البحث

التفاصيل

منتدى التكامل الإقليمي : ضرورة حضارية في مواجه الحروب والأزمات

تواجه منطقتنا العربية والإسلامية في هذه المرحلة سلسلة حروب وصراعات ذات أبعاد سياسية ومذهبية وعرقية ، وادت هذه الصراعات إلى تدمير دول وسقوط مئات الألوف من الضحايا وخسارة مئات مليارات الدولارات ، والخوف الأكبر إن تستمر هذه الصراعات لثلاثين سنة مقبلة كما اعلن بعض المسؤولين الأميركيين.

لكن في مواجهة هذه الحروب اطلق عدد من الباحثين والإعلاميين والمثقفين العرب والإيرانيين والأتراك والأكراد مشروعا جديدا يفتح الباب أمام الحوار والتعاون الإقليمي ، تحت عنوان : منتدى التكامل الإقليمي.

ويعتبر المنتدى: أن الحروب الأهلية الراهنة، أو حرب الثلاثين عاماً التي يجري الحديث عنها لن يكون فيها منتصر ومهزوم. كل هذه الصراعات عبثية لأنها في الواقع لا تخاض في الزمن الحاضر ولا حتى تسعى إلى "العودة إلى المستقبل"، بل هي تعمل على مستوى اللاوعي الغرائزي الجمعي، فيعتقد البعض أنه يمكن إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، فيما يريد البعض الآخر بعث الماضي كما هو في الحاضر، كأن شيئاً لم يتغيّر البتة منذ 14 قرنا.

إنها حروب الأشباح والأوهام والظلال. الحروب المستحيلة لإحياء الأموات. حروب الوعي الزائف، واللاعقلاني.

 

لكن، ولأن هذه الحروب عبثية ولن يكون من ورائها طائل البتة سوى القتل الجماعي الدمار والانحلال، كما أثبتت بجلاء الصراعات الأهلية السنيّة- الشيعية طيلة أكثر من ألف سنة، وكما أثبتت حروب العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، سيكون مُحتّماً في لحظة ما أن يصل الجميع إلى القناعة بأن الحوار هو المنقذ الوحيد من ضلال الانتحار الجماعي، تماماً كما اكتشف البروتستانت والكاثوليك الأوروبيون في القرن السابع عشر حين يمموا وجههم نحو وستفاليا طلباً للنجاة المشتركة بدل الهلاك المشترك، ولكن بعد ان قتلوا نحو سكان أوروبا ودمّروا معظم القارة.

بيد أن هذه لحظة يجب العمل، كما أسلفنا، على استيلادها لا انتظار ولادتها، لان التدخلات الدولية الكثيفة في مجرى الصراع المشرقي، ستعمل دوماً على إيقاد نيرانه كلما بدا أنه بدأ يخمد، وعلى تقوية الطرف الضعيف لدفعه إلى مواصلة الحرب ضد الطرف الأقوى.

الحاجة هنا ماسة إلى ثلاثة أنموذجات(paradigm ) متقاطعة :

 

الأول، إحلال أنموذج التعاون والتكامل الأمني والاقتصادي الإقليمي مكان حروب الدول- الأمم الراهنة، سواء اتخذ ذلك الشكل الكونفدرالي بين الدول المكوّنة للمشرق المتوسطي(الذي يشمل تركيا وايران والعالم العربي)، أو مجرد المُجمّع التنسيقي. مع التأكيد إن هذا المشروع لا يشمل أبدا الكيان الصهيوني بل يعتبر وجود هذا الكيان احد العوامل المعطلة لوحدته وتعاونه ولذا ينبغي الوقوف  إلى جانب الشعب الفلسطيني في مقاومته لهذا الكيان واستعادة حقوقه وأرضه المحتلة.

 

 

والثاني: أنموذج لوعي جديد، وتوجهات روحانية جديدة، تمهّدان لولادة هوية مشرقية- حضارية جديدة مشتركة بين هذه الأمم، تكون هي التجسيد الحقيقي لكلٍ من الوحدة الجيو- ثقافية للإقليم ولذاكرته الجماعية المشتركة: هوية ديمقراطية وليبرالية تستند إلى النزعة التوحيدية الشاملة في كل الأديان السماوية التي تقوم على الاعتراف بالأخر، والتسامح، والتعاون، وإعلاء مصلحة الجماعة بالتساوق مع إطلاق طاقات الفرد وحرياته

الأنموذج الثالث هو تحويل هذه التوجهات إلى طرح عالمي يتحدّد فيه الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الإقليم، ومعه الشرق الآسيوي ، في محورين اثنين: المشاركة في العمل على استيلاد النظام العالمي الجديد مُتعدد الحضارات، ولعب دور الموازن بين الغرب وبين الشرق الآسيوي في التنافس الحتمي الذي سينشب بينهما حول طبيعة هذا النظام الدولي الجديد.

الأنموذج الأول، أي الكونفدرالية الإقليمية، تتطلّب بروز نخب إيرانية وتركية وكردية وعربية مشتركة في كلِ من السلطة والمجتمع، مدعومة بمجتمعات مدنية حيوية، تعمل بكد ودأب ليس فقط على توضيح القفزات الحضارية- الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن تحققها الأمم الأربع في حال أعادت بناء الوحدة الجيو- ثقافية والجيوسياسية والاقتصادية للإقليم، بل أيضاً على تصفية الحساب مع الانقسامات السايكولوجية التي تراكمت طيلة قرن كامل بعد انهيار الدولة العثمانية (وحتى قبل ذلك بكثير) ضد بعضها البعض.

ولذلك نحن اليوم بحاجة إلى وستفاليا عرقية ودينية أو مذهبية مشرقية  بين كل الألوان الإقليمية في المنطقة، قد تكون مدخلاً للخروج من أتون الحروب العبثية، واذا كان البعض يعتقد أن الضعيف والفقير لا يستطيع أن يطرح على القوي والغني أفكاراً لتغيير العالم، فليتذكّر أن البدوي الفقير محمد قوّض أعظم امبراطورتين عُظميين في عصرهما بفكرة التوحيد، وأن الإمبراطورية الرومانية العالمية ركعت لدعوة الراعي المُعدم السيد المسيح إلى الحب والمحبة، وأن بوذا الأمير المتقاعد من السلطة والمال، غزا بروحانيته التوحيدية قارة آسيوية ضخمة عجزت كل جيوش التاريخ الجرارة عن إخضاعها.

أجل. ثمة دور يبحث عن بطل في العالم، وثمة عالم يبحث عن هوية حضارية جديدة وحقيقية ومُتجاوزة تقود إلى حضارة عالمية جديدة تعترف بالاختلافات كما بالتشابهات، وتسعى إلى نظام عالمي وفق قيم وأسس مُصمّمة بوضوح لضمان مشاركة متساوية لكلٍ من الحضارات الرئيسة في العالم، أي الديمقراطية الكوزموبوليتية والحوكمة الكوزموبولوتية. والحضارة المشرقية  احد المرشحين للمساهمة في حيّز أساسي من هذا الدور.

وانطلاقا من ذلك ندعو كل المثقفين والناشطين والإعلاميين والدبلوماسيين وأصحاب المهن الحرة والهيئات والأحزاب والمؤسسات الفكرية والبحثية والاجتماعية في دول الإقليم المشرقي – المتوسطي للانضمام الينا في منتدى التكامل الإقليمي ولنتعاون سوية لنهضة هذا الإقليم نحو الأفضل.

 

الهيئة التأسيسية لمنتدى التكامل الإقليمي


: الأوسمة



التالي
إصلاح الأنظمة السياسية شرط أساسي لتقدم الأمة
السابق
جدلية الدور العثماني في تسليم ليبيا للمحتل الإيطالي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع