البحث

التفاصيل

(كيف تنتصر أمة تقتل علمائها؟ )

*عودة إلى العودة*

 

(كيف تنتصر أمة تقتل علمائها؟ )

كنت كتبتُ من عدة أشهر مقالا عن الدكتور سلمان العودة سببه رؤيا منامية فجّرت لدي الشعور والمشاعر لأكتب عنه لما له من تأثير في واقع الأمة واليوم وعندما كنتُ في (أستوديو) قناة الخرطوم قبل بدء برنامجي الأسبوعي معا نرتقي استعملت بعجالة محرك البحث لأبحث عن بعض  المصطلحات العلمية فتفاجأت بخبر النيابة السعودية التي تطالب بقتل الدكتور العودة تعزيرا..

فكدت حينها أن ألغي البرنامج وأعود أدراجي..

يا الله ما الذي يجري؟

إلى أي حال وصلنا؟

كيف تنتصر أمة تدوس بأقدامها على علمائها؟

أحقا بدل أن ينعموا يسجنوا..

وبدل أن يبجلوا يقتلوا

وبدل أن يكرموا يعدموا؟

والله ما أهانت أمة علماءها إلا سلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب والتاريخ مليء بالشواهد والدروس والعبر فهذا

الصالح إسماعيل عندما والى الصليبين، وأعطاهم قلعة صفد، وما جاورها، وصيدا وما جاورها،  وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح ليضربوا به المسلمين. استنكر العزّ بن عبد السلام ذلك وصعد المنبر وخطب في الناس خطبة عصماء، وكان خطيبا مفوها يهز المنابر،  ويحرك المشاعر،  ويلهب الظمائر فأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة، وبحُرمة الصلح معهم، وقال في آخر خطبته: "اللهم أبرم أمرَ رشداً لهذه الأمة، يعزّ فيه أهل طاعتك، ويذلّ فيه أهل معصيتك" والناس يضجون بالتأمين والدعاء.، ثم نزل من المنبر دون الدّعاء للحاكم الصالح إسماعيل (كعادة خطباء الجمعة)، فاعتبر الملك ذلك عصياناً، فغضب عليه وقام بسجنه.

 قال: "افعلوا ما بدا لكم"، فأخذوه، وسجنوه في خيمة، فكان يقرأ فيها القرآن ويتعبد.

 

 وعقد الملك الصالح إسماعيل قد  اجتماعاً مع بعض وفود أعداء المسلمين، قريباً من سجن  العز بن عبد السلام، حيث يسمعون قراءته للقرآن، فقال: "هل تسمعون هذا الذي يقرأ؟" قالوا: "نعم" فقال متفاخراً: "هذا هو أكبر علماء المسلمين سجناه لأنه اعترض علينا في محالفتنا لكم، وتسليمنا لكم بعض الحصون، والقلاع، واتفاقنا معكم على قتال المصريين"، فقال له ملوك الأعداء: "لو كان عندنا رجل بهذاالإخلاص للأمة، وبهذه القوة، وبهذه الشجاعة لكنا نغسل رجليه، ولشربنا الماء الذي غسلنا به رجليه"، فأُصيب الملك بالخيبة والذُّل، وكانت بداية هزيمته وفشله، وجاءت جند المصريين، وانتصروا عليه وعلى من كانوا متحالفين معه، وأُفرج عن الإمام العز بن عبد السلام، وذهب إلى مصر.

هذا درس واحد من مئات الدروس وشاهد واحد من عشرات الشواهد التي لا بد أن نقف عندها ونأخذ منها الدروس والعبر..

وعجبي أيضا مما نشاهده ونراه في توتر العلاقات بين أمريكا وتركيا..بسبب رجل دين..

فأمريكا في صف، وأوربا في صف وقامت بينهم حروب اقتصادية ويكاد الأمر أن يصل إلى قطع كل العلاقات بسبب رجل دين بينما نحن العرب نسجنهم بل نريد أن نعدمهم..

الغرب يقدس رجال الدين ونحن ندوس عليهم..

أعرفتم الفرق ؟

بهذا سقطنا للحضيض..

المحكمة المصرية أعلنت أنها ستعدم صفوت حجازي..العالم الداعية المؤثر..

في اليوم الذي يليه مباشرة سمعت بالنيابة السعودية تطالب بإعدام الشيخ العودة..

لماذا يحاربون العلماء ويتجاهلون ظاهرة الإلحاد التي تفشت في مهبط الحرمين وبلاد الوحي..

والله لقد صدمت وأصابني الذهول وأنا أقرأ تقرير معهد جالوب الذي أعادت نشره صحيفة الواشنطن بوست الذي أكد فيه أن أعداد الملحدين في  السعودية تتنامى بشكل مخيف ومثلها مصر..

لماذا لا يوجهون سهامهم نحو أعداء الدين والملة وينتصرون للحق ويعلون رايته..؟

لماذا يطاردون ويحاصرون حملة الشريعة وأعلام الإسلام وهداة الركب ومصابيح الظلم؟

كيف انقلبت الأمور رأسا على عقب؟

اللهم إليك المشتكى..

*عودة إلى العودة*

لا أخفيكم سرا أني كلما قرأت عن الدكتور سلمان العودة أشعر بانتساب كبير إليه وتجرني الأقدار جرا لقراءة كتاباته وتقع عيني عليها دون إرادة مني كنت على سبيل المثال قبل ثلاثة أيام أبحث عن قصيدة جميلة لأكتب على منوالها قصيدة لأمي التي دام فراقي عنها أكثر من سنة فوقعت عيني على هذه القصيدة التي سرعان ما قرأت التوقيع عليها: إلى أمي الكريمة الغالية ولدكِ سلمان.

فكانت هذه المقطوعة الجميلة التي تفيض عذوبة وجمالا..

سهاد عيني يسير في محبتكم قد طالما دمعت شوقا لمراكِ

و خفق قلبي ما ينفك يحفزني إليك ما كان خفق القلب لولاك

لو اعترضت صلاتي لم يكن لمما فالله أردف نجواه بنجواكِ

يا بهجة العمر أنتِ البدر في أفق سبحان من بضروب الحسن حلاك

شوقي إليك تسابيح و أدعية وأدمع هي فيض من عطاياك

هيهات ينسى محب شاب مفرقه مرا تجرعته من طفلك الباكي

في كل رمشة طرف قصة طويت شهودها قلبك الحاني و عيناك 

في كل سن وليد بشريات رضى تجفو بها عن لذيذ النوم جنباك

في كل لثغة حرف في تلعثمها سر لطيف رواه الصامت الحاكي

في كل خطو أهازيج يضج بها من المباهج و الأحلام مغناك

في كل بسمة ثغر فرحة غمرت وليس يدرك ما تعنيه إلاك 

كفاك كانت سرير الطفل ما فتئت عن التحنن و التدليل كفاك

من ذا يكافئ آلاما يغالبها وميض روحك لو بالروح فداك!؟

من ذا يكافئ أحزانا يجاوبها سخي دمعك لو بالعين واراك

من ذا يكافئ أفراحا أطايبها تنمى إلى دوحة من عمرك الزاكي

جازاك ربي على الحسنى بعالية من الجنان ’وولدان’ و أملاك

إنها معلقة فريدة تاهت حسنا يصف فيها مشاعره نحو أمه ومصدر حنانه..

وفي كل بيت شعر منها أتخيله يخاطب أمه ويناجيها بهذه العبارات..

ثم بعد ذلك واصلت قراءة القصيدة فكأني بها تحكي واقعه اليوم وما أشبه الليلة بالبارحة..

فاسمعوه إذ يردد بصوت خفي ينبعث من حناياه يتسلل من السجن فيأخذ وقعه في القلوب:

 

صبرا جميلا كما يسلو رفيق أسى يقينه أن ما سلاه سلاكِ

تمضي الليالي بنا كل لغايته في صرفها يستوي المشكو و الشاكي

و منهج الحق مقرون بتضحية كالورد في الروض محفوف بأشواكِ

و الأمن وعد لمن ساروا على أمم لم يلبسوا فيه إيمانا بإشراكِ

والنصر آت لجند الله ما صبروا ولم يبالوا بهياب و شكاك

أماه حقك لا توفيه ملحمة تمدها بلطيف السحر ذكراك 

لولاك ما فاض شعري من مكامنه ولا تحركت الأشجان لولاكِ

سلم بنانك..وطاب جنانك..وعلت أمجادك..وذل حسادك..

أعود فأكتب عن العودة وما كنت أظن أني سأعود للكتابة عنه في هذا الظرف بالتحديد...

كنت آمل أن يخرج من السجن معززا مكرما فإذا بالأمر ينحو منحى آخر ويتهمونه بسبع وثلاثين تهمة كل واحدة أوهى من أختها..

وهذه التهم كخيوط بيت العنكبوت بل أوهى من خيوط العنكبوت...

فما هو مصدر فخر عنده وعند عقلاء المسلمين كيف يكون تهمة، وهل بمجرد أن يكون مساعدا للأمين العام لاتحاد علماء المسلمين يدخل ضمن قائمة الإرهاب؟

الدكتور سلمان العودة شيخ من شيوخ الإسلام وعلم من أعلام الأمة ومنبر من منابر الحق وجبل من جبال العلم تزينت الكتب بذكره، والمجالس بنشره، هو العالم المحدث والأديب الألمعي والخطيب المفوه  والحكيم المتزن والكاتب الحصيف..

شهد له بالعلم ابن جبرين ومحمد بن الحسن الددو والقرضاوي وكبار علماء العالم الإسلامي وزكوه وأثنوا عليه ثناء عاطرا..

خدم الإسلام وقدم للمسلمين علما جما عرفته المنابر بكلمته والمحابر بحجته.

وكيف يقتل تعزيرا ؟

أليس هذا يعد جريمة في حق العدالة أن يقتل شيخ لآرائه باسم  التعزير..

يقول صديقي إبراهيم الإبي

الذي يحضر الماجستير كاتبا رسالته الموسومة ب :

الإعدام تعزيرا في الفقه الإسلامي وقانون العقوبات اليمني "دراسة مقارنة"

(التعزير:حكم شرعي يستخدمه الحكام كشماعة في تصفية الخصوم والحفاظ على الكراسي  مستغلين للسطلة الممنوحة لهم من قبل الشرع في تقدير العقوبات على الجرائم الغير منصوص عليها دون الأخذ بالمعايير التي ذكرتها نصوص الشريعة والضوابط التي اشترطها فقهاء الأمة واقتضتها مبادئ العدالة عند إرادة إيقاع هذه العقوبة، ومما ساهم في هذا الاستبداد الإبهام والغموض والعبارات الفضفاضة المطاطة  المحتملة لأكثر من معنى في ألفاظ القانون ومواده التشريعية ...)

 

إن التضييق على العلماء واضطهادهم وتشديد الخناق عليهم عند جارتنا" السعودية"  أمر ينذر بالخطر ومالم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر سيأتي من يتسلط علينا ويسومنا سوء العذاب..وهو ما نعيشه في واقعنا المعاصر..

إننا في خطابنا لحكام السعودية نكتب آلامنا وقلوبنا تتقطر دما لأنهم من أبناء جلدتنا وحراس الحرمين وهو من قبيل الأطر على الحق وإلا لا خير فينا..

أيها الملوك والأمراء :

إن أمة تذل علماءها وتسجن عبادها وتمتهن خيرة أبنائها لا ترتفع بل تسقط ولا تتقدم بل تتأخر ولا تنتصر بل تهزم..

أيها الملوك والأمراء: ما هي إلا لحظات حتى يكون الوقوف أمام الله في عرصات القيامة بدون حرس أوقوة حتى الثياب ستجردون منها فما حالكم إن وقف خصمكم غدا خيرة الخلق عند الله؟

عامر الخميسي


: الأوسمة



التالي
معركة وادي المخازن.. يوم ارتفاع نجم الدولة السعدية ونصر المسلمين
السابق
لقد سألت عن عظيم لقد سألتَ عن عظيمٍ .

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع