البحث

التفاصيل

تكريم الإسلام للعلم والعلماء

تكريم الإسلام للعلم والعلماء

أ.د. يوسف القرضاوي

كما حرر الإسلام العقل من كل القيود التي يفرضها الناس عليه، وكما يحثّ العقل على النظر في الكون كله: في الآفاق وفى الأنفس، في العالم العلوي والسفلى؛ ليصل إلى ما يستطيع البشر أن يصلوا إليه بما لديهم من وسائل وطاقات؛ فإنّه يرفع قدر العلم والعلماء، ويأمر بطلب العلم من مَظانّه، وأخذه من أهله، والسعي إليه، والرحلة في طلبه، والتأدب مع من يأخذه منه، تأدّبَ التلميذ المهذّب مع أستاذه المعلِّم، وقد قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} (آل عمران: 18).

فانظر كيف بدأ سبحانه بشهادته هو، ثم ثنّى بالملائكة، ثم ثلّث بأولي العلم، قال الغزالي: "وناهيك بهذا شرفًا وفضلًا، وجلاءً ونبلًا، وقد ذكر جملة من النصوص في كتاب العلم من "الإحياء"، الذي اعتبره أول كتاب من كتبه الأربعين، من ذلك: قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة، ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام.

وقال عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9)، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28)، وقال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} (الرعد: 43)، وقال تعالى: {قَالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ} (النمل: 40)، تنبيهًا على أنّه اقتدر بقوة العلم.

وقال عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} (القصص: 80)، بيّن أنّ عِظم قدْر الآخرة يُعلَّم بالعلم، وقال تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت: 43)، وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء: 83)، ردّ حُكمه في الوقائع إلى استنباطهم، وألحق رُتبتهم برتبة الأنبياء في كشف حكم الله.

وقيل في قوله تعالى: {يَا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (الأعراف: 26)، يعني: العلم، و"ريشا" يعني: اليقين، "ولباس التقوى" يعني: الحياء. وقال عز وجل: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ} (الأعراف: 52)، وقال تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} (الأعراف: 7)، وقال عز وجل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (العنكبوت: 49)، وقال تعالى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (الرحمن: 3-4)، وإنما ذكر ذلك في معرض الامتنان (1)

وأما الأخبار، فقد ذكر الغزالي هنا جملة كبيرة من الأحاديث النبوية، ولكن حينما خرجها الحافظ العراقي؛ وجدنا بعضها ضعيفًا، أو موضوعًا، أو لا أصل له؛ ولذلك نكتفي مما هو صحيح أو حسن منها، من ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يُردِ اللهُ به خيرًا يفقّهه في الدين"(2).

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر"(3). ومعلوم أنه لا رتبةَ فوق النبوّة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة.

وقال صلى الله عليه وسلم: "يستغفر للعالم ما في السموات والأرض"(4)، وأى منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السموات والأرض بالاستغفار له؟!

......

* من كتاب "موقف الإسلام من العقل والعلم" لفضيلة الشيخ.

(1) انظر: إحياء علوم الدين: (1/4، 5)، طبعة دار المعرفة لبنان.

(2) متفق عليه: رواه البخاري في العلم (71)، ومسلم في الكسوف (1037)، عن معاوية.

(3)  رواه أبو داود في العلم (3641)، والترمذي في العلم (2682)، وابن ماجه في المقدمة (223)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (182)، عن أبي الدرداء.

(4) رواه أحمد (21715)، وقال مخرجوه حسن لغيره، وابن ماجه في المقدمة (239)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (195) عن أبي الدرداء.





السابق
مرصد حقوقي: أكثر من نصف سكان غزة فقراء بفعل الحصار

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع