البحث

التفاصيل

الكد والسعاية بين الاستدعاء والاعتداء

الكد والسعاية بين الاستدعاء والاعتداء

أ.د جمال عبد الستار

على إثر حرب شعواء شنها الإعلام في مصر على شيخ الأزهر بسبب ما نُسب إليه في قضية ضرب المرأة، قفز الشيخ إلى الأمام قفزة هائلة، ليؤكد لهم أنه أكثر منهم انتصاراً لما يزعمونه من الانتصار لحقوق المرأة، وأسرع منهم انطلاقاً لدعم تيارات النسوية، وأجرأ منهم استدعاءً للحكم بما يتناسب ومتطلبات المرحلة، وأحق منهم بالدعم والتأييد، فقام باستدعاء فكرة الكد والسعاية!!

وبادئ ذي بدء أؤكد على ما يأتي:

أولاً: أن الميراث قد تكفل الله تعالى بتوزيعه وتحديد أنصبته وأحوال الورثة بلا استثناء، ومن يرث ومن لا يرث، ونصيب كل وارث، حسب منظومة شرعية ومجتمعية عميقة البناء، قوية الإحكام، قاطعة الأحكام، بل لم يترك الله تعالى للأنبياء ولا للعلماء مساحة للاجتهاد في التقسيم، أو القياس في التوزيع، ثم أعقب ذلك بقوله تعالى: “تلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ” [النساء:13- 14

ثانياً : فتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ما يسمى بمسألة الكد والسعاية (حالة صحة سندها) هي فتوى اقتصادية في واقعة عين، في بيئة خاصة، بحكم خاص، وليست تشريعاً جديداً، ولا نصاً مرجعياً، ولا يجوز إشاعتها كحكم شرعي يُقتدى به ويُحتذى.

فالمرأة (حبيبة بنت زريق)  كانت تعمل مع زوجها في نفس مهنته تأسيساً وتشغيلاً، فاستحقت نصيبها كصاحبة ذمة مالية خاصة وليس بصفتها زوجة تعيش مع زوجها، أو حتى مطلقة منه، أو مجرد وارثة لزوج تُوفي، وإنما هي شريكة بصرف النظر عن مكانتها منه.

وتقدير هذا النصيب وفق معطيات التشغيل وتوزيع الجهد وهو ما لا يجوز تعميمه كحكم، ولا قسمة، ولا زوجية، فالغنم بالغرم .

ثالثاً: أن فتح باب الكد والسعاية على مصراعيه يفتح باباً لكل اللصوص الذي أكلوا حقوق إخوانهم وأخواتهم، وبناتهم وأبنائهم في الميراث .

ولعمري كم أكل الإخوة الذكور حقوق أخواتهم استناداً إلى ادعاء حق الكد والسعاية، وكم أكل الذين يعملون في الفلاحة حق إخوانهم الذين لا يحسنونها استناداً إلى هذه المنهجية المنحرفة، وكذا في كثير من المهن والأعمال، وكم أعطى الآباء ميراثهم لبعض أبنائهم وحرموا البعض الآخر!!

وما ذاك كله إلا لعدم ضبط الذمة المالية كمبدأ وعدم الالتزام بما يتفرع عن ذلك من أحكام، والتساهل فيها من البداية، حتى يصل الأمر إلى التقاطع والتنازع في النهاية، ثم يبحثون ساعتها عن مخارج ظالمة وحيل باطلة، والشرع منها براء، وليست إلا تعدياً على حدود الله ومخالفة لأمره سبحانه.

رابعاً: أن الله تعالى قد أقر خلوص الذمة المالية لكل من الرجل والمرأة كحق ثابت لا يجوز لأحد نزعه أو نسخه (..لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ.. )النساء 32

وأكثر الخلافات الزوجية في هذا السياق تقع بسبب التجاوز في ضبط الذمة المالية، فضبط الحقوق إنما يكون بضبط الذمة المالية واستقلاها وليس بالافتئات والابتداع.

خامساً: أن حدود الله ليست مسرحاً للصراع السياسي، أو نزاع المصالح، أو تضارب المنافع، أو تناحر الأذرع والولاءات، وإنما هي رحمة الله السابغة، وأحكامة القاطعة، وهدايته التي لا منتهى لها.

سادساً: أن الأصل في الرابطة الأسرية والعلاقات الزوجية التراحم لا التقاسم، والتعاون لا التنافس، والتغافر لا التنازع والتكارم لا التدابر، والعطاء لا التربح، فلا تفسدوها بسموم شبهاتكم، ولا تهدموها بفئوس  تلبيسكم.

 سابعاً: لا يُنكر أحد أن حقوقاً للمرأة مضيعة، وانتقاصاً من مكانتها يُمارس، وإهداراً لجهودها يحدث، بل ومتاجرة بحقوقها من هيئات وأنظمة ورموز ومجتمعات وأفراد على كل الأصعدة وفي كل المجالات لا تتوقف، وإن مواجهة ذلك تكون بحفظ ذمتها المالية وعدم التهاون فيها، والتحاكم إلى شرع الله تعالى في كل تلك المجالات.

ثامناًً: أنه مامن أحد أهدر كرامة المرأة كما أهدرها الغرب، ومن يسمى بالعالم المتحضر زوراً وبهتاناً، فقد حولها إلى سلعة ووسيلة إعلان لكل صغيرة وكبيرة، وجردها من معالم التكريم والتبجيل، وجعل من دعواته للمطالبة بحريتها وسيلة لحرية الوصول إليها، في الوقت الذي تخلى عن مناصرتها في قضاياها الإنسانية خاصة في العالم الإسلامي، إلا في مجالات الفحش وتغذية السعار الجنسي.

تاسعاً : الانتصار لحقوق المرأة كُل لا يتجزأ، فالانتصار لحقوقها المادية لا ينفصل عن وجوب الانتصار لحقوقها الإنسانية والمجتمعية، بل والأعظم من كل ذلك الانتصار لرفع المظالم عنها والاعتداء على أدنى حقوقها، والإرهاب الذي يُمارس عليها بكل صوره وأشكاله!!

أليست البنات والنساء اللواتي يتم اعتقالهن وترويعهن بل والاعتداء على حرمتهن، وكذا من تُحرم من زوجها، ومن تُحرم من ابنها ومن تُحرم من خطيبها، ومن تُحرم من فلذات أكبادها بغير جرم اقترفوه أو ذنب ارتكبوه أولى بمشيخة الأزهر أن تقوم ولا تقعد، وأن تنهض ولا تُبطئ، وأن تصرخ ولا تسكت، وأن تنادى في العالمين: أن أغيثوا ياعباد الله المرأة المسلمة، وأن ارفعوا ياعباد الله سيف الظلم والانتهاك والحرمان عن بنات الأمة ونسائها، فهذا واجب الوقت، والقيام به حسبة لله شرف الدهر، والنكوص عن نُصرة هؤلاء المستضعفين مُؤذن بخراب الدور، وهلاك الحرث والنسل.

 وأخيراً

فإن الأمة مهددة في ثوابتها، وإن فتح أبواب الفتن باسم التجديد غير المنضبط، أو التيسير غير المشروع، جريمة تفتن الناس في عقائدها، وعباداتها، ومعاملاتها، وإنه لا توجد فلسفة وضعية أو رسالة سماوية، أو منظومة دولية، ضبطت الحقوق وحفظت الحدود، وكرمت المرأة أياً كان وضعها، مثلما كرمها الإسلام، وأعلى مقامها القران، ووصى بها في آخر أنفاسه نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، فاحذروا من شياطين الإنس والجن يُوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا





التالي
الاتحاد يدعو الأمة الإسلامية بكل مكوناتها، وأحرار العالم أجمع للمشاركة في أسبوع القدس العالمية
السابق
على هامش زيارة باكستان.. رئيس الشؤون الدينية التركي يلتقي برئيس الوزراء ومسؤولي المؤسسات السياسية والدينية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع