البحث

التفاصيل

كتاب : الدعوة الإسلامية في القرن الحالي فضيلة الشيخ محمد الغزالي الحلقة [ 8 ] الفصل السادس : أسباب انهيار الحضارة الإسلامية

الثقافة الإسلامية فى طورها القائم تحمل مخلفات القرون الماضية بما فيها من قوة وضعف، واستقامة وعوج، وأخلاطاً لا حصر لها من أفكار ومذاهب تفتقر إلى التمحيص، وتفرض علينا ميز الخبيث من الطيب..!

وهناك ملاحظات صادقة على هذه الثقافة الموروثة، يجب وعيها لأنها وراء المد والجزر الذي تعرض! له تاريخنا الطويل.. ونوجزها فيما يلي:

أ) - التقعر في دراسة ما وراء المادة مرض أصاب المسلمين ولوى مسيرتهم العلمية ليا شائناً. والمعروف أن الآيات المحكمة هي أم الكتاب ومناط التكاليف الاعتقادية والعلمية، وأنه بحسب المسلمين في عالم الخلق والسلوك، وعالم العقيدة والعبادة، وعالم القضاء والتشريع، أن يعتمدوا على هذه الآيات المحكمة وحدها.. أما ما تشابه في الحديث عن ذات الله وصفاته فلا مجال للعقل في بحثه...

إن العقل البشري أعجز من أن يفقه حقيقة الروح بين جنبيه، بل أعجز من أن يفقه تحول الأغذية في جسده إلى طاقة وخلايا. فكيف يريد أن يعرف كنه الألوهية، واتصال الذات بالصفات؟

لكن المسلمين للأسف خاضوا بحارا مغرقة في هذه البحوث العقيمة كان لها أثر وخيم في تعجيز العقل الإسلامي عن البحوث المادية وإحسان الإفادة منها.

وهذا الاتجاه الشارد عصيان لله الذي أمر بالنظر فى الكون، وبني على هذا النظر السديد حسن الإيمان وجميل المنفعة.

ب) - الإسلام دين عمل يؤثر الواقع على الخيال، ويؤثر الحقيقة على الظن، ويؤثر الحركة الماضية في مرضاة الله على اللغو والشقشقة وافتراض الفروض وتشقيق الكلام، وهل نجح سلف الأمة إلا بهذا المنهج؟

بيد أننا وجدنا الدراسة الدينية تميل إلى الشروح النظرية المطولة دون سبب واضح.

والذي أحسه أن دراسة الطهارات والصلوات لا تحتاج إلى هذه التآليف المسهبة والأوقات المتطاولة، ومع ذلك فقد أصبح ذلك جزءاً من أعمار المسلمين.. ومثار افتراق واسع بين الدهماء، بل بين نفر من المنتسبين إلى العلوم الدينية.

ولم يكتف البعض كهذا الطول المفتعل فأضاف إلى أعمال الحج أدعية في أشواط الطواف وأشواط السعى لا أصل لها، حتى يزيد المراسم وعورة وتهيبا...

وقد تأدت هذه المزايدات إلى إضعاف علاقة المسلمين بالحياة، وكانت مشغلة لهم عن إنتاج أهم وأجدى.

جـ) - هناك فارق مؤكد بين درجة التخصص ودرجة التثقيف العام، فالتخصص يلم بمعارف شتى في فنه، ويعيبه أن يجهل ناحية ما في ميدانه.. أما أصحاب الثقافة العامة فيكفيهم ما يحتاجون إليه في بيئاتهم وأحوالهم، ولا معنى لحشو أذهانهم بما لا أثر له في معايشهم..

وقد رأيت أناسا من العوام تبلبلت أفكارهم إثر أحاديث نبوية درست لهم، وهى أحاديث صحيحة السند، ولكن ليس من الحكمة أن يعرفها العوام، فهى فوق طاقتهم الذهنية وقد جاء في الأثر: " إنك ما حدثت قوماً بحديث لم تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ".

ومع ذلك فإن قرويين وبدواً أو هُملاً من الخلق يذكر لهم أن نبيا ضرب ملك الموت ففقأ عينه، وأن آدم حج موسى في القدر فغلبه، وأن موسى راجع نبينا في الصلوات الخمسين حتى جعلها خمسة ، وأن الجبار ليلة الإسراء هو الذي دنا فتدلى.. الخ.

لماذا تشغل أذهان الجماهير بهذه الأمور؟ ولماذا لا يختار لهم من السنن ما يصحح وجهتهم في الحياة؟ لقد توارث العوام أن سماع هذا الكلام عبادة وأورثهم ذلك شيئا من الخدر والاسترخاء غير قليل..

د ) - ألف المسلمون أن يُحَفَّظَ القرآن للأطفال، وألفوا أن يوجه للتعليم الديني الضعاف والفقراء وذوو العاهات.. وفي بعض الأقطار الإسلامية يكاد العلم الديني يكون نصيب المطرودين من ميادين التعليم التي يشترط فيها التفوق والتبريز أو حسن المظهر وقوة العصبية..

وهذا المسلك يزرى بمعنى التدين، ويضعف أهل الدين عن اقتياد الحياة بقوة وقد يعجزهم عن مقاومة الجبارين والخطائين..

وعلى ضوء التجارب الكثيرة ينبغي وضع سياسة أخرى للتعليم الديني.. ولنذكر أن الفجوة عمقت بين العلم والحكم في تاريخنا، وأن عدداً من الأئمة والأشياخ أدى واجبه شامخا راسخاً.

ولكن عدداً آخر ـ ربما كان أكبر ـ آثر الانزواء، وارتضى في تغيير المنكر أضعف مراتب الإيمان..

وهناك فريق آخر ربما كان أكبر وأكبر مشى وراء الساسة مداهنا فأكل من حلوائهم وسكت عن أهوائهم.. وإذا فسد العلماء والحكام أخذت الأمم طريقها إلى القاع..


: الأوسمة



التالي
أساس التقوى وثمرتُها ومراتُبها
السابق
الاتحاد ينعي العالم والمفكر الإسلامي فضيلة الشيخ عبدالله الكافودروي الغجراتي الهندي رحمه الله

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع