البحث

التفاصيل

الدولة مسؤولة عن توفير الحياة الكريمة للناس

دور الزكاة في تحقيق التنمية الشاملة :

 للتنمية شروط كثيرة ، وتحديات كثيرة في عالمنا الإسلامي من أخطرها الجهل والأمية ، والتخلف، والفساد بجميع أنواعه: الفساد السياسي، والفساد الإداري ، والفساد المالي..  ، والذي نتحدث عنه هنا هو دور الزكاة في تحقيق التنمية الشاملة بإيجاز شديد .

 من المعلوم أن التنمية الشاملة تحتاج إلى خطة استراتيجية ، وخطة مرحلية ، تتحمل الدولة المسؤولية الكبرى في تحقيقها، مع مشاركة الأفراد والأسرة والمجتمع .

أولاً -  دور الدولة ومسؤوليتها نحو رعاياها وبخاصة الفقراء :

  إن الدولة ( جميع المسؤولين بدءاً من رئيس الدولة إلى الوزراء وبقية المسؤولين أصحاب القرار ) مسؤولة أمام الله تعالى ثم أمام أهل الحلّ والعقد - مجلس الشورى إن وجد - عن توفير الحياة الكريمة لجميع من يعيش على أرضها حتى من غير المسلمين المواطنين ، وعلى هذا تدل مجموعة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، وإجماع الأمة .

وهذا الدور يتجلى في نظر الاسلام في النقاط الآتية :

1 - تهيئة فرص العمل المباشرة للقادرين عليه ، وهذا يتطلب قيام الدولة بأمرين أساسيين ، هما :

الأمر الأول : إنشاء جهاز خاص بالتدريب والتوظيف والمتابعة ، بحيث يقوم بالتدريب في مختلف مجالات العمل اليدوي والمهني ، والفني ، والاداري ، وتمكين الاستعانة بالخبراء ، والمدربين ، ومراكز التدريب الخاصة ، ويكون من واجبه وضع سياسة واضحة للتدريب على كل ما يحتاج إليه المجتمع ، والشركات والمصانع ونحوها ، كما يكون ضمن واجباته ومقاصده القيام بالتوظيف ، والتعيين ، من خلال  توجيه العاملين والفنيين والاداريين للوظائف المناسبة ، وتعينهم فيها .

 ولا ينبغي الاكتفاء بهذا ، وإنما لا بدّ من القيام بالمتابعة والمراقبة لمعرفة مدى نجاح هؤلاء العاملين في وظائفهم وأعمالهم ، ويدل على ذلك ما رواه أنس بن مالك : ( أن رجلا من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏جاء إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يسأله ، فقال : ألك في بيتك شيء؟ قال : بلى ‏ ‏حلس ‏ ‏نلبس بعضه ونبسط بعضه  ، وقدح نشرب فيه الماء . قال : ائتني بهما . قال : فأتاه بهما فأخذهما رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بيده ثم قال : من يشتري هذين ؟ فقال رجل : أنا آخذهما بدرهم . قال : من يزيد على درهم مرتين ‏ ‏أو ثلاثاً ؟ ‏ ‏قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين . فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال : اشتر بأحدهما طعاماً ‏ ‏فانبذه ‏ ‏إلى أهلك . واشتر بالآخر ‏قدوما ‏ ‏فأتني به ففعل فأخذه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فشد فيه عوداً بيده ، وقال : اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوما . فجعل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فقال : اشتر ببعضها طعاماً وببعضها ثوباً ثم قال : هذا خير لك من أن تجيء والمسألة ‏نكتة ‏ ‏في وجهك يوم القيامة ‏ ‏إن المسألة لا تصلح إلا لذي فقر ‏ ‏مدقع ‏ ‏أو لذي ‏ ‏غرم ‏ ‏مفظع ‏ ‏أو دم موجع)  حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى عمل مناسب ، ثم تابعه ، وحدد له زماناً مناسباً لمعرفة مدى نجاحه ، ولذلك قال الشافعية يعطى المحتاج من الزكاة ما يشتري به آلات حرفته  ـ كما سيأتي ـ .

الأمر الثاني : قيام الدولة بتعيين القادرين على العمل في جميع مؤسساتها التابعة لها حسب قدراتهم وتخصصاتهم ، وكذلك يمكن للدولة بعد الدراسة ورعاية التوازن أن تفرض على الشركات والمصانع (القطاع الخاص) العاملة في البدل ، تعيين نسبة معينة (مثل 20%) من الأيدي العاملة والفنيين والاداريين من أهل البلد الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة ، وينبغي أن تكون في هذه السياسة مرونة خوفاً من هروب أصحاب المصانع والشركات بسبب ذلك .

   ولذلك فالبديل  هو أن تشجع الدولة على ذلك من خلال تخفيف الضرائب ، أو تقديم الدعم المناسب للشركات والمصانع التي تعين نسبة كذا (50-80% مثلاً ) من المواطنين ، وهذا ما يحدث في معظم البلاد المتقدمة الحرة .

- تهيئة الفرص غير المباشرة للعمل ، وهذا يتحقق من خلال ما يأتي :

أ) تبنى خطة مرحلية ، واستراتيجية للقضاء على الفقر ، وللتنمية الشاملة ، تكون مدروسة متوازنة ، تتجسد معالمها من خلال سياسة اقتصادية واضحة مستقرة ، وبرامج عملية ، ومشروعات متنوعة تسهر عليها باخلاص وتفان جميع أجهزة الدولة .

ب) قيام الدولة بالبنية التحتية المادية ( مثل تهيئة الشوارع ، والاتصالات والمواصلات..) والمعنوية ( مثل التشريعات والقوانين الخاصة المشجعة على الاستثمار ) ونحوها  ويدل على ذلك ما قاله الخليفة الراشد من أنه لو عثرت دابة (أو بغلة) على شط الفرات لسئل عنها عمر  ، مما يدل بوضوح أن مشاريع البنية التحتية مطلوبة في الاسلام ، إضافة إلى القاعدة المعروفة " ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب " .

ج) تبني سياسة مشجعة للصناعات الخفيفة ، والمتوسطة ، والثقيلة ، مع حركة التجميع ، حيث إن هذا المجال يوفر كثيراً من فرص العمل للجميع ، ويكون للمواطنين حق الأفضلية والأولوية من خلال فرض نسبة ، أو تخفيف الضرائب ـ كما سبق ـ .

  ونرى أن الشريعة قد خففت الزكاة تماماً على المصانع حيث لا تجب الزكاة إلاّ في أرباحها الصافية بنسبة 2.5% حسب الراجح من أقوال أهل العلم ، والفتاوى الجماعية ، في حين أن الزكاة على الواردات الزراعية تتراوح بين 5% إلى 10% وعلى المعادن 20%  .

3 - قيام الدولة بتوفير الحياة الكريمة لغير القادرين على العمل ، أو الذين لم تستطع أن توفر لهم فرصة العمل المناسب ( البطالة ) وذلك بمنح حدّ الكفاية ( أي إزالة الفقر) على أقل تقدير لكل محتاج ، أو معيل ، إن كانت أموال الدولة والزكوات لا تكفي إلاّ لهذا الحلّ ، وإلاّ فينبغي إعطاؤه حدّ الكفاية ، ثم تمام الكفاية من المسكن ـ تمليكاً ، أو تأخيراً ـ والملبس ، والمشرب والمأكل ، ونحوهما مما لا بدّ منه


: الأوسمة



التالي
(8)علينا منع الاسباب الموجبة الى الكيد بقدر الامكان (كتاب سيدنا يوسف عليه السلام قدوة للمسلمين في غير ديارهم)
السابق
للزكاة دور في تحقيق التنمية والقضاء على الفقر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع