البحث

التفاصيل

كيفية التجديد الحقيقي لمقاصد الشريعة:

كيفية التجديد الحقيقي لمقاصد الشريعة:

الشيخ/ خوالدية عاطف.  عضو الاتحاد

التجديد الذي نسعى إليه ونبحث عنه هو تجديد المصطلحات والمناهج والمسالك والمدارس والاستثمار والتفعيل والحقائق، وبهذه الأمور نستطيع أن نجعل لمقاصد الشريعة الرّيادة في كل العلوم الشرعية إذا كان علم أصول الفقه هو المهيمن على التأصيل الشرعي، والمساعد على فهم النصوص بداية من النظر إلى النص وانتهاءاً بفهمه وتنزيله على أرض الواقع، ليكون هذا الفهم صالحاً للعمل مقبولاً عند العلماء، فإن مقاصد الشريعة عند المرور على هذه المراحل فإنه يكون المنقذ الأول والأقوى لفهم النصوص فهماً حقيقياً، فهماً لا يعطل النص ولا يذهب بحقيقة وجوده ويبقي على قداسة النص عند التنزيل ومقبولاً للعمل به وتطبيقه عند التعويل.

ولعلّ هذه الخطوات أدمجها الأخضر الأخضري في كتبه ومحاضراته، ونادى بها بأعلى صوته كمنهج جديد يؤصل لعلم المقاصد ويؤسس لفهم رشيد مبني على رعاية المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها.

ومعظم المطالبات بتجديد المقاصد، مطالبات فلسفية لا ترقى إلى تجديد علمي مدروس، بل هو تجديد يدور في نطاق الهوية الإسلامية وحقوق الإنسان، بل التجديد الذي نسعى إليه تجديد يمزج بين الثوابت والمتغيرات، وتنزيل الأمور الحادثة على الأصول الكلية، والمصادر العامة، وتطبيق النصوص والمقاصد على الفروع والمسائل والوقائع إذا النصوص متناهية والوقائع والحوادث غير متناهية والمقاصد توابع للنصوص تدور في فلكها وتعكس مغزاها ومعناها بما يجاوز الألفاظ والمباني إلى الغايات والمعاني.

ولا يقتصر تجديد المقاصد على علم المقاصد بذاته، بل يمتد إلى الفقيه الذي يتعامل مع المقاصد، ويشترط به أن يكون عالماً بأسباب النزول والورود والعلة التي انبنى عليها النص لينفتح له الطريق لتوسيع مجال تطبيق النص، وتوسيع فهمه على غير الفهم المعهود الذي قيل في زمان معين ومكان معين لظروف خاصة، فالفقيه يستصحب الأصل ما لم يكن يصطدم بواقع جديد وزمان جديد وذهنية جديدة وتكنولوجيا عجيبة ساعدت على تغيير الزمان والمكان والعادات والأعراف والتقاليد، ليصوغ فهم وفقه جديد يصلح للزمان والمكان والأشخاص.

والشيء الذي تعاني منه الأمة اليوم من اقتتال داخلي وضعف خارجي، نتيجة عدم فهم مدلول النص والواقع واستنطاق النصوص وحملها على غير محملها الذي جاءت من أجله، فتأتي مقاصد الشريعة لتقول للمسلم تريّث في النظر إلى النص وفهمه قبل إخراج الحكم، فإن النص لم يتبدل ولم يتغير ولكن الواقع والملابسات والعادات والقوانين الدولية تغيرت وتسارعت حركة الحياة أضعاف مضاعفة، فلا يمكن أن نجمد على ما قاله الأولون، فقد عاشوا لزمانهم ومكانهم وأعرافهم، فلنعش نحن لزماننا ومكاننا وأعرافنا وعاداتنا، ولو أفتى الصحابة فتاوى في القرن الأول ثم نظروا في واقع الأمة اليوم، لبدّلوا ولأعادوا الفتوى وفق الزمان والواقع، فهذا الفهم يُستلهم من علم المقاصد الذي يقول للمكلف انظر إلى واقعك أولاً قبل النظر للنص، فالنص هو النص ولكن الواقع ليس كذلك، ولو بقي الحكم على ما كان عليه أولا للزم منه المشقة والضرر بالناس، وخالفت قواعد الشريعة المبنية على التخفيف ودفع الضرر والفساد، "فعلم مقاصد الشريعة هو عبارة عن الوقوف على المعاني والحكم الملحوظة لشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، وتدخل في ذلك أوصاف الشريعة وغاياتها العامة ...". 

"والقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها وصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة ومن صلاح في العقل والعمل...

قد يخطئ كثيراً من الناس في فهم المصلحة، فالمصلحة لا تعكس مجرد رغبات الناس، وأهواءهم الفردية وطموحاتهم الذاتية، بل تتمثل المصلحة الإسلامية في المحافظة على الأساسيات التي لا يمكن أن ينهض المجتمع الإنساني بغيرها.

 وقد تصورها قديما معظم علماء أصول الفقه في صورة المحافظة على الكليات الخمس المعروفة، وبكلام آخر تتمحور مقاصد الشريعة حول خدمة مصالح الناس، نعم لا شك في ذلك، لكن ليس بحسب ما يقصدونه فقط، وإنما بحسب ما يقصده

لا شك أن وضع الإسلام لمقياس تقاس به المصالح ضروري، لعدم الوقوع في فوضى المدلولات التي تدل عليها كلمة المصلحة، وعدم اعتبار هذه المقاييس الإسلامية هو الذي أوقع العالم اليوم في هذا الاصطدام الهائل من الميادين السياسية، سواء في الداخل أو الخارج، لأن مصالح أمة أو جماعة من الأمم أو الأفراد، كثيراً ما تتعارض مع مصالح غيرهم، وهو ما يؤدي إلى النزاع وتهديد العالم بحرب دائمة. 

 

 

([1]) محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص (ج3، ص165).

([2]) علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمه، ص (45، 46).

([3]) علال الفاسي، مرجع سابق، ص (193)، بتصرف يسير.





التالي
قطر.. القره داغي: أهنئ الفائزين في انتخابات مجلس الشورى وأعتبرها خطوة نحو بناء دولة الحكم الرشيد القائم على العدل والمساواة
السابق
ضرورة التغير النفسي لكل حركة ونهضة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع