البحث

التفاصيل

النفاق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتَّبع هداه.

وبعد

معنى النفاق:

النفاق: أن يختلف سرُّ الإنسان عن علانيته، ويختلف قوله عن فعله، وتختلف أخلاقه عن دعاويه، ويختلف مدخله عن مخرجه. أن يكون له وجهان، وربَّما كان له أوجه عدَّة، يلقى هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه. وأن يكون له لسانان، وربَّما أكثر من لسانين، يتكلَّم مع هؤلاء بلسانٍ، فإذا خرج إلى خصومه كلَّمهم بلسان آخر، يمدح الشيء ويذمُّه، ويُطري الإنسان ويهجوه في الوقت نفسه، أمامه يتكلَّم بشيء، ووراءه يتكلَّم بشيء، النفاق ظاهرة مرضية من أخطر الأمراض.

أنواع النِّفاق:

والنفاق نوعان: نفاق أكبر، ونفاق أصغر.

النفاق الأكبر:

النفاق الأكبر: هو نفاق العقيدة، أن يُضمِر الإنسان في قلبه الكفر، فهو لا يؤمن بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشرِّه، ولكنَّه يتظاهر بالإسلام، كما كان المنافقون في عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، هم الذين قال الله تعالى فيهم: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8-10]، هذا هو النِّفاق الأكبر، نفاق العقيدة، وهؤلاء هم الذين جاء فيهم قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:145[.

هؤلاء هم أصحاب النفاق الأكبر، عبد الله بن أبي بن سلول ومَن معه، أولئك الذين كانوا يلقَون رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجه، ويلقَون أعداءه من اليهود والمشركين بوجه آخر، ويعتبرون ذلك من المهارة والشطارة، أنهم يضحكون على المسلمين، وهم الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14- 15[.

النفاق الأصغر:

النفاق الأكبر: هو نفاق العقيدة، ولكن هناك نفاق أصغر، هو نفاق العمل والسلوك، هذا النفاق الذي يظهر على الكثيرين من الناس، وجعل له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم علامات.

علامات النِّفاق العملي:

من آيات النِّفاق وعلاماته، أنَّه "إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"[1]، "وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"[2]، فهذه من خصال النفاق، مَن كان فيه شعبة منها كان فيه شعبة من النفاق حتى يَدَعَها، فهذا منافق كما صحَّ في الحديث: "وإن صام وصلَّى وزعم أنه مسلم"[3[.

النِّفاق الأصغر قد يؤدي إلى النفاق الأكبر:

هذا النفاق الأصغر قد يُؤدِّي إلى النفاق الأكبر، إذا استكثر الإنسان من خصال النفاق، وأصرَّ عليها، وأصبحت خُلُقًا له، وطابعًا لشخصه، فسرعان ما أدَّى هذا النفاق الأصغر إلى النفاق الأكبر، المعاصي تجرُّ إلى الكفر، الصغائر تدفع إلى الكبائر، والكبائر تُؤدِّي إلى الكفر، والعياذ بالله.

ومن هنا اهتمَّ القرآن واهتمَّت السنَّة بهذا الصنف من النَّاس، الذين هم أخطر شيءٍ على الشعوب والأمم، هم السوس الذي يَنخر في عظامها.

في مطالع سورة البقرة ذكر الله تعالى المؤمنين المتقين في أربع آيات، وذكر الكفَّار المشركين في آيتين، أما المنَّافقون فذكرهم في ثلاث عشرة آية، وذلك لأن الفتنة بهم جسيمة، والبليَّة بهم عظيمة.

المنافقون هم الطَّابور الخامس في الأُمة:

فهؤلاء أعداء من داخل الأمة، من داخل الأمة، هم الطابور الخامس، هم الذين يُؤخِّرون مسيرتها، هم الذين يوالون أعداءها، تصوَّر إنسانًا مسلمًا ومع هذا يوالي أعداء الله ورسوله والمؤمنين، ولاؤه ليس لله، ولكن لغير الله، هو مع منفعته، إذا كانت منفعته مع الكفَّار فهو معهم، مع الفجَّار فهو معهم، حيثما جاءه الكسب، فهو عبد الكسب، عبد الدِّينار والدِّرهم، عبد المنصب والجاه، هؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا* الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:138- 139], {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:10]، ولكنَّ هؤلاء يلتمسون العزَّة عند أهل الدنيا، عند غير الله عزَّ وجلَّ، فيتولَّون الكفَّار وأعداء الإسلام، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51[.

من علامات المنافقين:

  - التهرب من حكم الله.

من علامات هؤلاء: أنهم يتهرَّبون من حكم الله، ولا ينقادون لشرع الله، إلا إذا كان هذا الشرع مع هواهم ومصالحهم الخاصَّة، وما عدا ذلك يرفضونه ولا يقبلونه، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:60، 61]، فهم يتمسَّكون بالطاغوت، وكلُّ ما عدا الله ورسوله وشرعه طاغوت، وإذا دُعُوا إلى حكم الله ورسوله صدوا عنك صدودًا، وأعرضوا عنك إعراضًا، ما لم يكن في صالحهم، كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ، وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:47-51[

الفرق بين المؤمن والمنافق:

وهذا فرق ما بين الصنفين، المؤمنون إذا دُعُوا إلى الله ورسوله قالوا: سمعنا وأطعنا. والمنافقون إذا دُعُوا إلى الله ورسوله صدُّوا عنك صدودًا، هؤلاء هم المنافقون.

 - التذبذب والتلون:

إنهم مذبذبون لا يعلنون الكفر بصراحة، كما أعلنه أبو جهل، ولكنَّهم يتلوَّنون تلوُّن الحرباء، كما كان عبد الله بن أُبي، فهم يُمسكون العصا من الوسط، يُظهرون للمؤمنين الإيمان والمحبَّة والولاء، وإذا كانوا مع الكفار أظهروا لهم كذلك المحبَّة والولاء، ينتظرون نتيجة المعركة مع مَن تكون، وعلى مَن تدور الدائرة، ولمَن تكون الغلبة، فهم مع الغالب، يقفون بين بين، حتى إذا ظهرت النتيجة قالوا: إنَّا معكم، كما قال الله تعالى في وصفهم: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:142]، وصدق الله العظيم: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:143].

المنافق كالشاة الحائرة:

وكما صوَّرهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث: "مثل المنافق، كمثل الشَّاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرَّة وإلى هذه مرَّة"[4]، الشَّاة العائرة: المترددة الحائرة بين القطيعين، أحيانًا تكون مع هذا القطيع، وأحيانًا تكون مع هذا القطيع، هذا شأن هؤلاء.

 - ادعاء الإصلاح:

والغريب أنهم على فسادهم وضلالهم، كثيرًا ما يدَّعون الإصلاح، وما يدَّعون أنهم أصحاب مبدأ، وما يدَّعون أنهم مجدِّدون! والله تعالى يقول: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11-12[.

هؤلاء المرضي، هؤلاء المنافقون أخطر شيء على المجتمعات، هؤلاء الذين تُكذِّب أعمالهم أقوالهم، وتُكذِّب سرائرهم علانيتهم، وتُكذِّب أحوالهم دعاويهم، هؤلاء المنافقون هم الخطر على المجتمعات المسلمة.

أصناف المنافقين:

هؤلاء المنافقون تراهم في أصناف شتَّى من الناس:

1 - التزلُّف إلى الحكَّام والكبراء:

من هؤلاء مَن يتقرَّبون إلى الكبراء: الأمراء والحكَّام، ويحاولون أن يتسلَّلوا إلى هؤلاء؛ ليجعلوا من أنفسهم بطانة سوء، فتراهم في هذا المجلس، وذاك المجلس، وعند هذا الوجيه، ولدى ذلك الغني، كما وصفت هذا النوع الوصولي المنافق:

هيهات يخلو مجلس من وجهه

لينال من هذا ويُطري هذا!

ما كان يوم باذلاً أو معطيًا

ما عاش إلا سائلاً أخَّاذا!

صيَّاد منفعة يُخدِّر صيده

حتى يصوِّب سهمه النفاذا

يُزجي المديح بقدر ما يرجوه من

نيل المرجَّى، وابلاً ورذاذا

الهرَّ يمدحهُ فيغدو ضيغمًا

والأغبياء نوابغـًا أفذاذا

وترى الدعيَّ لديه حجة عصره

فاق ابن عباس وبزَّ معاذا

هو في ركابك ما ارتجاك، فإن

تُصب ولَّى مع المتسلِّلين لواذا

هؤلاء هم المنافقون، بأوجه متلوِّنة، وألسن متعدِّدة.

لا يستحي من موقف متناقض

وجهُ الصفيق يقاوم الفولاذا

هو في اليمين اليوم، في اليسرى غدا

عَجِل الجواب إذا سألت: لماذا[5]؟

اليوم يمينيٌّ إذا راج اليمين، ثم يكون يساريًّا إذا راج اليسار، يلبس لكلِّ حالة لَبُوسها، مستعدٌّ أن يُغَيِّر نفسه، وأن يُغيِّر جلده، في أقلِّ من أربعٍ وعشرين ساعة، ينام على فكرة، ثم يصحو في اليوم التَّالي على فكرةِ أخرى، يمدح ما كان يذمُّ، ويذمُّ ما كان يمدح، وينكر ما كان يعرف، ويعرف ما كان ينكر. هذا هو شأن المنافق والعياذ بالله.

 - المرائي بالأعمال:

من هؤلاء أيضًا: مَن تراه متعبِّدًا منافقًا، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، زيَّن ظاهره للخلق، ولم يُزيِّن باطنه للحقِّ، ظاهره عامر، وباطنه خراب، ظاهره (كفر)، وباطنه قبر، أو هو قبر مُزوَّق على جيفة منتنة، هذا الإنسان يتظاهر بالعبادة؛ ليراه الناس، ليقول الناس عنه: متعبِّد، فهو في الخلوة غيره في الجلوة، وفي السريرة غيره في العلانية، {يراءون النَّاس ولا يذكرون الله إلا قليلاً} [النساء:142].

وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن صلاتهم يومًا: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا"[6].

وقد يتظاهر بالخشوع، ولكنَّه خشوع البدن لا خشوع القلب، وذكر عن بعض الصحابة أنه كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من خشوع النفاق، قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يرى البدن خاشعا والقلب ليس بخاشع[7]. أن يُرَى البدن خاشعًا والقلب ليس بخاشع، فترى المتعبِّد المنافق.

وترى من هؤلاء أيضًا، العالم المنافق، الذي يتقرَّب إلى الناس بفتاوى يضلِّلهم بها عن دينهم، فإذا أرادوا شيئًا كان معه، إذا أراد السلطان شيئًا روَّجه، أيام الاشتراكية يؤيِّد الاشتراكية، فإذا ذهبت ريح الاشتراكية، هاجم الاشتراكية وأصدر فتاوى ضدَّها، إذا كانت السلطة ضدَّ الصلح مع إسرائيل، كان الصلح حرامًا ومنكرًا وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، فإذا أرادت السلطة الصلح قال: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال:61].

العالم المنافق يُفرِّخ الفتاوى حسب الطلب:

إنه مستعدٌّ أن يُفَرِّخَ الفتاوى حسب الطلب، اتِّباعًا لهوى السلاطين، وبعض هؤلاء لا يتَّبع هوى السلاطين، وإنما يتَّبع هوى جماهير الناس، ماذا يريد الناس، وماذا يَروج عندهم، حتى يُقال: إنه عالم متمكِّن متمسِّك متشدِّد محافظ. ولهذا يبحث عمَّا يَرُوجُ في سوق المزايدة، فإذا كان المجتمع الذي يعيش فيه متشدِّدًا شدَّد، وإذا كان المجتمع الذي يعيش فيه متساهلاً سهَّل، وإذا انتقل من بلد إلى بلد آخر غيَّر جلده.

جاء أحد الناس إلى هذا البلد، فوقف يهاجم الذين يُخرِجون صدقة الفطر نقودًا، الذين يُخرِجونها بالقيمة، وأن هذا باطل، وأن هذا ضدَّ السنَّة، فلما نزل من المنبر، قال له بعض الحاضرين: يا أخي، إنك تخالف علماء البلدة هنا، علماء البلدة هنا يُجيزون ذلك، على مذهب عمر بن عبد العزيز، وعلى مذهب أبي حنيفة، وعلى مذهب عدد من السلف، فلماذا تخالفهم؟ قال: إنَّهم يقولون ذلك؟ قالوا: نعم. قال: كنتُ أحسب أن هذا البلد مثل البلد الفلاني! وهكذا يُزايد في سوق المزايدة.

كما قيل لبعضهم نريد أن تشترك في ندوة في أمر تحديد النسل، قال: تريدون مؤيِّدًا أم معارضًا؟ هو جاهز بأدلَّة التأييد، وجاهز بأدلَّة المعارضة، هؤلاء علماء الدنيا، وهذا هو النفاق.


: الأوسمة



التالي
كتاب : فقه الجهاد الحلقة [ 42 ] : الباب الرابع : أهداف الجهاد (القتالي) في الإسلام الفصل الثالث : أهداف مرفوضة للجهاد في الإسلام (1 من 2)
السابق
كتاب : الحق المر - الحلقة [ 42 ] : الإيمان بالغيب والإيمان بالخرافة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع