البحث

التفاصيل

محمد إبراهيم كاظم

الرابط المختصر :

محمد إبراهيم كاظم

أول مدير لجامعة قطر

(حوالي 1346 - 1412هـ = 1928- 1992م)

المعلم الرائد التربوي محمد إبراهيم كاظم، من مواليد القاهرة 26/12/1928م، حصل على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة كنساس، وبدأ عمله محاضرًا في كلية المعلمين في القاهرة سنة 1957م، ومن ثَمَّ عمل محاضرًا في طرق تدريس العلوم بجامعة عين شمس، وقد شغل العديد من المناصب، منها: الملحق الثقافي لمصر في الفلبين، وعمل أستاذًا مشاركًا للتربية بجامعة بغداد، وهو مؤسس كلية التربية بجامعة الأزهر، وعميدها الأول، هو عميد كليتي التربية ثم جامعة قطر ورئيسها الأول، وفي عام 1986م انتقل الدكتور محمد للعمل في اليونسكو، فعمل مديرًا إقليميًّا لمكتب اليونسكو للتربية في العالم العربي، ثم منسقًا إقليميًّا للمنطقة العربية، ثم ممثلًا شخصيًّا لمدير عام اليونسكو في العالم العربي.

ونظرًا لكونه باحثا متميزا، ترأس العديد من مجالس البحث العلمي في الجامعات، وحصل على العديد من الجوائز التقديرية، وله أكثر من 100 بحث أكاديمي أو دراسة متنوعة في مجالات التعليم والتربية، والأصول الاجتماعية، والتكنولوجيا واستخداماتها، والسياسات العلمية والأكاديمية والتنظيمية.

تعرفي على الدكتور كاظم:

بعد انتهاء مناقشتي لرسالة الدكتوراه عن (الزكاة) من جامعة الأزهر، كان عليَّ أن أسعى لاستخراج ورقة من جامعة الأزهر بحصولي على الدكتوراه، فإن الشهادة الأصلية لا تستخرج إلا بعد مدة، وهذا جعلني أتردد على مدير الجامعة، وكان في حينها الأستاذ الدكتور بدوي عبد اللطيف، أستاذ التاريخ، الذي كان قد سمع عني، فاستقبلني بحفاوة، ورحَّب بي، وتحدثنا في أمور الجامعة، وآمال الناس فيها، وحدثته عن السنة التأهيلية وأهميتها في تكوين من يُنسَب إلى الأزهر، وما يجب أن يكون عليه، فقال لي: ليتك تكتب لي هذا الكلام، أو خلاصته في بضع صفحات، لأستفيد به، ففعلتُ ذلك، وذهبت إليه بعد يومين أو ثلاثة، فوجدتُ عنده أستاذًا قدَّم لي نفسه، وقال: أنا سآتي عندكم إلى قطر في العام القادم. قلت له: من حضرتك؟ قال: أنا الدكتور محمد إبراهيم كاظم، عميد تربية الأزهر، وقد اخترت عميدًا لكليتكم الناشئة. قلت له: أهلًا بك في قطر، وقد سمعتُ عنك قبل أن أراك.

وسرعان ما أَنِسَ كلانا بالآخر، كأنما تعارفنا من قديم، وقال لي: إذا لم يكن لديك مانع، فتعالَ نترافق في بعض المشاوير معًا. وركبت معه سيارته، وذهب بي إلى مكتبه في كلية التربية بجامعة الأزهر في مدينة نصر، وأخذ منه بعض الأوراق، ثم ذهبت معه لزيارة وزير الأزهر فضيلة الشيخ عبد العزيز عيسى، وكان الشيخ يعرفني، فرحَّب بي كثيرًا. بعد ذلك استأذنت من الدكتور كاظم في الانصراف، على أن نلتقي كلما سنحت الفرصة، لأحدثه عن قطر وأوضاعها، ليستكمل فكرته النظرية عنها.

وكان الذي رشح الدكتور كاظم لعمادة كلية التربية في قطر، أو قل: للكليتين، كلية البنين وكلية البنات، وكان الذي رشَّحه لذلك هو الدكتور كمال ناجي مدير المعارف في قطر، بناء على تزكية من الدكتور عبد العزيز كامل، الذي يعرفه معرفة جيدة.

وعملت مع دكتور كاظم في كلية التربية، فقد نصحني كثيرون أن أنتقل للعمل في الكلية الناشئة، ففي ذلك فرصة لتحسين وضعي المادي والأدبي، وبخاصة أن الكلية سيكون فيها قسم للدراسات الإسلامية، وكلمت الشيخ خليفة في الأمر، فأصدر قراره فورا بتعييني في الكلية رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بدرجة أستاذ مساعد (أستاذ مشارك في مصطلح بعض الجامعات)، هذا مع بقائي مديرًا للمعهد الديني- الذي كنت مديره منذ مجيئي إلى قطر- إلى جوار عملي الجديد، وكان رقم وظيفتي في الكلية هو (6) بعد التعاقد مع الدكتور كاظم وأربعة آخرين معه.

وبعد قدوم الدكتور كاظم إلى قطر عميدًا لكليتي التربية، وزوجته الدكتورة صفاء الأعسر أستاذة علم النفس، وكنت قريبا منه، وكان قريبا مني، ويحاول دائما أن يتعرف مني على الأوضاع في قطر، وكان يحب التحدث مع الطلاب والطالبات، ويتقرب من الجميع. وكان الطلاب في أول الأمر قليلين. ثم بعد أربع سنوات، أصدر الشيخ خليفة بن حمد أمير البلاد قانون جامعة قطر التي بدأت بأربع كليات وهي : كلية التربية، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، كلية العلوم، كلية الإنسانيات والعلوم الإجتماعية، وكان الدكتور كاظم هو المؤسس الأول لهذه الجامعة. وقد توليت عمادة كلية الشريعة. 

تنظيمه رحله لي إلى دول الشرق الأقصي:

ومما أذكره للدكتور كاظم أنه في أثناء إدارته لجامعة قطر، أراد أن ينظم لي رحلة إلى بلاد الشرق الأقصى، ألتقي فيها برجالات الإسلام، وبالجمعيات الدينية، والحركات الإسلامية، والجامعات المعتبرة، في كل من: ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة والفلبين وهونج كونج وكوريا واليابان.

وقد كتبت الجامعة إلى هذه البلدان كلها، وإلى أهم الشخصيات التي سألقاها، محددة بتواريخها، فكانت رحلة منظمة غاية في التنظيم. وكان لسكرتيرة د. كاظم السيدة (إيفون) دور أساسي في حسن ترتيبها، بالبرقيات المتتابعة، وبالاتصال الهاتفي عند اللزوم، ولم تكن الفاكسات قد ظهرت بعد، حتى انتظمت الرحلة من بدايتها إلى نهايتها بحمد الله. وكانت رحلة موفقة، فقد ذهبت إلى ماليزيا، ألقيت فيها عدة محاضرات، وزرنا فيها بعض الولايات، والتقيت لأول مرة أخانا أنور إبراهيم.

وذهبنا بعدها إلى إندونيسيا، ونزلنا في مطار جاكرتا، ووجدنا من ينتظرنا في المطار، وكان هذا من ثمرات حسن تنظيم الرحلة: أننا نجد في كل مطار من ينتظرنا ومن حجز لنا في الفندق، ويسر لنا أمورنا، وهذا من فضل الله، ومن بركات الترتيب والإعداد الجيد.

وكان أهم من لقيناه: الدكتور محمد ناصر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، في أندونيسيا، وقد أعد لي برنامجا حافلا لزيارة الجامعات والمدارس الإسلامية، ومراكز النشاط الإسلامي المختلفة، (فزرنا جامعة ابن خلدون)، وزرنا المدرسة الشافعية، والمدرسة الطاهرية، وزرنا مجلس العلماء. وغادرنا إندونيسيا إلى سنغافورة، ثم الفلبين، ثم اليابان، ثم كوريا الجنوبية، ثم كانت هونج كونج المحطة الأخيرة.

سعيه في أن أحصل على درجة الأستاذية:

بعد سنتين في الكلية أحسست بفارق الدرجات في الكادر الجامعي، فدرجة المدرس غير درجة الأستاذ المساعد، وهي غير درجة الأستاذ، لا في الناحية المادية فقط، ولكن في القيمة الأدبية. وكلمت الدكتور كاظما في ذلك، وقلت له: إن الجامعات السعودية تعطي الدرجات بالأهلية والشهرة العلمية، وليس بالشهادات ولا بالأقدمية، لما للشخص من تميز وعطاء علمي، وإذا كانوا في الجامعة محتاجين إلى أبحاث للترقية، فعندي أبحاث جاهزة، وأكثر من المطلوب.

وتجاوب معي الدكتور كاظم، وقال: نزور معا الشيخ قاسم بن حمد وزير التربية، ونكلِّمه في هذا الأمر، فكانت استجابة الرجل أسرع مما توقعنا، وقال له: يا دكتور، الشيخ يوسف عندنا شيخ الأساتذة! وما هي إلا أيام حتى صدر القرار من الشيخ خليفة بن حمد أمير البلاد بتعييني في درجة أستاذ.

ثم اتسعت الجامعة الناشئة إلى عدة كليات، وأصبح دكتور كاظم مديرها، وأصبحت عميد كلية الشريعة.

حسن اختياره للرجال:

كان الدكتور كاظم عميد الكلية- أو قل: عميد الكليتين- يحسن اختيار الرجال، فاختار عددًا من الأساتذة الأقوياء الأمناء في التخصصات العلمية والأدبية، مثل الدكتور محمد فتحي سعود في الأحياء، والدكتور كمال البتانوني في النبات، والدكتور حسين أبو ليلة في الفيزياء، والدكتور عمر عبد الرحمن في الكيمياء، والدكتور ماهر حسن فهمي، والدكتور عبد العزيز مطر في اللغة العربية، وغير هؤلاء ممن قامت على كواهلهم جامعة قطر.

موقف طريف:

من الطرائف التي أذكرها للدكتور إبراهيم كاظم أيام عمادته لكلية التربية: أنه كان يقول في اجتماعاته مع الأساتذة: إن الامتحان لا يخصص له وقت معين، إنما يكون في المحاضرة الأخيرة؛ يقصد في وقت المحاضرة الأخيرة. لكن زميلي في قسم الدراسات الإسلامية الدكتور أحمد سُكَّر فهم أن الامتحان في آخر محاضرة فقط؛ يعني أن الطلبة لا يمتحنون ولا يسألون في كل ما أخذوه مدة الفصل الدراسي، ولكن في المحاضرة الأخيرة، وأبلغ الطلبة ذلك، ووضع الأسئلة على هذا الأساس، وأخذ جميع الطلبة درجة "أ" أي امتياز!!

مؤتمر (الحضارة العربية بين الأصالة والتجديد):

ومن الطرائف التي أذكرها أيضا له: أنه قد دعت الجامعة اللبنانية في بيروت إلى مؤتمر كبير، يدور حول موضوع أساسي ومهم، هو: (الحضارة العربية بين الأصالة والتجديد)، وقد فوجئ الدكتور كاظم عميد الكلية بأني أعددت بحثا للمؤتمر، وكأنه أحرج بأنه لم يرشحني، فقلت له: لا عليك، فإني أستطيع أن أذهب على حسابي. قال: بل تذهب على حساب الجامعة، ويذهب د. ماهر على حساب الدولة. وسافرت أنا والدكتور ماهر، وحضرنا المؤتمر الذي استمر عدة أيام، ثم عدنا إلى الدوحة، وإن كنت لم أحصل من الجامعة على ثمن التذكرة، كما وعد د. كاظم، ولكن ما كسبته من المؤتمر كان أغلى وأعظم من ذلك.

د. كاظم ومعرفته بالرجال وبالمجتمع : 

كان الدكتور كاظم حسن الصلة بالناس، ويعرف أقدار الرجال، العالم يعرف علمه، والمالي يعرف ماله، والرئيس يعرف رئاسته، ويعطي لكل واحد منهم ما يستحقه.

وقد حاول أن يعرف معادن الناس في قطر ما أمكنه، وأن يعامل الجميع بما يستحقون، ومنهم الشباب القطري الناهض، الذي تخرج في الجامعات الأمريكية والأوربية، وأحيانا العربية، وفتح لهم الأبواب، ووضع أمامهم الآمال، ولم يقف ضد طموح طامح.

 هذا مع حرصه على أن يقدم الرجل الذين تعرفهم، ويعرف مقدرتهم العلمية والعملية، مثل الدكتور جابر عبد الحميد، الذي اختاره وكيلا للجامعة، ومثل د. خيري كاظم أستاذ التربية المخضرم والمعروف للدارسين، الذي كلفه بعمادة كلية التربية.

ومعرفة بالإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود، ودعوته لزيارة كلية التربية، وماضرة الأساتذة والطلاب والطالبات في الجامعة، ومعرفته بالكثيرين من الأساتذة والمفكرين المتخصصين في جميع العلوم العربية والغربية، ودعوة كثير من هؤلاء إلى قطر للإسهام في موسم محاضراتها.

وقد ظل يعمل د. كاظم في هذا الجو المعبا بالنسائم والعطور،  وتغريدات الطيور، حتى رأى بثاقب فكره، وبعد نظره: أن يودع هو جامعة قطر، قبل أن تودعه هي، وأن يسافر منها، وهي تحضنه وتعانقه، وتمتدحه في كافة كلياتها، فقرر أن يستجيب لما كان معروضًا عليه من الأمم المتحدة، ومن مجالسها العليا.

وقد قررت الجامعة بكل كلياتها وإداراتها إقامة احتفالات مناسبة بتكريم الدكتور كاظم، وتقديم  الهدايا الملائمة له، وعمل ولائم كاظمية بهذه المناسبات الرائعة. وودعناه والحمد لله، خير ما يودع الصديق صديقه. 

ونحن نقول ما قال الشاعر : 

ولست أقول: صديقي الوداع ولكن أقول: إلى الملتقى

مؤلفاته: 

وضع د. كاظم أكثر من 100 دراسة متنوعة في مجالات التعليم والتربية والأصول الاجتماعية والتكنولوجيا واستخداماتها والسياسات العلمية والأكاديمية والتنظيمية، من هذه الدراسات والمؤلفات: (العقوبات المدرسية: بحث ميداني). و(تطورات في قيم الطلبة). و(اتجاهات في التعليم الشعبي). و(مرشد تمرين المدرس). و(اعتبارات في سياسات قبول طلاب الجامعات في دول الخليج العربي في ضوء سياسات التنمية) بالاشتراك مع نبيل أحمد صبيح. و(دراسات في التربية الإسلامية وأصولها: النظرية والفلسفية). و(اعتبارات ومعالم برنامج لمسيرة التعليم في مصر) دراسة.


: الأوسمة



التالي
ابن عثيمين… وآثام علماء الأمة وفقهاء
السابق
معهد الفكر الإسلامي يُدين ممارسات السلطات السعودية بحق علماء العالم الإسلامي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع