم قادة المرابطين، وأتقاهم وأكثرهم ورعاً وديناً وحباً للشهادة في سبيل الله، وساهم في توحيد بلاد المغرب، ونشر الإسلام في الصحاري القاحلة وحدود السنغال والنيجر، وجاهد القبائل الوثنية حتى خضعت وانقادت للإسلام والمسلمين، ودخل من الزنوج أعداد كبيرة في الإسلام، وساهموا في بناء دولة المرابطين الفتية، وشاركوا في الجهاد في بلاد الأندلس، وصنعوا مع إخوانهم المسلمين في دولة المرابطين حضارة متميزة.

لقد سار ابن ياسين في دعوته لقبائل الملثمين الصنهاجية سيرة حسنة نقية، وتدرج بهم من مرحلة التعريف إلى التكوين ثم التنفيذ، حيث شرع في قتال القبائل التي لم تحترم أو تقدس حرمات الله، وأزال المنكرات، واعتبر ذلك جهاداً في سبيل الله.

 

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، تاريخ دولتي المرابطين والموحدين في الشمال الإفريقي، دار المعرفة بيروت، 1426ه-2006م صص49-52

محمد عبد الله عنان، عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس، القاهرة، 1383ه-1964م

عبد الفتاح مقلد الغنيمي، موسوعة المغرب العربي، الناشر، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى 1414 هـ/1994 م.

حمدي عبد المنعم محمد حسين، تاريخ المغرب والأندلس في عصر المرابطين، مؤسسة شباب الجامعة 1406ه-1986م





التالي
حول جواز تشقير ونمص حاجب المرأة
السابق
لاتحاد ينعي  الشيخ عبدالرحمن روزاريو باسكويني عميد المسلمين الإيطاليين ومترجم القرآن الكريم إلى اللغة الإيطالية رحمه الله

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع