البحث

التفاصيل

كتاب : فقه الجهاد - تأليف الحلقة [ 32 ] : الباب الثالث : الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجوميين والدفاعيين)

الرابط المختصر :

الفصل السابع : غزوات الرسول كانت كلها مبادأة بالهجوم (1 من 2)

• زعم الهجوميين أن غزوات الرسول كانت هجومية:

ومما استدلَّ به (الهجوميون) على دعواهم في وجوب قتال العالم: ما زعموه: أن الرسول في أكثر غزواته كان هو البادئ بالهجوم، والطالب للعدو، الغازي له في عقر داره.

وهي دعوى مبنيَّة على قصر النظر، ونقص العلم ، وضيق الأفق، في تقويم أحداث السيرة، والنظر إليها من الزاوية القريبة، دون النظر إلى جميع الزوايا والأبعاد، وعدم استيعاب ما ورد في أسباب الغزوات وملابساتها استيعابا يضيء السبيل للباحث الذي ينشُد الحق، وليس المتعصِّب لرأي كونه، ولا يريد أن يتزحزح عنه.

لا شكَّ أن من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، ما لا يُشكُّ في أنه كان هجوما من المشركين على المسلمين، كما في غزوتيْ أُحد والخندق، وبعضها ما قد يحسب أنه ابتداء من المسلمين وهو عند التأمُّل دفاع أو وقاية.

وسنعرِض نموذجين لمَن استدلُّوا بالغزوات على طبيعة الهجوم في الجهاد الإسلامي، ونكتفي في الردِّ عليهما بكلام موجز من إمامين كبيرين من أئمتنا السابقين، ومن المحيطين بالعلوم الإسلامية، ولهما مكانتهما الكبيرة عند الأمة، وعند هؤلاء الهجوميين خاصة. وهما شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام ابن القَيِم.

ثم بكلام مفصَّل من عالمين جليلين معاصرين، لكل منهما مقامه في العلم، ومنزلته في الدعوة إلى الله، هما الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود والشيخ محمد الغزالي رحمهما الله. ونُلحِقُ هذين الردين بنقل من أحد مؤرخي العصر الأثبات، وهو: أحمد زكي باشا، الملقب بـ(شيخ العروبة)

• كلام شيخ الإسلام ابن تيمية:

نبدأ بكلام الإمام ابن تيمية الذي قال في رسالته (قاعدة في قتال الكفار)

(وكانت سيرته (صلى الله عليه وسلم): أن كلَّ مَن هادنه من الكفار لا يقاتله. وهذه كتب السيرة والحديث والتفسير والفقه والمغازي: تنطق بهذا. وهذا متواتر من سيرته.

فهو لم يبدأ أحدا من الكفار بقتال، ولو كان الله أمره بقتل كلِّ كافر، لكان يبتدئهم بالقتال)[ٍ1] اهـ.

هذا ما قرَّره ابن تيمية في (القاعدة)، وأكَّده في أكثر من كتاب من كتبه، وهذا ينطبق على مشركي العرب من عبَّاد الأوثان، وعلى مشركي المجوس من عبَّاد النار، وكانوا في هَجَر والبحرين وفارس، وعلى اليهود الذين كانوا يساكنونه في المدينة، وقد عاهدهم وعقد معهم اتفاقية، واعتبرهم مواطنين في دولة المدينة، ولكنهم هم الذين نقضوها، فاضطرَّ إلى مواجهتهم. وعلى النصارى من الروم ومن العرب الذين يخضعون لسياستهم ويدورون في فلكهم من ملوك الغساسنة بالشام، وبعض قبائل العرب كبني تغلب وغيرهم.

يقول ابن تيمية في (القاعدة): (وأما النصارى، فلم يقاتل أحدا منهم إلى هذه الغاية، حتى أرسل رسله بعد صلح الحديبية إلى جميع الملوك، يدعوهم إلى الإسلام، فأرسل إلى قيصر، وإلى كسرى، والمقوقس، والنجاشي، وملوك العرب بالشرق والشام، فدخل في الإسلام من النصارى وغيرلا هيههم مَن دخل، فعمد النصارى بالشام، فقتلوا بعض مَن أسلم من كبرائهم بـ(معان) [2[

(فالنصارى حاربوا المسلمين أولا، وقتلوا مَن أسلم منهم بغيا وعدوانا، وإلا، فرسله أرسلهم يدعون الناس إلى الإسلام طوعا لا كرها، فلم يكره أحدا على الإسلام.

(فلما بدأه النصارى بقتل المسلمين: أرسل سرية أمَّر عليها زيد بن حارثة، ثم جعفرا، ثم ابن رواحة، وهو أول قتال قاتله المسلمون للنصارى بـ(مؤتة) من أرض الشام، واجتمع على أصحابه خلق كثير من النصارى، واستشهد الأمراء رضي الله عنهم. وأخذ الراية خالد بن الوليد، فسلَّم الله المسلمين ورجعوا) [ٍ3[

وما قرَّره شيخ الإسلام في (القاعدة) أكَّده في أكثر من كتاب له. كما أكده تلميذه الإمام ابن القيم في أكثر من كتاب له.

• كلام الإمام ابن القيم:

قال ابن القيم في (هداية الحيارى): (ولم يكره أحدا قط على الدين، وإنما كان يقاتل مَن يحاربه ويقاتله. وأما مَن سالمه وهادنه، فلم يقاتله، ولم يكرهه على الدخول في دينه، امتثالا لأمر ربه حيث يقول: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256]، وهذا نفي في معنى النهي، أي لا تكرهوا أحدا على الدين. والصحيح أن الآية على عمومها في حقِّ كلِّ كافر.

ومَن تأمَّل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبيَّن له أنه لم يكره أحدا على دينه قط، وأنه إنما قاتل مَن قاتله، وأما مَن هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته، لم ينقض عهده؛ بل أمره الله تعالى أن يفيَ لهم بعهدهم ما استقاموا له، كما قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة:7]، ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرَّهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم، فمنَّ على بعضهم، وأجلى بعضهم، وقتل بعضهم، وكذلك لما هادن قريشا عشر سنين لم يبدءهم بقتال حتى بدؤوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم في ديارهم، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك، كما قصدوه يوم أحد، ويوم الخندق، ويوم بدر أيضا هم جاؤوا لقتاله، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم، والمقصود: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره أحدا على الدخول في دينه البتة، وإنما دخل الناس في دينه اختيارا وطوعا) [4] اهـ.

وما قرَّره ابن القيم في (هداية الحيارى) قرَّره في كتب أخرى له، مثل (أحكام أهل الذمَّة) فقد قال فيه: (بل نقاتل مَن حاربنا، وهذه كانت سيرة رسول الله في أهل الأرض، كان يقاتل مَن حاربه إلى أن يدخل في دينه، أو يهادنه، أو يدخل تحت قهره بالجزية، وبهذا كان يأمر سراياه وجيوشه إذا حاربوا أعداءهم) [5[

• ( 1 ) الشيخ ابن محمود يرد على الشيخ اللحيدان:

ونثنِّي بردِّ الإمامين المعاصرين، رحمهما الله تعالى.

أما الأول فهو ردُّ العلاَّمة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية في دولة قطر، وصاحب البحوث والاجتهادات الشرعية الأصيلة والشجاعة، على الشيخ صالح اللحيدان أحد علماء السعودية المعروفين، في كتاب ألَّفه عن الجهاد. يقول العلاَّمة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود في كتابه (الجهاد المشروع في الإسلام(

(وإن أغرب ما سمعتُه في هذا الزمان مما يتعلَّق بالجهاد المشروع في الإسلام، هو قول الشيخ صالح اللحيدان في كتابه (الجهاد في الإسلام بين الدفاع والطلب) قال: (إن الرسول وأصحابه لم يدافعوا عن أنفسهم في وقعة بدر، بل كانوا مبتدئين بالقتال طالبين للعدو)، وقال: (إن حروب الرسول وأصحابه لهَوازِن، وحصاره للطائف، وكذلك الغزوات الأخرى، حيث كان الرسول هو البادئ بالقتال لنشر هذا الدين بين الناس، ولم تكن الغزوات منه لأنهم قاتلوه أو اعتدوا عليه، فإنهم لم يسبق لهم ذلك إلا في نادر الأحوال) انتهى.

وأقول (القائل ابن محمود): إن هذه الغلطة الكبيرة إنما نشأت عن نقص علم، وقصور فَهم، أراد بها تعزيز رأيه فيما يعتقده من أن الرسول وأصحابه يقاتلون جميع الناس حتى يُسلموا، وليس لها سبب في عدوان مَن يقاتلهم؛ لأنه يعتمد في نقله على ما يعتقده في نفسه، بدون رجوع منه إلى صحيح المنقول، وبدون فقه منه في سبب غزوات الرسول، ويظهر منه: أنه بطيء العهد بتعاهد القرآن، الذي فيه تفصيل هذه القضية على الجلية بأحسن تبيان، فإن به تحقيق بداية المشركين بالعدوان. إذ أن هذا الأمر اليقين الذي يرتفع عن مجال الشك والإشكال؛ لثبوته بمقتضى الدليل والبرهان، والسنة والقرآن، وكلما بعد الإنسان عن تدبر القرآن ضعُفت حجته.

فمَن قال: إن الرسول هو البادئ بالقتال بدون سبب يوجبه من المشركين: فقد أعظم الفرية عليه، وقال بما لم يُحط به علمه، ويخشى من تعدِّي غلطه إلى بعض مَن يسمعه من جهلة العوام، وضعفة العقول والأفهام، فيظنُّونه حقا، وهو بالحقيقة باطل.

وسنورد من الدلائل النقلية والبراهين الجلية: ما يزيل الَّلبس عن هذه القضية، حتى تكون جلية للعوام، وحتى لا يختلف فيها اثنان، وليس من شأن الباحث أن يُفهم مَن لا يريد أن يفهم.

فمن دلائل القرآن قوله سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج:40،39].

فأثبت سبحانه في هذه الآية بداية المشركين بالاعتداء بالقتال على الذين أسلموا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم ساموهم سوء العذاب ليردُّوهم عن دينهم كما قال سبحانه: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]، وهذا القتال يشمل الضرب والتجريح.

فقد كان الصحابة يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم المضروب، ومنهم المجروح، وقد توفِّيت سمية أم عمَّار تحت التعذيب لصدِّها عن دينها، كما توفِّي زوجها ياسر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرُّ عليهما وهما يعذبان ويقول: "صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة" [6]، وكانوا يحمون الحجارة ويضعونها على بطن بلال وظهره، ويقولون: قل: واللات والعزى. ويقول: أَحَد أَحَد [7[

ولهذا قال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج:39]. فأثبت ظلم المشركين في تعذيبهم للمؤمنين بفنون التعذيب والأذى، ولا ذنب لهم إلا أنهم يقولون: ربنا الله ونبينا محمد. {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج:40،39]، فقد أحرجوا الصحابة حتى أخرجوهم من بلدهم، والإخراج من البلد نظير القتل في كتاب الله، فقد خرج فوق الثمانين من الصحابة ما بين رجال ونساء إلى الحبشة، يمشون على أرجلهم حتى أتَوا ساحل البحر، فرارا بدينهم من الفتنة، وبأبدانهم من التعذيب، وبعضهم خرج مهاجرا إلى المدينة.

والنبي صلى الله عليه وسلم خرج مهاجرا خائفا مختفيا يقول (مخاطبا مكة): "والله إنك لأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك لما خرجت" [8]. وكانوا يصادرون أموال كل مَن هاجر إذا لم تكن له قبيلة تحمي ماله، كما صادروا أموال صهيب الرومي، وأنزل الله فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة:207]. ولهذا قال الصحابة: ربح البيع صهيب [9[

ومنها: قوله سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8[

فأثبت سبحانه أن المشركين أخرجوا المستضعفين من بلادهم وأموالهم في سبيل هجرتهم ونصرتهم لرسول الله يبتغون بذلك فضلا من الله ورضوانا، ولا ذنب لهم إلا أنهم آمنوا بالله ورسوله.

ومنها: قوله سبحانه: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:2]، فبسط اليد بالسوء هو الضرب والتجريح والشجاج، وبسط الألسنة بالسوء أي بالسبِّ واللعن والسخرية وسائر الأذيَّة.

ومنها: أن الله سبحانه أكَّد ابتداء المشركين بالاعتداء على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه في بداية الأمر ونهايته، فقال سبحانه: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة:13-15]. فأثبت سبحانه بداية المشركين بالاعتداء على الرسول وأصحابه في بداية الأمر ونهايته، وأنهم نكثوا أيمانهم وعهودهم التي أبرموها مع الرسول في صلح الحديبية، وأنهم همُّوا بإخراج الرسول كما حصروه مع عمه أبي طالب في الشِّعب، يطالبون أبا طالب بتسليمه إليهم ليقتلوه. وهذا معنى قول أبي طالب في قصيدته:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسَّد في التراب دفينا

وإنما اشتدَّ الأذى بالرسول بعد موت أبي طالب، بل وهمُّوا بقتله حيث اتفقوا أن يدفعوا لكل رجل سيفا فيضربوه جميعا بسيوفهم، فيضيع دمه بينهم، فأطلع الله رسوله على ذلك، وأذن له بالهجرة، وأنزل الله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30[

ومنها: قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} [الممتحنة:1]، أي لأجل إيمانكم بربكم.

فأثبت سبحانه شدَّة عداوة المشركين لله ورسوله وعباده المؤمنين، وأنه يحرم على المؤمنين موالاتهم بإظهار المودة لهم، وقد كفروا بما جاءكم من الحق الذي هداكم الله إليه. ثم قال: يُخرجون الرسول من بلده، لأنه خرج من مكة مُكرها وخائفا مختفيا، كما خرج المؤمنون فرارا بدينهم من الفتنة، وبأبدانهم من التعذيب؛ لأجل إيمانهم بربهم.

مثله قوله سبحانه: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:9]، فأثبت سبحانه قتال المشركين للمؤمنين على الدين لأجل إيمانهم بربهم، ليردُّوهم بطريق الإكراه إلى مِلة الكفر التي أنقذهم الله منها.

فهذه كلها آيات مُحكمات لا نسخ فيها ولا تبديل ولا تخصيص، ولا يجوز لأحد تغييرها ولا النظر في رأي يخالفها.

وأما الاستدلال بفقه السيرة مما يثبت ابتداء الاعتداء من المشركين على رسول الله وأصحابه، وأنه إذا قاتل فإنما يقاتل لصدِّ العدوان عن الدين، وكفِّ الأذى والاعتداء عن المؤمنين، فليس هذا بالظنُّ ولكنه اليقين.

أما مسألة الجهاد بالدفاع عن الدين وعن أذى المعتدين، فقد اعتنى العلماء المتأخرون [10] بتصحيحها وتمحيصها أشدَّ من اعتناء الفقهاء المتقدمين حتى ارتفعت عن مجال الإشكال والغموض إلى حيِّز التجلِّي والظهور. فضعف فيها الخلاف وكاد ينعقد عليها الإجماع. وإن غزوات الرسول كلها دفاع عن الدين وكفُّ أذى المعتدين على المؤمنين، وليس هذا بالظن ولكنه اليقين.

ونشير الآن إلى غزواته وأسبابها التي أشار الكاتب بأنها وقعت من الرسول بطريق الابتداء بدون سبق عدوان من المشركين. فمنها:

حديث العِير والنفير حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أصحابه يريدون عِير قريش. ومن المعلوم أن قريشا هم الأعداء الألدَّاء والبادئون بالاعتداء على الرسول وأصحابه، وقد استباحوا تعذيب الصحابة وأخذ أموالهم، فهم أئمة الكفر، الحلال دمهم وأموالهم، أفيلام رسول الله وأصحابه عندما حاولوا أخذ العِير ليتقوَوا بها على حرب عدوهم، كما كان عدوهم يفعل ذلك بهم، فيأخذون أموال المهاجرين؟ إذ هذا من باب المقاضاة بالمثل، وقد قيل: الشرُّ بالشرِّ، والبادئ أظلم. يقول تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، وقال: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41[

أما وقعة بدر فقد حدثت على غير ميعاد سبق، وكان الرسول قد كره وقوعها. وقد نزل بأصحابه بالعُدوة الدنيا مما يلي المدينة، ونزل المشركون بالعُدوة القصوى مما يلي مكة، وقد أرسل أبو سفيان إليهم يطلب منهم أن يرجعوا قائلا: إن عِيركم وأموالكم قد سَلِمت، فارجعوا إلى بلادكم، لكنهم كما أخبر الله عنهم خرجوا بَطَرا ورئاء الناس، ويصدُّون عن سبيل الله، ومعلوم قرب بدر من المدينة، فهم قصدوا حرب الرسول وأصحابه بطريق التحرُّش بهم. وكان سبب بداية القتال: أن أبا البختري قال: والله لأرِدَنَّ حوض مياه محمد، ولأكسرنَّ حوضهم. وفعلا اندفع يريد أن يهدم الحوض، فتلقَّاه حمزة بسيفه فقطع رجله، ثم انعقد سبب القتال بين الفريقين.

فقتال الرسول لهم في بدر هو قتال لدفع شرِّهم وعدوانهم، فهو جهاد بالدفاع. ولم يكن قتاله لهم لإكراههم على الدين حسبما يظنه الكاتب، ولم يكن وقع ابتداء من الرسول بدون عدوان يوجبه منهم، بل هم البادئون بالاعتداء والمعلنون بالحرب لله ورسوله والمؤمنين.

ومثله قتال الكفار المشركين للرسول وأصحابه يوم أُحد حيث غزَوا الرسول وأصحابه في بلادهم فقتلوا سبعين من أصحاب رسول الله، وهل كان قتال الرسول لهم إلا دفعا لشرِّهم.

ثم إنهم تحزَّبوا على حرب رسول الله وأصحابه يوم الأحزاب، ومعهم عرب الحجاز ونجد، ونقضت اليهود العهد الذي بينهم وبين رسول الله، ودخلوا مع قريش في حرب الرسول فتبعهم يهود بني قريظة لظنِّهم أنها الفاصلة المستأصلة للرسول وأصحابه، حتى ضرب النبي على المدينة خندقا يمنع تجاوز الخيل. وبلغ الخوف من الرسول وأصحابه إلى نهاية الشدة، وأنزل الله فيه صدر سورة الأحزاب وفيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:9-11]، إلى قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الأحزاب:26،25[

أفيقال: إن الرسول هو البادئ بالقتال لكفرهم، وهم لم يُبقُوا للصلح موضعا، مع الرسول وأصحابه، ولم يألوا جهدا في فتنتهم للمؤمنين وتعذيبهم؟ {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:2[

وأما قضية هَوازِن حيث صرَّح الكاتب عنها قائلا: (إن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهَوازِن وحصاره للطائف، حيث كان الرسول هو البادئ للقتال لنشر هذا الدين بين الناس، ولم تكن الغزوات منه، لأنهم قاتلوه أو اعتدوا عليه، فإنهم لم يسبق لهم ذلك إلا في نادر الأحوال(

وأقول (ابن محمود): إن الشيخ رحمه الله [11]يكتب عن القضايا كهذه وغيرها على حسبما يُضمره في نفسه، بدون رجوع منه إلى أصول القضايا والغزوات من مظانها في كتب السيرة والتاريخ، لهذا السبب كثر خلطه وخبطه، بدون بصيرة من أمره، فيجعل الباطل حقا، والحق باطلا! وقد قيل لي: إن كتابه لا يستوجب الردَّ؛ لأنه معلوم البطلان عند كل واحد. فقلتُ للمعارض: إن كل مَن أوصلته خبرا لن تستطيع أن توصله عذرا، ولكن وجوب البيان وتحريم الكتمان: يوجب علينا ردَّ هذا البطلان، خشية أن يحتجَّ به بعض مَن يرى صحَّته، أو بعض مَن يعتقد اعتقاده، لأنه متى قلَّ العلم، وساء الفَهم، ساءت النتيجة. وقد قيل: خلاصة القول تظهر بالسبك، ويد الحق تصدع آراء الشكِّ.

سبكناه ونحسبه لجينا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد

وقد عقدنا لوقعة هَوازِن فصلا مستقلا، وذكرنا فيه سبب هذه الغزوة التي أنزل الله في شأنها: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:26،25[

وقد ذكر ابن إسحاق وغيره: أنه لما فتح الله مكة على رسوله والمؤمنين، وسمعت هَوازِن بذلك، فشرِقوا بهذا الفتح حَنَقا وبُغضا للرسول وأصحابه، وولاء ومحبة منهم لقريش، فعزموا أن ينتقموا من الرسول وأصحابه، فجمعهم ملكهم (مالك بن عوف النَّصري)، فاجتمع إليه مع هَوازِن: ثقيف كلها على بكرة أبيها، واجتمع إليه نصر وجُشَم كلها، وسعد بن بكر، وناس من بني هلال، وكثير من شتَّى القبائل، ومن عرب الحجاز ونجد، ومعه يومئذ دُريد بن الصِّمَّة، وهو كبير يُحْمل في هودج، ليأخذ من رأيه، حيث إنه مجرِّب في الحروب، فزحفوا بجمعهم من عوالي نجد بأهلهم وعيالهم وأموالهم لقصد الحفيظة، حتى لا يفرُّوا عن القتال، ونزلوا بعُسفَان بين مكة والطائف، ليفاجأ الرسول وأصحابه بالهجوم عليهم من قريب، لظنِّه أن أهل مكة المغلوبين سيكونون عونا له على القتال معه.

ولما سمع رسول الله بخبرهم، خرج إليهم بمَن معه من أصحابه، وبعض أهل مكة، ومنهم مسلمون، وبعضهم باقون على شركهم، فوصل إليهم رسول الله في عماية الصبح، بعد فتح مكة بعشرة أيام. وقد كانت هَوازِن قد كَمَنُوا في الشعاب والمضايق، وقد تهيَّؤوا لينفروا جميعا. ولم يرع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والكتائب قد شدَّت عليهم شدَّة رجل واحد، فشمَّر الصحابة راجعين، لا يلوي منهم أحد على أحد، وانحاز رسول الله ذات اليمين، وهو يقول: "إليَّ أيها الناس، هلموا إليَّ أنا رسول الله" [12]. وقد بقي معه نفر من المهاجرين وأهل بيته، ومنهم: أبو بكر وعمر. ومن أهل بيته: علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث والفضل بن عباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن أم أيمن، وقتل يومئذ [13[

ولم يتراجع القوم إلا وبعض الأسرى عند رسول الله، ولم يَقتُل أحدا منهم بعد أسرهم، وتفرَّقت هَوازِن ومن معهم، وفرَّت ثقيف إلى بلدهم. أفيصدق أن يقال والحالة هذه: إن الرسول هو البادئ بقتال هَوازِن بدون سبب يوجبه منهم؟ وهل بقي من هَوازِن إلا هجومهم على الرسول في مكة؟ ولا يُدْرَي عن سوء عاقبة هذا الهجوم، فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلُّوا، وساءت حالهم، وقد قيل: كل محصور مأخوذ.

وأما حصاره للطائف فإن ثَقِيفا على بكرة أبيهم كانوا مع هَوازِن في الحرب على رسول الله، فلما نصر الله رسوله والمؤمنين فرُّوا إلى بلدهم، وتحصَّنوا فيها، فهم مستحقُّون للقتل والقتال لثلاثة أمور:

أحدها: مشاركتهم لهَوازِن على حرب رسول الله فهم محاربون لله ورسوله وعباده المؤمنين، والله يقول: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، وقال: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41[

والأمر الثاني: أن الرسول جاءهم قبل الهجرة وطلب منهم أن يُؤووه وينصروه حتى يبلِّغ رسالة ربه، وقد قيل: إنه مكث عندهم عشرة أيام، فلما أحسُّوا أن بعض ثقيف مال إليه وصدَّق دعوته، لهذا أرسلوا عليه سفهاءهم، فكانوا يرمونه بالحجارة، ورؤساؤهم ينظرون إليهم ويضحكون من فعلهم، وهم يقولون: مجنون كذَّاب. وزيد بن حارثة يقيه ببدنه عن وقع الحجارة فيه، حتى رجع كئيبا حزينا من فعلهم.

الأمر الثالث: أنه بعدما فرغ رسول الله من أمر هَوازِن ذهب إلى ثقيف رجاء أن يثوب إليهم عقلهم، فيفتحوا له الباب، ويسهِّلوا له الجناب، حتى يبلِّغ رسالة ربه في بلدهم، كما فعل أهل مكة. ومن سيرته: أنه لا يعاقب أحدا بجريمة سلفت منه مهما عظُمت، متى خلَّوا بينه وبين نشر دعوته في بلدهم، لكنهم عصَوا وتمرَّدوا، وناصبوه العداء، فرماهم بالمَنجَنيق ونصب عليهم الدبابة، فكانوا يحمون النبال بالحديد، ويرمون بها من في الدبابة ويرمون الصحابة من وراء الجدران، وفي السطوح، حتى قتلوا سبعة من أصحاب النبي، فانصرف عنهم وتركهم حتى هداهم الله للإسلام، وأتوا إليه طائعين.

وأما غزوه لتبوك - حيث أشار إليها الكاتب - فإن سببها: أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اجتمع جنود من لَخْم وجُذَام وغَسَّان، وبعض متنصِّرة العرب، وقد اجتمعوا في تبوك، يريدون غزو رسول الله وأصحابه، وقد قدَّموا مقدِّماتهم إلى البلقاء [14]، وذلك عام تسعة من الهجرة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عام العُسرة، أي زمن جهد ومجاعة وانقطاع ظهر، فخرج في ثلاثين ألفا من أصحابه، فكانوا يمرُّون على قبائل العرب من الحضر والبدو بوادي القُرَى، والذين لم يدخلوا في الإسلام بعد، حتى وصلوا إلى بلدة تبوك، وبها مَن بها من الناس، فلم يَرُعْ أحدا منهم بقتل ولا قتال؛ لأنه إنما قصد الذين ظاهروه بالعداوة، وبرزوا لحربه وأصحابه، لكنه في سفره لم يلقَ كيدا، ووجدهم قد تفرقوا. فرجع إلى بلده مؤيَّدا منصورا. فهذه المقدِّمة نشير فيها إلى بعض الفقرات من المقتطفات التي ذكرها الكاتب، وكلها مفصلة بأسبابها في ضمن الكتاب)[15]انتهى.

وعلَّق العلاَّمة ابن محمود على قول مَن يقول: إن الجهاد سببه الكفر، فيجب قتال الكفار حتى يُسلموا، كما هو اعتقاد الكاتب، وقد بنى كتابه على تصحيحه واعتقاد العمل بموجبه، كما أنه اعتقاد بعض الفقهاء المتقدمين وأكثر العامة.

فقال: (وقد استغل هذا القول القسيسون والمبشرون من النصارى، وجعلوه عمدة لهم في دعوتهم، واستغلُّوه في التنفير من الدين واحتقاب العداوة للمسلمين. فكل مَن قال بهذا القول أو دعا إليه، فقد شارك القسيسين في التنفير من الدين.

فلو ظفر النصارى بكتاب (الجهاد بين الدفاع والطلب) للشيخ صالح، لأحلُّوه محل التقديس والتكريم، ونصبوه في كنائسهم ومدارسهم، وعمَّموا بتعليمه جميع طلابهم وعامتهم، لكونه غاية بُغيتهم. بحيث إنه يصدِّق مفترياتهم في إكراه الناس في الدين.

ثم قال الكاتب: (إنني أعجب من كُتَّاب الفقه الإسلامي الذين قالوا بالدفاع في الجهاد، جريا وراء التقليد للأعداء الممقوتين، وهم - والله أعلم - يدركون خطأ هذا الرأي البعيد عن الصواب، وأدلة الأحكام). انتهى.

ثم قال الكاتب: (لقد قلتُ هذا بعد أن رأيتُ عشرين بحثا كلها تبحث عن مسألة الجهاد، بحثا اختلف الباحثون فيه، فالذين قالوا بالدفاع من المتأخرين، من الكتَّاب والمؤرخين وكُتَّاب السيرة كلهم ليسوا بشيء كعباس العقَّاد، وعزَّام، وشيت خطَّاب، وعبد الحميد جودة السحَّار، وأحمد أمين، ومحمد حسين هيكل، والشرقاوي، والحكيم، فكلهم ليسوا بشيء). يريد: أنهم ليسوا من علماء الشريعة.

ثم ألحق بهم في الذمِّ غيرهم قائلا:

(والظنُّ بغيرهم من علماء الفقه والحديث من أمثال: يوسف القرضاوي في كتابه: (الحلال والحرام)، ومحمد ناصر الألباني في كتابه: (حجاب المرأة المسلمة)، الظن بهم العودة إلى الحق واتباع سبيل المؤمنين). انتهى.

وردَّ عليه الشيخ بأن الجهاد المشروع في الإسلام، هو: الدفاع عن الدين، ودفع أذى المعتدين على المؤمنين، وأن الإسلام يسالم مَن يسالمه، ولا يقاتل إلا مَن يقاتله، أو يمنع نشر دعوته، أو يلقي الفتنة بين أهله، وليس هذا بالظنِّ لكنه اليقين، الذي تدلُّ عليه نصوص القرآن المبين، وسيرة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعية: (إن مَن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه) [16]. أي فلا يُقاتَل) [17[

ونكتفي بهذا من ردِّ العلاَّمة ابن محمود رحمه الله.

 


: الأوسمة



التالي
الريسوني: أولوياتنا تمتين اتحاد العلماء ومواصلة التجديد في الدين
السابق
مراجعات فقهية بفهم الصحابة والتابعين . الحلقة الأولى عقوبة المرتد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع