البحث

التفاصيل

كتاب : فقه الجهاد الحلقة [ 49 ] : الباب الخامس : منزلة الجهاد ،وخطر القعود عنه، وإعداد الأمة له الفصل الرابع : استمرار الجهاد ونحلة القاديانية

 

• سياسة تجفيف المنابع :

ومما يجب التنبُّه له، والحذر والتحذير منه: ما يحاوله أعداء أمتنا: من تضليلها عن وِجهتها، وتثبيطها عن الجهاد، وإشاعة روح الهزيمة وروح القعود فيها، بوسائل مختلفة، وأساليب شتَّى، كلُّها تصبُّ في تخذيلها، وإماتة روح الجهاد فيها، لتستسلم لهم، وتقعد عن مقاومتهم، وتطهير أرضها من رجسهم، وتحرير رقبتها من نِيرهم. وأدهى من ذلك وأمر: أن يصدِّقها بعض أبنائها والمنتسبين إليها، ويسيروا في ركابها، ويعملوا جاهدين لتحقيق أهدافها، من حيث يشعرون أو لا يشعرون!

ومن أهم هذه الوسائل والأساليب: ما سمَّوه سياسة (تجفيف المنابع)، ويعنون بها: مصادر التوجيه والتثقيف والتعليم للأمة، عن طريق مؤسسات التربية والتعليم، وعن طريق وسائل الثقافة والإعلام، بتفريغها من كلِّ معاني (الجهاد)، وما يشير إليه من قريب أو بعيد، وما يؤدِّي إليه أو ما يتَّصل به بنسب من العقائد والأخلاق والآداب والأحكام، أو من التاريخ ووقائعه.

ولهذا يعملون بجدٍّ ليفرِّغوا المناهج التربوية والإعلامية من آيات الجهاد، وأحاديث الجهاد، ومن غزوات الرسول، ومن معارك الفتح الإسلامي، ومن الحديث عن أمثال خالد بن الوليد، وأبي عبيدة، وطارق بن زياد، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي، وسيف الدين قطز، ومحمد الفاتح، والأمير عبد القادر، وعمر المختار وأمثالهم من أبطال الإسلام.

بل يفرِّغون المناهج من كلِّ ما يتَّصل بغرس عزَّة النفس المؤمنة، وقوَّة الشخصية المسلمة، والتمسُّك بالحقِّ، ومقاومة الباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغَيْرة على الحُرُمات، إلى آخر هذه الفضائل.

وقد ازداد هذا الأمر خطورة عندما أمست أمريكا اليوم تدسُّ أنفها في أخصِّ الشؤون الداخلية لأمة الإسلام، ومنها: التعليم والإعلام والثقافة، وتطلب بصراحة عجيبة: تغيير مناهج تعليم الدين، حتى تنسجم مع فلسفتها وحضارتها. وهذا ما طلبته من السعودية وباكستان ومصر وغيرها. إنها تطلب منا أن نربِّي أبناءنا كما تريد هي، لا كما نريد نحن.

• الحملة لمشبوهة على الجهاد واعتباره نوعا من الإرهاب :

ومن وسائلهم: الحملة المسمومة والمشبوهة على الجهاد الإسلامي، في لفظه ومعناه. واعتبار الجهاد المشروع بلا ريب ولا نزاع - لتحرير الأرض، ومقاومة المحتلِّ، ومقارعة الغاصب - نوعا من (الإرهاب) الذي يجب أن يجنَّد العالم كلُّه لحربه.

وهذا ما صنعته أمريكا وغيرها من القوى المعادية للإسلام، الخائفة منه، والكارهة له، والحاقدة عليه، والمتربِّصة به.

فهؤلاء يؤيِّدون الكِيان الصهيوني في قتل الولدان والنساء والشيوخ، وتدمير المنازل، وتحريق المزارع، وتخريب كلِّ عامر، واغتصاب الأرض بالجبروت، وإقامة المستوطنات عليها، وجلب المستوطنين لها من أنحاء الأرض، ويعتبرون ذلك حقًّا مشروعا لمدلَّلتهم (إسرائيل) على حين يعتبرون كل مقاومة فلسطينية إرهابا وعنفا وإفسادا وتخريبا.

ونتيجة للحملة التبشيرية (التنصيرية) والاستشراقية على الجهاد، والتخويف منه، حتى من (لفظة الجهاد) رأينا بعض مؤتمرات القمَّة الإسلامية توصي بحذف أو استبعاد كلمة (الجهاد) من قاموس السياسة في العالم الإسلامي.

ورأينا كثيرا من فصائل المقاومة الفلسطينية وغيرها، تستخدم مصطلحات أخرى غير الجهاد، مثل (النضال) أو (الكفاح المسلح) أو غيرها.

ولم تسمح أمريكا وحلفاؤها باستخدام كلمة (الجهاد) في الساحة الإسلامية، إلا عندما كانت هي في حاجة إلى ذلك، في حربها مع (الاتحاد السوفيتي) في أفغانستان، فلم تمنع من تعبئة الحشود، وتجنيد الجنود، وتجميع الجهود، تحت علم (الجهاد الإسلامي)، بل أيَّدت ذلك وآزرته. فلما تحقَّق هدفها، غيَّرت سياستها، وقلبت ظهر المجنِّ للمسلمين، وأصبح الذين كانوا بالأمس (مجاهدين) يسمَّون اليوم (إرهابيين) و(مجرمين)! وهم الذين قدموا لأمريكا خدمة مجانية، لم تكن تستطيع أن تحقِّقها بمئات المليارات من الدولارات، وهي إضعاف الاتحاد السوفيتي وزلزلة كِيانه، حتى انهزم، ثم انتهى إلى السقوط والزوال!!

• خلْق النِّحَل التي تُنكر الجهاد:

ومن أعظم ما لجأت إليه القوى الاستعمارية الصليبية المعادية للإسلام وأمته خلال القرن التاسع عشر: خلق (نِحَل زائفة) بين المسلمين، تشدُّ أزرها، وتسند ظهرها، تشقُّ صفوف المسلمين، وتثير الفتن بينهم، وتُروِّج معتقدات باطلة، وخصوصا ما كان منها يرفض فريضة الجهاد، ويقاومه باسم الدين نفسه حين تزعم: أن الجهاد كان مشروعا من قبل، ثم نسخ بظهور (النِّحلة الجديدة) ونبيها الجديد المزعوم!!

• القاديانية تبطل الجهاد وتوجب الطاعة للمستعمر:

وأبرز من يمثِّل ذلك: داعية (النِّحلة القاديانية) ومدَّعي (النبوة الجديدة)، المدعو (غلام أحمد) الذي كان أهمَّ ما جاء به في نِحلَته وديانته المُحدَثة المبتدعة أمران أساسيان:

.الطاعة للحكومة، ولو كانت أجنبية كافرة.

.إبطال الجهاد، وإسقاط فرضيته.

ومن الوضوح بمكان: أن هذين الأمرين يصبَّان في خدمة الاستعمار الإنجليزي، ونصرته؛ فطاعته مشروعة بل واجبة، ومقاومته ومجاهدته غير واجبة، بل غير مشروعة ولا مباحة أصلا. وبهذا يعيش الاستعمار في الهند وغيرها من بلاد المسلمين آمنا مطمئنا مستريح البال، ما دام يُطاع ولا يُجاهد.

• رسائل غلام أحمد في الطاعة للحكومة البريطانية وإسقاط الجهاد :

ورسائل (غلام أحمد) مؤسِّس النِّحلة القاديانية تفيض بالنصوص الغزيرة التي تتحدَّث عن كلا المبدأين السابقين.

يقول في أحدها: (لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها، فقد ألفتُ في منع الجهاد ووجوب طاعة ولي الأمر (الإنجليز) من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جُمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خِزانة! وقد نُشرت جميع هذه الكتب في البلاد العربية ومصر والشام وتركيا، وكان هدفي دائما أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة، وتُمحى من قلوبهم قصص المهدي السفاك، والمسيح السفاح، والأحكام التي تبعث فيهم (عاطفة الجهاد) وتفسد قلوب الحمقى)[1[

وإذا كان المسيح (سفاحا) فكيف ادَّعى بعد أنه (المسيح الموعود)؟!

ويقول في مقام آخر: (لقد نشرتُ خمسين ألف كتاب ورسالة وإعلان في هذه البلاد وفي البلاد الإسلامية، تفيد أن الحكومة الإنجليزية صاحبة الفضل والمنَّة على المسلمين! فيجب على كلِّ مسلم أن يطيع هذه الحكومة إطاعة صادقة. وقد ألفتُ هذه الكتب باللغات الأردية والعربية والفارسية، وأذعتُها في أقطار العالم الإسلامي، حتى وصلت وذاعت في البلدين المقدسين مكة والمدينة، وفي الآستانة، وبلاد الشام ومصر، وأفغانستان؛ وكان نتيجة ذلك أن أقلع ألوف من الناس عن (فكرة الجهاد)، التي كانت من وحي العلماء الجامدين، وهذه مأثرة أتباهى بها! يعجز المسلمون في الهند أن ينافسوني فيها)[2[

وقال في رسالة أخرى بكل تبجُّح وصفاقة: (لقد ظللتُ منذ حداثة سني - وقد ناهزتُ اليوم الستين - أجاهد بلساني وقلمي، لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية، والنصح لها، والعطف عليها، وأُلغي فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهَّالهم، والتي تمنعهم من الإخلاص لهذه الحكومة. وأرى أن كتاباتي قد أثَّرت في قلوب المسلمين، وأحدثت تحوُّلا في مئات الآلاف منهم)[3[

وكذب عدو الله، سيظل الجهاد باقيا ما بقي القرآن الكريم.

ويقول فضَّ الله فاه: (إن مذهبي وعقيدتي التي أكرِّرها: أن الإسلام جزءان: الجزء الأول: إطاعة الله. والثاني: إطاعة الحكومة التي بسطت الأمن، وآوتنا في ظلِّها من الظالمين، وهي الحكومة البريطانية)[4[

الحمد لله، هذا إسلام القادياني، وليس إسلام القرآن والسنة، ولا إسلام أمة محمد.

ويقول بصراحة عن الجهاد: (إن الله خفَّف شدَّة الجهاد - أي القتال في سبيل الله - بالتدريج، فكان يُقتل الأطفال في عهد موسى، وفي عهد محمد صلى الله عليه وسلم أُلغي قتل الأطفال والشيوخ والنسوة، ثم في عهدي أُلغي حكم الجهاد أصلا)[5[

ويقول في موضع آخر: (اليوم أُلغي حكم الجهاد بالسيف، ولا جهاد بعد هذا اليوم؛ فمَن يرفع بعد ذلك السلاح على الكفار، ويسمي نفسه غازيا يكون مخالفا لرسول الله الذي أعلن قبل ثلاثة عشر قرنا بإلغاء الجهاد في زمن المسيح الموعود؛ فأنا المسيح الموعود، ولا جهاد بعد ظهوري الآن، فنحن نرفع علم الصلح، وراية الأمان)[6[

وكذب القادياني في قوله: إن الرسول قبل ثلاثة عشر قرنا ألغى الجهاد في زمن نزول المسيح في آخر الزمان، وهذا عكس ما ورد من أحاديث صحاح: إن المسيح سيقتل الدجال، ويقاتل الكفار حتى يدخلوا في الإسلام. وقد ذكرنا من قبل عددا من الأحاديث الصحيحة التي تبنَّت استمرار الجهاد إلى يوم القيامة.

ويقول: (اتركوا الآن فكرة الجهاد؛ لأن القتال للدين قد حرُم، وجاء الإمام والمسيح، ونزل نور من السماء، فلا جهاد، بل الذي يجاهد في سبيل الله الآن، فهو عدو الله، ومنكر للنبي، الذي يعتقد هذا)[7[

ويقول: (إن هذه الفِرقة القاديانية لا تزال تجتهد ليلا ونهارا لقلع العقيدة النجسة - عقيدة الجهاد - من قلوب المسلمين)[8[

وقال: (إن الفِرقة الإسلامية التي قلَّدني الله إمامتها وسيادتها، تمتاز بأنها لا ترى الجهاد بالسيف ولا تنتظره، بل إن الفِرقة المباركة لا تستحلُّه سرًّا كان أو علانية، وتحرِّمه تحريما باتا)[9[

وهكذا نرى التناقض الصريح بين القادياني والقرآن. يقول تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة:216]، ويقول القادياني: حرِّم عليكم القتال، ولو كان للدفاع عن أوطانكم وحرماتكم. وكذلك التناقض الصريح بين القادياني والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فالرسول محمد يعتبر الجهاد ذروة سنام الإسلام، والقادياني يعتبر الإيمان به عقيدة نجسة!!

وقال: (قد كتبتُ مرارا: أن القرآن لا يعلم تعليم الجهاد أبدا، (يعني أنه مؤقَّت) بل كان هذا الحكم مختصًّا بالزمان، وما كان إلى الأبد. والإسلام بريء عن الأعمال التي ظهرت عن الملوك بعد زمان النبوة، بخطئهم الصريح، أو بأغراضهم النفسانية)[10[

هذه أباطيل القادياني الذي لم يخفِ عمالته للاستعمار البريطاني، وخدمته طول عمره له، وإخلاصه لتثبيت أركان حكمه، عن طريق المبدأين اللذين جاءت بهما نِحلته أو نبوته المزعومة لتضليل المسلمين، وتذليلهم ليكونوا طوع الاستعمار وهما:

1. طاعة الحكومة الكافرة المستعمرة والإخلاص لها.

2. إبطال فكرة الجهاد، والسعي لنزعها من قلوب المسلمين.

وقد زعم هذا المتنبئ الكذاب - الذي فاق كذبه كذب مسيلمة - أنه المسيح الموعود، بغير دليل ولا برهان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن قبل ثلاثة عشر قرنا بإلغاء الجهاد في زمن المسيح الموعود. وهذا كذب صُراح على رسول الله، الذي أعلن في أحاديثه الصحاح: أن المسيح سيحمل راية الجهاد، ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف، ولا يقبل الجزية من أحد، وأن الله تعالى سينصره، حتى لا يبقى على وجه الأرض إلا مسلم.

ولا ريب أن الإنجليز المستعمرين قد قرَّت أعينهم بكلام هذا (النبي المزيف)، الذي سخَّر نفسه وقلمه وطائفته لخدمتهم، وسوَّد ألوف الصفحات للتمكين لهم من رقاب المسلمين. ولا غرو أن وفَّروا له (الحماية) اللازمة لمثله، والتأييد المادي والمعنوي لتنفيق نِحلته، ونشرها على أوسع نطاق ممكن تحت أسنة رماح الاستعمار.

هذا وقد وقف علماء المسلمين في الهند الكبرى التي تتمثَّل اليوم في: الهند وباكستان وبنجلاديش جميعا، ضدَّ هذا القادياني المتنبئ الكذاب، وحكموا بكفره، وخروجه من المِلَّة، وأيَّدهم في ذلك علماء العرب والأتراك وغيرهم.

ولا نزاع في أن من ادَّعى النبوة بعد محمد، أو زعم أنه جاء بنسخ أحكام قطعية ثابتة من شريعته، مخالفا المعلوم من الدين بالضرورة، فقد مرق من الإسلام، كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة، فإذا فعل ذلك خدمة للاستعمار وأهدافه، فقد جمع إلى خيانة الدين: خيانة الوطن والأمة، وبذلك عُدَّ خائنا لله ولرسوله ولأمة الإسلام، عميلا للكفرة الظالمين المستعمرين.

• أدلة استمرار الجهاد إلى يوم القيامة:

ومن الضروري هنا: أن نبيِّن أن الجهاد فريضة مُحكمة باقية إلى يوم القيامة، غير قابلة للنسخ، فإن النسخ لا يكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ حكم ثبت بالقرآن والسنة فهو باقٍ إلى يوم القيامة.

ومن المتَّفق عليه بين جميع المسلمين: أن الأوامر والنواهي والأحكام الثابتة بالقرآن والسنة: ليس لها أمد محدَّد وتنتهي عنده، بل هي باقية إلى يوم القيامة، سواء في ذلك أحكام العبادات أم المعاملات، ومنها: ما يتعلَّق بالجهاد.

كل ما في الأمر: أن الوسائل قد تتغيَّر، والأساليب قد تتطوَّر، ولكن تبقى الفكرة الأساسية محفوظة مرعيَّة.

الفكرة الأساسية في الجهاد: أن تبقى الأمة قوية مرهوبة الجانب، بما تملك من قوة عسكرية مادية ملائمة لعصرها، وقوة بشرية مدرَّبة، رادعة قادرة على ردِّ العدوان، وتأديب المعتدين، وتأمين الحرية للدعوة، وإنقاذ المستضعفين في الأرض، وليس من الضروري أن تغزو خصومها ما لم يغزوها، إلا أن نتعرَّض لخطر منهم فنتوقاه قبل أن يحدث، إذا قامت عليه الدلائل.

فكرة الجهاد: تتمثَّل في إعداد القوة للأمة من كلِّ ناحية، وإعداد المقاتلين الأكفَاء المدرَّبين، والتهيُّؤ لخوض المعركة إذا وُجدت موجباتها عند سماع نداء الجهاد.

ولا يجوز للأمة بحال: أن تسترخي وتلقي سلاحها، وتستسلم للدَعَة والقعود، اتِّكالا على وجود هيئات دَوْلية، كهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن وغيرهما.

فقد ثبت أن الأقوياء هم الذين يحكمون العالم، وحتى مجلس الأمن فيه خمس دول تملك حق النقض (الفيتو)، أي الاعتراض على أي قرار، فيتعطَّل، وهو ما تفعله أمريكا باستمرار في أي قرار يدين إسرائيل.

• قانون التدافع بين الناس :

والقرآن يعلمنا أن قانون التدافع بين الناس - لتضارب مصالحهم واتجاهاتهم - هو من السُنن الإلهية الثابتة في الكون والاجتماع البشري، كما قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:251[

{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [الحج:40]، فهذه السنة الكونية الإلهية تفيد أن الحرب من طبيعة الاجتماع البشري، حتى قال مَن قال: الإنسان حيوان محارب. وما دامت الحرب ضرورة فلا بد من الاستعداد لها بالتسلُّح المناسب، حتى نرهب عدو الله وعدونا، ولا نغفل عن سلاحنا، فيتمكَّن منا عدونا: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء:102[

• الكفار لن يكفوا عن المسلمين :

كما أن القرآن يعلمنا أن الكفار لن يكفُّوا عنا أبدا، يقول تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217[

ويقول عزَّ وجلَّ: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33،32[

• بقاء الطائفة المنصورة :

ولا غرو أن بشَّرتنا الأحاديث النبوية الصحيحة بأن هناك طائفة يسمِّيها العلماء: (الطائفة المنصورة) ستظل قائمة على هذا الدين، مستمسكة بعروته الوثقى، مدافعة عن حِماه، مقاتلة في سبيله، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.

روى مسلم في صحيحه، عن جابر بن سَمُرَة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة"[11[

وروى مسلم أيضا، عن جابر بن عبد الله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحقِّ ظاهرين إلى يوم القيامة"[12[

وروى عن عُمَير بن هَانِئ قال: سمعتُ معاوية على المنبر يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس"[13] . وفي رواية عنه: "لا تزال عصابة من المسلمين، يقاتلون على الحقِّ، ظاهرين على مَن ناوأهم، إلى يوم القيامة"[14[

وروى مسلم أيضا عن عُقبة بن عامر: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرُّهم مَن خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك"[15[

وروى أحمد وأبو داود والحاكم، عن عِمران بن حُصَين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحقِّ، ظاهرين على مَن ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال"[16[

وروى أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، عن قرة بن إياس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرُّهم خُذلان مَن خذلهم، حتى تقوم الساعة"[17[

وقد صحَّ هذا الحديث بألفاظ مختلفة عن عدد آخر من الصحابة منهم: عمر بن الخطاب[18] ، والمغيرة بن شعبة[19] ، وثوبان[20] ، وأبو هريرة[21] ، وأبو أمامة الباهلي رضي الله عنهم جميعا.

• حديث أبي أمامة الباهلي في الطائفة المرابطة ببيت المقدس :

ولعل من الخير: أن نذكر هنا حديث أبي أمامة الباهلي الذي رواه عبد الله بن أحمد في المسند، قال: وجدتُه بخط أبي. ونصُّ الحديث: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرُّهم مَن خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك!". قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس"[22[

فهذه الطائفة المرابطة الصامدة، الجاهدة المجاهدة، التي وُصفت بأنها على الحقِّ ظاهرة، ولعدوها قاهرة، وأنها لا يضرُّها مَن خالفها ولا مَن خذلها، إلا ما أصابها من لأواء، أي من أذى وجراح في الطريق، حتى يأتي أمر الله أي حتى تقوم الساعة، وهم كذلك: ثابتون على العهد، صابرون في البأساء والضراء وحين البأس، وقد حدَّدت الأحاديث الشريفة مكانهم بالشام كما في حديث معاذ، وذكر في هذا الحديث حين سُئل عنهم بأنهم: "ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس".

إنها بشارة نبوية صدرت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا لإخواننا الأبطال من شعب فلسطين: إخوتنا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإخوتنا في (الجهاد الإسلامي)، وفي (كتائب الأقصى)، وغيرهم من فصائل الجهاد والمقاومة في فلسطين.

بل إن "أكناف بيت المقدس"، يمكن أن تتَّسع في رأيي، لتشمل كلَّ أعوان الجهاد في فلسطين من بلاد الشام ومن مصر والعراق، فكلُّ هؤلاء يمكن أن ينطبق عليهم: أنهم من "أكناف بيت المقدس".

• حديث "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة " ودلالته على استمرار الجهاد :

ومن الأدلَّة على أن الجهاد باقٍ ومستمر إلى قيام الساعة: ما رواه الشيخان، عن ابن عمر[23] وعُروة البَارِقِي من الصحابة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة"[24] ، وفي بعض الروايات: "الأجر والمغنم"[25] ، وهذا يدلُّ على أن المقصود بها: خيل الجهاد.

وهذه الأحاديث الصحاح تغنينا عن حديث أنس بن مالك عند أبي داود وفيه: "والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جَور جائر، وعدل عادل"[26] ، ففي إسناده ضعف، ولكن قد يُذكر استئناسا.


: الأوسمة



التالي
رواسي الأرض.. عظمة الخالق وقدرته في إعجاز الملحدين
السابق
كتاب : فقه الجهاد ..الحلقة [ 48 ] : الباب الخامس : منزلة الجهاد ،وخطر القعود عنه، وإعداد الأمة له الفصل الثالث : خطر القعود عن الجهاد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع