البحث

التفاصيل

صون المبادئ والقيم من التحريف والتجريف

صون المبادئ والقيم من التحريف والتجريف

بقلم: د. عصام البشیر (نائب رئيس الاتحاد)

(1)

بعیدًا عن مهاترات السیاسة ووطأتها المستحکمة وصدوعها الراهنة أصوّب النظر إلی مدخل یستدعي میزان القیم التي یقوم علیها بناء الوطن في معالم هویته ومرتکزات مرجعیته وثوابت قیمه ومعاقد أمنه وسلم مجتمعه، حیث تتعرض هذه المبادئ لهزّات عنیفة تشکك في محکمات الشرع، وتنسف مسلّمات الدّين، وتهدم ثوابت القیم التي غدت کلأ مباحاً یرتع فیها کلُّ من هبّ ودرج من الناس.

 

إنّ من أعظم الخلل المنهجي هو ربط الدّين بفصیل من الناس أو طائفة من المجتمع جعلت منه شعارًا وآثارًا.. وتعاملت به کبوة وقیامًا.

 فالإسلام رسالة الله الخالدة أعظم من أن یستوعبها جُهد حرکة وأجلّ من أن یحتکرها حزب .. بل هي الرسالة التي امتدت طولاً حتی شملت آباد الزمن، وامتدت عرضًا حتی انتظمت آفاق الأمم، وامتدت عمقًا حتی استوعبت شؤون الدنیا الآخرة، والبشر في سیرهم وکدّهم في التعامل مع هذه الحقائق الرّبانیة یستقیمون ویتعثرون، بید أن فهمهم وممارستهم لیست حُجّة علی الدّين.

 

والواجب أن یحرص الأفراد والأسر والمجتمع علی الاعتصام بدینهم، والغیرة علی حرماته، والذود عن حماه بعیدًا عن هذا اللهث المحموم وراء الخیارات المجافیة للفطرة، والامتداد المنافي للقیم والفکر المتماهي مع المسالك الشائنة والمراتع الشائهة، ومن هذه الصدوع في اختلال المبادئ التحریف لحقائق الإسلام المستقرة وبنیاته الجلیة نذکر منها علی سبیل المثال:

  • التحريف الاول:- الخلط الشائه بین المراد الکوني والواقع بمشیئة الله مثل (الکفر) وبین المراد الشرعي القائم علی محبة الله ورضاه کما قال تعالی: {وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ...} (الزمر الآیة 7) أي یرضی لکم الشکر، وأعظمه ما کان علی نعمة الهدایة بالإیمان {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} (الحجرات الآیة 17) فکون الأمر یقع في حیاة البشر کفرًا ومعصیة بمشیئة الله الکونیة لا یستلزم الرضا به. فالمراد الشرعي یدور علی الرضا والمحبة.

 

  • التحریف الثاني:- الخلط بین التنوع الدّيني واقعًا وبین الإیمان به حقًّا وصدقًا، فأهل الکتاب وغیرهم من أهل الشرائع الأخری تحدد لهم دستور العلاقة القائم علی السلام والبر والقسط ماداموا مسالمین، بید أن هذا الأمر شيء وبین إیماننا بأن کمالات الکتب صدق بها القرآن وهیمن علیها {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (المائدة الآیة 48) کما أن کمالات الرسالات ختمت بالنبي الهادي، ومن هنا فقد جزم القرآن بکفر أهل الکتاب لکونهم لم یؤمنوا برسالة نبینا -صلی الله علیه وسلم- کما قال الله تعالی: {مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} (آل عمران 81) و{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (المائدة 72) و{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة 73) والواجب التفریق بین حسن التعایش وتعزیز المشترك وبذل الإحسان والمعروف ومجادلتهم بالتي هي أحسن، وبین اعتقادنا الجازم بأن الله قد أتم الدّين وأکمل النعمة ورضي لنا الإسلام دینًا، وقد قال النبي صلی الله علیه وسلم: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ". رواه مسلم.

إذا کان القرآن الکریم قد جعل رفع الأصوات فوق صوت النبي صلی الله علیه وسلم مؤذناً بحبوط الأعمال فکیف بخطاب رب العالمین - بذاته العلیة وأسمائه الحسنی وصفاته العلی -جل جلاله- (ولیس تعبیر الله ذاته)؟

  • التحریف الثالث: الذي یقوده من تمت تولیته شأن التربیة والتعلیم، ممن یفتقدون إلی الأهلیة الفکریة والأخلاقیة، ذلك أن الدّعوة (لتعلیم الناشئة الجنس والتعامل مع الأعضاء التناسلیة) إنما هي دعوة إلی مسخ القیم وفسخ الأخلاق وانحلال الأجیال؛ لأن الناشئة في تلك السن یحتاجون إلی غرس الإیمان المعزز للفطرة، والأخلاق التي تثمر الفضائل، والهدایة التي تصون الممارسة، والتربیة التي تغذي الروح، والأدب الذي یعمّر الوجدان، فکل مرحلة عمریة لها متطلباتها التي تناسبها من العلوم والمعارف والمهارات، ولیس هکذا تتبع الناعقین لدواعي الارتهان والتبعیة {وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَميلُوا مَيْلاً عَظيماً} (النساء الآیة 27). وقد عمّق هذا التجریف والتحریف ما قاده سلیل مدرسة الهالك  الموسوم بالقراي، الذي لا حظّ له من علم أو قیم یؤتمن بها علی أجیال المستقبل، فخاض بباطله تارات ومجالات یهدم في أصول الدّين وثوابت العقیدة ومحکمات الشرع وقواعد الأخلاق بکل جرأة ووقاحة، غیر عابئ بآثار هذا النهج المدمّر علی المجتمع، الأمر الذي ثارت له حفیظة الأغیار فنهض المجتمع بفاضل علمائه وجلیل خطبائه وجهود مؤسساته التي مثلها (مجمع الفقه الإسلامي)، وکریم أوفیائه الذین مثلتهم الطرق الصوفیة وأهل العرفان، وأنصار السنة وهیئة الأنصار والختمية والجماعات الدّينیة، وحکماء المجتمع وصلحائه، ورفعوا الصوت الجهیر العالي مصارحة ومناصحة حتی یرتد الباطل علی أعقابه، بید أن الأمر یأتي في سیاق مشروع کلي یضع تیار التغریب بدیلاً عما درج علیه أهل هذه البلاد بصفاء فطرتهم وعمیق إیمانهم وعظیم غیرتهم، فسنة التدافع قائمة تستدعي تناصر أهل الخیر وتآزرهم وتعزیز مشترکاتهم.

والله من وراء القصد وهو یهدي السبیل.

 


: الأوسمة



التالي
إنصاف المرأة من أهم مقاصد القرآن الكريم
السابق
في منهج الحكم على العلماء

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع