البحث

التفاصيل

الأسباب الداعية لأخذ الحداثيين بمنهج شاذ لفهم النصوص

الرابط المختصر :

المبحث الأول: الأسباب الداعية لأخذ الحداثيين بمنهج شاذ لفهم النصوص

الشيخ / خوالدية عاطف

هذا المبحث كالتوطئة لما بعده فهو معقود لبيان الأسباب التي من أجلها أخذ الحداثيون المعاصرون من أدعياء التجديد المتفلت، والاجتهاد المنضبط بمنهاج معتمد على معارف العصر وعلومه لفهم النصوص الإسلامية قرآنا وسنة فهما شاذا غربيا، لم يتقدمهم إليه أحد من سلف هذه الأمة ولا من خلفها الموثوق في علمهم.

المطلب الأول: تفصيل القول في الأسباب المؤدية إلى الفهم الجديد لنصوص الشرعية

المتأمل في هذه الأسباب يجدها كثيرة أهمها ثلاثة أسباب رئيسية:

  • أسباب تاريخية: الاستعمار، الاستلاب، التغريب والاستشراق.
  • أسباب شخصية: الدراسة في الغرب والابتعاث، والتثقيف الذاتي على كتب وثقافة الغرب.
  • ادعاء الاجتهاد والتصدر للإفتاء.

أولا: الأسباب التاريخية: الاستعمار والاستلاب والتغريب والاستشراق

وسنتحدث في هذه النقطة باختصار عن الأسباب التاريخية لأنها مهمة في فهم فكر الحداثيين وكيف نشأ.

لقد عرفت الأمة العربية الإسلامية في العصر الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر هجمات شرسة حاقدة استعمارية، طرقت أبواب العالم بأسره وحاولت مسخ الهوية وسلب الدين، عن طريق قوافل المستشرقين وقوافل المستلبين من أبناء المسلمين لإضعاف القيم الإسلامية وتمجيد القيم الغربية المسيحية.

ونجح الغرب في تقديم الأمة الإسلامية دينا مشوها وذلك عن طريق شرح تعاليم الإسلام ومبادئه شرحا يضعف في المسلم تمسكه بالإسلام، ويقوي في نفسه الشك في دينه ويجعله يعيش حياة الخوف تجاه ما يعتقد. 

ثانيا: أسباب شخصية: الدراسة في الغرب والابتعاث والتثقيف الذاتي على كتب وثقافة الغرب.

كانت البعثات العربية إلى الدول الغربية أحد الأسباب التي جعلت كثيرا من أبناء الإسلام، يطلعون على معارف الحضارة الغربية التي لم تكن معروفة في العالم الإسلامي في مطلع القرن العشرين، ولم تقصر الاستفادة من العلوم التجريبية فقط، بل تعدت إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية مما أثر في طرائق تفكير شريحة واسعة من هؤلاء المبتعثين، وجعل غالبيتهم تعتقد أنّ أوروبا هي عامل التحديث الأساسي.

وكان كثير من هؤلاء المبتعثين للمعاهد وجامعات الغرب مؤطرين علميا في رسائلهم وبحوثهم الجامعية لنيل الدكتوراه، من قبل مستشرقين أو متعصبين من أساتذة الفكر الغربي الذين يوعزون على أصحابها بضرورة القدح في الثوابت الإسلامية،كما أنهم يوجهون فكر أصحابها إلى نقاط سوداء في تاريخنا العريق.

وممن لم تتح لهم الفرصة للذهاب للغرب، تتلمذوا على كتب الحضارة الغربية التي دخلت إلى العالم العربي، حاملة معارف وثقافة العصر الحديث، فتأثر بها طائفة في المثقفين وبثوا سمومهم في المجتمع المسلم.

ثالثا: ادعاء الاجتهاد والتصدر للإفتاء والتوجيه التربوي والإداري:

كانت دعاوى الاجتهاد والتجديد من الأسباب الحاملة لكثير من مفكري العصر الحديث على سلوك شاذ وغريب لفهم الإسلام فهما يتواكب مع العلمانية والعصرنة، ورأوا بأن التقاليد والموروث الثقافي والحضاري للمسلمين والعرب يحتاج إلى تجديد وتغير، فلذلك جددوا في فهم النص الديني.

وصرنا في العصر الحديث في مواجهة أقسام ثلاثة:

قسم أول من الغلاة في التجديد: الذين يريدون أن ينسفوا كل قديم وإن كان هو أساس هوية المجتمع ومبرر وجوده وسر بقائه، وتجديد هؤلاء هو التغريب بعينه بل هو الإنسلاخ من الشريعة.

وقسم ثاني: من الذين يريدون أن يبقى كل قديم على قدمه مستدلين بالحكمة المأثورة ما ترك الأول للآخر شيئا... وليس في الإمكان أبدع مما كان، فهم يقفون في وجه أي تجديد في العلم والفكر والأدب والحياة وهذه الفئة تنقسم إلى قسمين:

  1. قسم ينتهي إلى تجميد الإسلام من منتسبي ومقلدي المذاهب المتعصبين لها الذين يرفضون أي خروج عليها، ولا يعترفون بحق الاجتهاد لفرد ولا جماعة في هذا العصر، إلا في إطار ما قررته مذاهبهم وحدها بل في حدود ما حرره المتأخرون من علماء المذهب وأفتوا به.
  2. قسم ينشق عن القسم الأول هم الظاهرية الجدد، أي الحرفين الذين يقفون جامدين عند ظواهر النصوص ويمنعون النظر إلى مقاصدها، ولا يفهمون الجزئيات في ضوء الكليات، ولا الثوابت من المتغيرات.

وقسم ثالث: بين هذين الصنفين... رفض جمود الأولين وجحود الآخرين، يلتمس الحكمة من أي وعاء خرجت ويقبل التجديد في ظل الأصالة الإسلامية.

 

المطلب الثاني: نتائج الأسباب الحاملة على الفهم الحداثي للنصوص الشرعية

لقد ساهمت هذه الأسباب السالفة الذكر باجتماعها أو بوجود واحد منها على انتشار ظاهرة الفهم الحداثي للنص الشرعي قرآنا كان أو سنّة، إلى بروز الفهم الحداثي بقوة وتبني متبعيه خطابا مغايرا للخطاب القديم (الكلاسيكي)، فظهرت قراءات ومفاهيم جديدة للنص الديني، ومن أهم ما نتج عن هذا الفهم الحداثي نتائج حتمية نلمسها في الواقع المعاش وسأذكر منها ما يلي:

  1. جرأة كثير من المفكرين الحداثيين على الكتاب والسنة تأويلا وتحريفا للكلم عن مواضعه:

ظهرت القراءة الجديدة أو القراءة المعاصرة أو القراءة المفتوحة أو الحرة كما يسميها الحداثيون - للأصلين الكتاب والسنة - وهذا الأمر جعل الكثير من المفكرين ينصبون أنفسهم مدافعين عن الشريعة، فاهمين لمقصودها عارفين بما يصلح لها حسب كل زمان ومكان، ولكن أنّى لهم فلقد حفظ القرآن والسنة من التحريف والتبديل بأن قيض الله له علماء عاملين عالمين مخلصين يفهمون مراد الله ومراد رسوله ويبلغونه للخلق وفق الفهم الحق.

  1. تكوين جيل من الباحثين من خريجي الجامعات العربية:

هذا الجيل مقطوع الصلة بقواعد وضوابط الفهم للقرآن والسنة، ولقد سهر تكوين هذا الجيل طائفة من المفكرين الحداثيين الذين مارسوا الإصلاح الحداثي الفكري وإضفاء الشرعية على الفهم الجديد لما سموه تراثاً لهذه الأمة (القرآن والسنة).

ولقد وجد هؤلاء المفكرين أتباع في كل عصر ومصر مصفقين ومهللين ومسبحين بحمدهم وبعلمهم، فاتبعوهم اتباع الأعمى لمن يقوده لأنهم تعمدوا إعماء البصيرة والبصر، ووصلوا إلى درجة عالية من العلم فأشرفوا على رسائلهم الجامعية الماجستير والدكتوراه، وبثوا فيهم السموم ووجهوا جهدهم إلى قضايا تخص النص القرآني والحديثي، فظهر أتباع محمد أركون في فرنسا وعبد المجيد الشرفي في تونس وحسن حنفي في مصر والجابري في المغرب وغيرهم كثير، لهم مراكز ومدارس وجامعات وملتقيات وندوات توحد رؤاهم وتجمع فكرهم.

فظهر جيل قليل الإطلاع على الإسلام وثقافته وعلومه وتاريخه في مقابلة سعة إطلاعه على ثقافة وحضارة وعلوم الغرب ومعارفه، وكيف يكلف هذا الجيل نفسه بالإطلاع على علوم الإسلام وثقافته وهم تربوا داخل ثقافات علمانية غربية، تبحث قضايا الوجود بمعزل عن الموجود الديني وقيمه.

  1. ترك الاعتماد على الضوابط المنهجية لفهم الكتاب والسنة والاعتماد على أعمال العقل والواقع:

فتح هذا الفكر لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله، وعن رسول الله من رسوله، بدون توسيط أحد من سلف ولاخلف، وأن أول ما يجب القيام به من أجل المراجعة المعمقة للقرآن الكريم والفهم له، هو إعادة قراءة الكتاب العزيز واستكشاف لأحكامه ولمحتواها التشريعي، حتى نتبيّن بالتدقيق ما جاء به القرآن الكريم ونميزه مما نسبه إليه المفسرون والفقهاء عبر العصور.  

وعدّت أغلب هذه الكتابات علاقتها بهذه الضوابط المنهجية علاقة تقديس، وتساءلت هذه الكتابات على لسان أصحابها قائلة: كيف يكون السبيل إلى التخلص من هذه الأسيجة التي تكبل المسلم؟ وكيف يمكن التحرر من وطأة الماضي وقيوده؟

وما الطريق إلى فكر إسلامي إبداعي يحقق الطموحات المشروعة إلى اتسام روحي وأخلاقي تفتقر إليه الحضارة الحديثة، المادية في جوهرها. 

 

([1]) محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالإستعمار الغربي، ص (52، 53)، بتصرف يسير.

([2]) هشام شرابي، المثقفون العرب والغرب، ص (1). وألبرت الحوراني، الفكر الغربي في عصر النهضة، ص (75)، بتصرف يسير.

([3]) محمد أركون: ولد عام 1928 م في الجزائر، تميّز فكر أركون بمحاولة عدم الفصل بين الحضارات الشرقية والغربية، وتميّزت كتاباته معظمها بنقد العقل الإسلامي، ومن بين مؤلفاته:" الفكر العربي" و"الإسلام: أصالة وممارسة" وتاريخية الفكر العربي الإسلامي أو نقد العقل الإسلامي" و"نزعة الأنسنة في الفكر العربي"  وغيرها كثير، توفي في 14 سبتمبر 2019 م عن عمر يناهز 81 عاماً ، ودفن في المغرب.

([4]) حسن حنفي: ولد عام 1935م، هو مفكر مصري، له عدد من المؤلفات في فكر الحضارة العربية الإسلامية، حاز على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وذلك برسالتين للدكتوراه، قام بترجمتهما إلى العربية ونشرهما في عام 2006 م تحت عنوان: "تأويل الظاهريات" و"ظاهريات التأويل"، عمل مستشاراً علمياً في جامعة الأمم المتحدة بطوكيو خلال الفترة من (1985-1987).

([5]) محمد عابد الجابري: من مواليد المغرب بالدار البيضاء سنة 1935 م، صحفي وفيلسوف وأستاذ جامعي وكاتب له عدة مؤلفات، حصل على جائزة بغداد للثقافة العربية سنة 1988 م، من بين مؤلفاته:"العقل السياسي العربي"و"الحداثة والتراث"و"بنية العقل العربي"وغيرها، توفي 3 ماي 2010.

([6]) الطيب تيزيني، النص القرآني أمام إشكاليات البنية والقراءة، ص (281).

([7]) الصادق بلعيد، القرآن والتشريع: قراءة جديدة في آيات الأحكام، ص (28).

([8]) عبد المجيد الشرفي، كتاب جدل الأصول والواقع لحمادي ذؤيب، ص (8، 9).


: الأوسمة



التالي
الحلقة الثالثة: "فطرية الحرية" - أ.د نورالدين الخادمي - فيديو
السابق
الشيخ محمد الصغير يطالب برفع الصوت لمواجهة ظاهرة الترويج للشذوذ الجنسي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع