البحث

التفاصيل

الإرادة في القرآن الكريم الحلقة( 21\5)

جاءت مادة راد (رود) ومشتقاتها في القرآن الكريم (132) مرة بمعنى الإرادة، المشيئة، الأمر، القصد، المحبة، والطلب. فإذا نسبت إلى الذات الإلهية فهي المشيئة والأمر، وإذا نسبت إلى الخلق المكلف فهي القدرة على اتخاذ القرارت الصحيحة والتغلب على العقبات الداخلية والخارجية من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، وحجب النفس عن المبالغة في مرادها ورغائبها ومطالبها، والإقبال على أوامر الله تعالى والرضا بها. وفقهيا تعرف الإرادة بالقدرة على تنفيذ أوامر الله تعالى والرضا بها عن قصد وتوجه كاملين.

أولا: أنواع الإرادة في القرآن:

أ- الإرادة الإلهية: وهي إرادة مطلقة في الخلق والتدبير والتشريع والتسخير، والحساب والجزاء، ولذلك تسمى أحيانا باسم المشيئة الإلهية وإن كانت لفظة المشيئة لم ترد في القرآن الكريم وإن وردت مشتقاتها، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى:

- { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ*} (النحل:40).

- { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*} (النساء:26).

- {...إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} (هود:107).

- {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ*} (المائدة:1).

- {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (يس:82).

- {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} (الفرقان:2).

- {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً} (الفرقان:45).

- {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً} (الأحزاب:38).

- {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاًّ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الأنعام:125).

- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} (النور:43).

- {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (الشورى:33).

- {أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ*أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنزِلُونَ*لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} (الواقعة: 68-70).

ب- إرادة المكلفين (العقلاء) من خلق الله ومنهم الإنس والجن:

تعرف الإرادة في الإنسان بقدرته على التحكم في رغائبه وشهواته حتى لا يصبح عبدا لها فتقوده إلى الهاوية (الإرادة الداخلية)، كما تعرف بقدرته على مواجهة الصعوبات التي يصادفها في حياته بنجاح- مهما كانت خطورتها- وعدم الانكسار أمامها أو الانهيار بسببها (الإرادةآ الخارجية). وعلى ذلك فإن الإرادة بالنسبة للمكلفين هي تنفيذ لقرار ذاتي بناءً على معرفة وخبرة وتربية مسبقة، انطلاقا من الإيمان بحقيقة الابتلاء، وبأن الإنسان مخلوق مخير ذو إرادة حرة.

وبناءً على هذه الإرادة الحرة جاء التكليف من الله تعالى لاختبار هذا المخلوق المكلف في استخدام إرادته الحرة ليقيم الله (تعالى) الحجة على كل فرد من أفراد خلقه المكلف بعمله حتى يميز الخبيث من الطيب لأن الخبيث يستخدم إرادته الحرة في ميادين الشر (إرادة التدمير)، والطيب يستخدم هذه الإرادة في ميادين الخير (إرادة التعمير). وعلى الرغم من محدودية قدرات المخلوقين، وعلم الله تعالى بما سيكون من خلقه، إلا أن ذلك ليس ملزما لأي منهم فكل نفس بما كسبت رهينة، والله تعالى يريد أن يقيم الحجة على كل عبد من عباده بأعماله التي يختارها بإرادته الحرة. وعلم الله المسبق بذلك لا ينتقص من فضل المحسن ولا يبرر إساءة المسيء.

والقرآن الكريم يوضح ذلك بقول الحق تبارك وتعالى:

- {...وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ*}. (آل عمران:145).

- {مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً* وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً*كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} (الإسراء18-20).

وقال: {وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} (الكهف:30,29) .

وقال: {إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً* وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (الإنسان:30,29).

- {مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} (هود:15).

- {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (الشورى:20) .

- {...إ ن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} (النساء:35).

وقال صل الله عليه وسلم: ”يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا الحفظة من ملائكته: إن أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف“، (البخاري).

وقال: ”إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". (متفق عليه).

كذلك فإن لشياطين الإنس والجن إراداتهم المفسدة في الأرض والتي يجب إن يقاومها الصالحون من الخلق المكلف قدر استطاعتهم حتى تستقيم الحياة على الأرض. وفي التحذير من نفثات هؤلاء الشياطين يقول ربنا تبارك وتعالى:

- {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً* يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} (النساء:28,27).

- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} (النساء:60).

إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (المائدة:91).

- {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (الإسراء:16).

- {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ} (الصف:8).

- {بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القِيَامَةِ } (القيامة:6).


: الأوسمة



التالي
سنَّة الابتلاء في ظلال الجهر بالدعوة الكونية
السابق
التأسيس الفكري (5) تَقَبُّل الاختلاف

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع