البحث

التفاصيل

الثقة بالله تعالى

الثقة به عز وجل، هي ثمرة المعرفة، فإذا عرف الله حق معرفته وثق به ثقة مطلقة، تسكن إليها نفسه ويطمئن بها قلبه.

ومن ذلك: الثقة بشمول علمه، وكمال حكمته، وسعة رحمته، وعموم قدرته، وطلاقة مشيئته. وانه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، بل أبر بهم من أنفسهم، وأعلم بمصالحهم من ذواتهم: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (الملك : 14).

ومن ذلك: الثقة بوعده الذي سجله في كتابه وعلى لسان رسوله: أنه ولي الذين آمنوا والمدافع عنهم، والمنجى لهم، وأنه ناصرهم على عدو الله وعدوهم، وأنه معهم بتأييده وعنايته، وأنه لا يخلف الميعاد. وأنه يملي للظالمين، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأنه يمهل، ولا يهمل، وأنه للفراعنة والطغاة بالمرصاد.

ومن ذلك: الثقة بما تكفل به من الرزق لخلقه، فقد وعد بذلك: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) (الذاريات : 58). ثم أكد الوعد بالضمان: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) (هود: 6). ثم أكد الضمان بالقسم: (وفي السماء رزقكم وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) (الذاريات: 22، 23)

فالواثق بوعد الله تعالى وضمانه لا يخاف فوت رزقه أبداً، فإن أحداً لا يستطيع أن يأكل من رزقه، كما أن أحداً لا يستطيع أن يقدم من أجله .

وقد جعل صاحب "منازل السائرين": الثقة بالله تعالى منزلة أخرى غير منزلة "التوكل" وغير منزلتي "التفويض" و"التسليم"، وقد جعل كلاً منهما منزلة مستقلة أيضاً.

قال رحمه الله: "الثقة: سواد عين التوكل، ونقطة دائرة التفويض، وسويداء قلب التسليم".

وصدر الباب بقوله تعالى لأم موسى: (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) (القصص: 7)

فإن فعلها هذا - كما يقول ابن القيم- هو عين ثقتها بالله تعالى. إذ لولا كمال ثقتها بربها، لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء، تتلاعب به أمواجه وجريانه إلى حيث ينتهي أو يقف.

والذي ينقدح لي: أن "الثقة" ليست منزلة مستقلة، ولذا لم يرد نص خاص بها في الكتاب أو السنة. وإنما هي دافع إلى التوكل وباعث عليه. وكلما ازدادت ثقة العبد بربه وتوثقت عراها، قوي توكله على الله تعالى، ورسخت جذوره، وبسقت فروعه.

والموظف لأنه واثق بأنه يقبض في مطلع كل شهر راتباً معيناً، التزمت به الحكومة. فهو يرتب حياته على هذا الأساس، لثقته بها، ولهذا لو اضطربت أحوال حكومة ما، وغدت خزينتها مهدده بالعجز عن دفع المستحقات، ضعفت هذه الثقة عند الموظفين، وربما انعدمت. فمن وعده ملك الملوك لا تهتز ثقته به بحال .

وكذلك من أعطاه ملك درهما فسرق منه، فقال له الملك: عندي أضعافه، فلا تهتم، متى جئت إلي أعطيتك من خزائننا أضعافه. فإذا علم صحة قول الملك، ووثق به، واطمأن إليه، وعلم أن خزائنه مليئة بذلك، لم يحزنه فوته


: الأوسمة



التالي
كتاب : الدعوة الإسلامية في القرن الحالي فضيلة : الشيخ محمد الغزالي الحلقة [ 9 ] الفصل السادس : أسباب انهيار الحضارة الإسلامية
السابق
فتوى حول :زكاة المشاريع الاستثمارية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع