البحث

التفاصيل

عيــد الأضحـــى … وأيـــام التشـــريق

الرابط المختصر :

عيــد الأضحـــى … وأيـــام التشـــريق

بقلم الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة (عضو الاتحاد)

 

من فضــل الله سبحانه وتعالى على ضيوف الرحمن أن وفقهم للوقوف بعرفة داعين ربهم أن يتقبل حجهم، وأفاضوا إلى مزدلفة ذاكرين الله سبحانه وتعالى، ورموا جمرة العقبة، ونحروا هديهم، وحلقوا رؤوسهم، وطافوا بالبيت العتيق، كما في قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}(1).

 

ومن المعلوم أن الحجاج يمكثون بمنى أيام التشريق ليرموا الجمرات الصغرى والوسطى والكبرى اقتداء بسيدنا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام-، ثم يكون آخر عهدهم بالبيت طواف الوداع، لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالْبَيْتِ)(2)،

فالحاج – والحمد لله- في طاعة مستمرة لربه، حيث تنطلق الأصوات بالتلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

 

وفي هذه الأيام المباركة يتجلى الله على عباده ويَمُنُّ على ضيوفه الذين لبّوا دعوته، يمنُّ عليهم بالعفو والمغفرة والرضوان، ويقول لهم: “أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ، وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ”(3).

 

عيد التضحية والفداء

 

لقد شرع الله سبحانه وتعالى للمسلمين في كل عام عيدين عظيمين، عيد الفطر ويأتي بعد أداء المسلمين لعبادة الصيام، وعيد الأضحى ويأتي بعد أداء المسلمين لفريضة الحج، فأعيادنا والحمد لله تأتي بعد أدائنا للعبادات والطاعات، كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟، قَالُوا:كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) (4).

 

ومن المعلوم أن المسلمين يعيشون في هذه الأيام المباركة في ظلال عيد الأضحى المبارك، ومن فضائل هذا العيد ما شرعه الإسلام من نحر الأضاحي في أيام العيد، حيث نرى المسلمين في هذه الأيام يقومون بذبح الأضاحي اقتداء بسنة أبينا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – ولحديث رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – القائل: (ما عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أحَبَّ إلى اللهِ مِنْ إهْراقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيأْتِي يَوْمَ القِيامةِ بِقُرُونِها وأشْعارِها وأظْلافِها، وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللَّهِ بِمَكانٍ قَبْلَ أنْ يَقَعَ مِنَ الأرْضِ، فطِيبُوا بِها نَفْسًا) (5).

 

إن العيد في الإسلام يوم فرح وسرور، يحب الله فيه أن تظهر آثار نعمه على عباده، وفي العيد دعوة لصلة الأرحام كما جاء في قوله – صلى الله عليه وسلم-: (… وَمَن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فَليَصلْ رَحمه)(6)، ومن المعلوم أن صلة الأرحام في العيد واجبة، وصلة الرحم ليست قاصرة على الأقرباء الذين يصلونك ويزورونك، فهذه تُعدُّ مكافأة لهم على زياراتهم، ولكن الصلة الحقيقية الكاملة ينبغي أن تشمل جميع الأقرباء حتى القاطع منهم للحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: (لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)(7)، كما أنها دعوة لتأكيد أواصر المودة بين الجيران والأصدقاء، وضرورة التعالي على أسباب الحقد والشحناء لقوله – صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ تَعالى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ تَعالى خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ”.(8)، وفي يوم العيد يعطف الأغنياء على الأيتام والفقراء والمحتاجين، فتدخل البسمة والفرحة كل البيوت، وتظهر وحدة المسلمين وتكافلهم فهم كالجسد الواحد، فليس بينهم محزون ولا محروم في هذه الأيام المباركة.

 

وبهذه المناسبة فإننا نتقدم من أبناء شعبنا الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية بأصدق التهاني والتبريكات بحلول عيد الأضحى المبارك، سائلين المولى عز وجل أن يجعله عيد خير وبركة على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يأتي العيد القادم وقد جمع الله شملنا ووحد كلمتنا وألف بين قلوبنا، إنه سميع قريب، تقبل الله منا ومنكم الطاعات، وكل عام وأنتم بخير.

 

التكبير في العيدين

 

التكبير سُنَّة في العيدين، وهو في عيد الفطر من وقت الخروج للصلاة إلى أن يشرع الإمام في الخطبة لقوله عز وجل:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}(9).

 

وأما عيد الأضحى (النحر) فيكون التكبير من صبح يوم عرفة إلى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق رابع أيام العيد، لقوله تعالى:{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَات..}(10)، ولما روي عن جابر

– رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا صلَّى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه فيقول مكانكم، ويقول: الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.

 

صيغ التكبير

 

نذكر هنا جملة من صيغ التكبير ذكرها الأئمة – رضي الله عنهم أجمعين – منها:

 

* الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

* الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.

 

ومن المعلوم أن التكبير من أحب الكلام إلى الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ)(11).

 

أيام التشريق… أيام ذكر

 

أيام التشريق أيام طاعة لله سبحانه وتعالى، فهي أيام ذكر وشكر لله عز وجل، كما جاء في الحديث: ‏أن رسول الله- ‏صلى الله عليه وسلم- قال: (‏أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلهِ) (12)، كما ذكر الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العيدين، ‏‏باب التَّكْبيرِ أَيَّامَ مِنًى وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ: (وَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-  يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بمِنًى، فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبيرًا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا، وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ‏) (13).

 

ومن المعلوم أن التشريق هو تقديد اللحم بإلقائه في الشمس المشرقة، وقد جرت العادة بتشريق لحوم الأضاحي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فسميت هذه الأيام الثلاثة بـ”أيام التشريق”، وأيام التشريق هي الأيام المعدودات، أما الأيام المعلومات فهي أيام العشر من أول ذي الحجة، كما ذكره الإمام البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: (وقال ابن عباس  {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق).

 

فأيام التشريق يجتمع فيها للمسلمين نعيم أبدانهم بالطعام والشراب، ونعيم قلوبهم بذكر الله وشكره على نعمائه، فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

 

ولما كانت هذه الأيام هي آخر أيام يقضيها الحجاج في تلك الربوع الطاهرة حيث وفقهم الله لأداء مناسكهم، كما أن المسلمين من غير الحجاج قد تقربوا إلى الله تعالى بنحر الأضاحي بعد الأعمال الصالحة في الأيام العشر، كان ختام هذه المواسم الإيمانية ذكر الله تعالى وشكره من الحجاج وغيرهم، كما جاء في الحديث الشريف: (اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (14).

 

تقبل الله منا ومنكم الطاعات، وكل عام وأنتم بخير.

 

وصلى الله على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه أجمعين

 

الهوامش:

 

1-  سورة الحـج الآية (29)  

 

2- أخرجه مسلم

 

3- أخرجه البزار             

 

4- أخرجه أبو داود

 

5- أخرجه ابن ماجه والترمذي

 

         6- أخرجه البخاري         

 

        7- أخرجه البخاري            

 

        8- أخرجه الترمذي

 

        9- سورة البقرة الآية (185)         

 

       10- سورة البقرة الآية (203)

 

      11- أخرجه مسلم                

 

      12-  أخرجه مسلم    

 

       13- أخرجه البخاري                 

 

       14-  أخرجه أبو داود

 


: الأوسمة



التالي
هجرة المسلمين الثَّانية إلى الحبشة
السابق
من وحي العيد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع