البحث

التفاصيل

كتاب : فقه الجهاد الحلقة [ 38 ] : الباب الثالث : الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجوميين والدفاعيين)

الفصل الثاني عشر : أدلة القائلين بالجهاد الدفاعي
• مناقشة إجمالية لأدلة القائلين بالجهاد الهجومي :
لقد ناقشنا أدلَّة القائلين بالجهاد الهجومي، ودعاة الحرب على العالم كلِّ العالم، وفنَّدنا أدلَّتهم واحدا بعد الآخر، بالمنطق العلمي الرصين، وبالأدلَّة الشرعية الناصعة، المعتمدة على صريح كتاب الله، وعلى صحيح سنة رسول الله.
• إجمال أدلة القائلين بالجهاد الدفاعي :
وكان يكفينا سقوط هذه الأدلَّة، وظهور تهافتها ووهنها، ومع هذا سنورد هنا على وجه الإجمال: ما استدلَّ به خصوم الهجوميين، أو مَن يسمُّونهم (الدفاعيين) من أدلَّة واعتبارات شرعية، تؤيِّد موقفهم، وتدلُّ بوضوح على شرعيته، وقوَّة استناده إلى مصادر الإسلام، وأدلَّته الأصيلة. أجل، لقد استند القائلون بأن الإسلام سِلم لمَن سالمه، وحرب على مَن حاربه، وأنه لم يشرع قتال المسالمين، الذين مدُّوا أيديهم بطلب المصالحة أو المعاهدة، وألقوا إلى المسلمين السلم، وكفُّوا أيديهم عنهم، بجملة وافرة من الأدلة كذلك، نجملها فيما يلي:
1 - دعوة الإسلام إلى السلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]، وقد فُسِّر {السِّلْمِ} في الآية: بالموادعة وترك الحرب، كما فُسِّر بالإسلام وشرائعه كافَّة.
2- قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]، فشرع قتال مَن قاتلنا، ومفهومه عدم قتال مَن لم يقاتلنا، ونهى عن الاعتداء ومنه قتال مَن سالم.
3 - منعه - في سورة النساء - صراحة عن قتال مَن سالمنا، بقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء:90]، وفي مقابله قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:91[
4 - منع الإكراه في الدين بأي وجه من الوجوه ، وهو غني عن ذلك لوضوحه وفصاحته ، فقال تعالى إذ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256] وفي آية أخرى قال : { أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99[
5- أمره سبحانه بالجنوح للسلم - حتى بعد وقوع القتال - إذا جنح لها العدو، وإن كان يريد الخداع، قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال:63،62[
6- أمر الله تعالى لرسوله بالتولِّي والإعراض عن المشركين إذا لم يستجيبوا لدعوته، ولم يُؤمر بقتالهم، ففي سورة التوبة: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [الآية:129]، وفي سورة آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]. وقد تكرَّر هذا المعنى كثيرا في سور القرآن مكيِّه ومدنيِّه.
7- وضع دستور المسالمة والمحاربة في آيتين من سورة الممتحنة: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:9،8].
8- حديث الرسول المتفق عليه: "لا تتمنَّوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية ..." [1[
9- حديث الرسول الذي حسَّنه قوم وصحَّحه آخرون: "اتركوا الترك ما تركوكم، ودَعُوا الحبشة ما وَدَعُوكم" [2]. والترك كانوا وثنيين، والحبشة كانوا نصارى.
10- قراءة صحيحة للسيرة النبوية ولغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يكن هو البادئ بالهجوم أبدا لمَن سالموه، وكفُّوا أيديهم عنه، وألقَوا إليه السلم. بل المشركون هم الذين هاجموا الرسول صلى الله عليه وسلم، في بلده أكثر من مرَّة.
وقد نقلنا عن الإمامين: ابن تيمية وابن القيم ما يؤكِّد هذا المعنى مقرونا بالأدلَّة الموثَّقة ، أنه لم يبدأ أحدا قط بقتال ، لم يبدأه هو ، وأنه كان يسالم من سالمه ، ولا يقاتل إلا من قاتله.
11- قراءة صحيحة لفتوحات المسلمين: أنها كانت ردًّا لعدوان، أو منعا لفتنة المؤمنين. أو كانت (عمليات وقائية) بالنسبة للمسلمين، أو تحريرا لشعوب مستضعفة من ظالميهم.
12- بيان أن عِلَّة القتال هي: الاعتداء والحِراب والفتنة في الدين. وليست مجرَّد الكفر، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6[
13- فلسفة الإسلام في كسب الناس بالسلم، والدعوة بالحُجَّة والإقناع، والأسوة الحسنة. وبهذا انتشر الإسلام، لا بالسيف كما يزعم الأفَّاكون. وهناك مئات الملايين في بلاد شتى من دار الإسلام ، لم يدخلها جيش وإنما أسلمت بتأثير التجار والصوفية وغيرهم .
وكلُّ هذه الأدلَّة الإيجابية قد اتَّضحت تماما عند ردِّنا على أدلَّة دعاة الحرب على العالم. فلا داعي لأن نطيل في التفصيل مرة أخرى. وقد حصحص الحقُّ، وانكشف الباطل.


: الأوسمة



التالي
أثر فتح القسطنطينيَّة على العالم الأوربيِّ والإسلاميِّ
السابق
ه داغي يشارك المؤتمر العالمي لكلية الدراسات الإسلامية ومركز قطر للمال حول الأوقاف

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع