البحث

التفاصيل

يا شعب مصر.. قبل أن تنقذونا أنقذوا سيناء

الرابط المختصر :

"صفقة القرن" عنوان غامض يظهر ثم يختفي دون أن يحيط بفحواه غالبية المصريين، وأما "البعض" الذين سمعوا به وأحاطوا بأبعاده المروعة على مستقبل مصر، وسيادتها على جزء عزيز من أرض الوطن.. سيناء.

هؤلاء لم يعرفوا بصفقة القرن إلا من الإعلام الصهيوني والدول الغربية.

بينما غض إعلام الانقلاب في مصر -فضلاً عن أجهزة الانقلاب التنفيذية- الطرف عن الصفقة، وكأنما تحدث في إحدى جمهوريات الموز وليست على أرض الكنانة.. أو كأن المعنيّ بها شعب تاهيتي وليس الشعب المصري.

صفقة مريبة تشارك فيها أطراف عربية وصهيونية برعاية أميركية أوروبية، تهدف إلى إقامة دولة صهيونية خالصة - مع بقاء ملكية فلسطينية ضئيلة - على كامل التراب الفلسطيني الذي يحتله الصهاينة الآن ويقيمون عليه دولتهم المغتصبة، بحيث يكون الجزء الشمالي الشرقي من سيناء الحبيبة هو الوطن البديل لملايين الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم في عملية لتبادل الأراضي بين العدو الصهيوني والسلطة الفلسطينية، يشارك نظام الانقلاب فيها بهذا الدور الخسيس، فيقدم أرض سيناء على طبق من ذهب للصهاينة والمقابل معروف، إنه الإبقاء على قائد الانقلاب في سدة الحكم وتأمين استمراره كضمانة لتحقيق مصالح الكيان الصهيوني وحلفائه في مصر والمنطقة بأسرها.

معه بكل أسف طغمة من الحكام العرب المتصهينين الذين اهتزت عروشهم تحت وقع هتافات الربيع العربي ودعوات التحرر الشعبي من قيود الدكتاتورية والتسلط في هذه البلاد ويفتحون خزائنهم لتمويله.

استجاروا بالكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين، وربطوا وجودهم بوجوده، ومصالحهم بمصالحه، واستمرارهم باستمراره، وتباروا في تحقيق متطلبات الأمن الصهيوني ومستهدفات اليمين المتطرف هناك، وصاروا في ذلك "ملكيين أكثر من الملك".

ويرعى هذه الصفقة و يشرف على الإعداد والإخراج لها المحافظون الجدد ورعاة الحروب الإقليمية والأهلية والفوضى المدمرة في الولايات المتحدة، واليمين العنصري في عدد من الدول الأوروبية.

***

يعنينا في هذا المقال ما يتعلق بمصر الحبيبة، وبسيناء الغالية تحديداً، فقد جاء الانقلاب الدموي فدمر مقدرات البلاد بأكملها، وليس التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لاحت بشائره مع ثورة يناير العظيمة فحسب، ولكنه جاء كجزء من مشروع إقليمي كبير يعيد تخطيط المنطقة وتقسيم حدودها ومناطق نفوذها من جديد على محاور ومراحل مختلفة.

والمشروع الأهم والأكبر بداخله هو صفقة القرن التي سبق الترويج لإطارها العام (ولبعض تفصيلاتها على استحياء) من قبل بأسماء مختلفة لجوهر واحد مثل: "الشرق الأوسط الكبير"، و"الفوضى الخلاقة".

***

فكيف تطورت الأمور في سيناء منذ بداية الانقلاب وحتى وصلنا إلى هذا الوضع المزري الذي يأباه كل مواطن مصري شريف؟

أولاً: تم عزل سيناء تماماً عن الوطن بأكمله، فتحول نفق أحمد حمدي وكوبري السلام من حبل سري يربط سيناء بالوطن الأم إلى ما يشبه بوابات الحدود بين دولتين غير صديقتين مع الأسف، وبعد أن تفاعل أهل سيناء تفاعلاً كبيراً مع ثورة يناير العظيمة، وشعروا أنهم قد عادوا مرة أخرى جزءاً لا يتجزأ من الوطن المصري، إذا بقرارات متعجرفة، وإجراءات غاشمة تعيد فرض العزلة التامة على هذه البقعة الغالية، التي كانت دائماً بوابة مصر الشرقية، والحارسة لها.

ثانياً: تم إجلاء المواطنين في الشريط الحدودي مع قطاع غزة من دورهم ومساكنهم وممتلكاتهم. 
ثالثاً: تم تدمير الأنفاق التي كانت -مع إغلاق المعابر بين سيناء وقطاع غزة- شرايين حياة للسكان الفلسطينيين، فاكتمل خنق القطاع بالكامل وإحكام الحصار على مليوني فلسطيني حتى يثوروا ضد حكومة حماس التي تدير القطاع، بغية إخضاعها للضغوط من قبل الانقلاب حتى تلين مواقفها مع السلطة الفلسطينية، وتقبل بالمصالحة بشروطها القاسية، وتقلل من علاقاتها ببعض دول المنطقة التي لا يتوافق معها نظام الانقلاب في مصر وأعوانه.

رابعاً: أعلن الانقلاب الحرب على سيناء بعنوان خادع هو "الحرب على الإرهاب"، فقتل مئات من أبناء سيناء، واعتقل آلافاً من الشباب السيناوي، وأصبحت الحياة لا تطاق بالنسبة لكل المواطنين والقاطنين (الذين انتقلوا من الدلتا إلى سيناء للعمل)؛ لأن مواردهم أصبحت شحيحة، فلم تعد هناك تنمية زراعية ولا صناعية، ولا حركة تجارية، ولا سياحة في جنوب سيناء - سقط في أتون هذه المواجهة التي سعرها نظام الانقلاب، وكان وقودها هم رجال الشرطة والقوات المسلحة في مواجهة أبناء سيناء، فسقط من الجانبين مئات القتلى والجرحى، فلا يكاد يمر أسبوع إلا ويتم تشييع الضحايا وإراقة دماء المصريين من الجانبين، في حرب مجنونة لا يعلم لها عاقل سبباً جوهرياً.

حرق الأرض وتهيئة المسرح لتمرير صفقة القرن "حيث يُصعد إعلام الانقلاب حملة كراهية ضد سيناء وأهلها، ويصورها -خلافاً للحقيقة- على أنها بؤرة الشر والقتل، وتصبح كابوساً يتمنى المصريون التخلص منه، فإذا وصلوا لهذا الشعور تأتي اللحظة الحاسمة والفرصة السانحة لتنفيذ التنازل عن الأرض التي لن يبكيها أحد.

وهنا تجب المقارنة:

أولاً: بين عدد وطبيعة العمليات العسكرية التي تمت بعد الثورة، سواء في فترة المجلس العسكري أو في العام الذي حكمه الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، والتي كانت عمليات محدودة لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة لأغراض محددة واضحة، ليس فيها بالطبع الضرب في السويداء، وإنما إقرار الأمن والتعامل القانوني مع الجريمة ليس إلا.

ثانياً: المقارنة بين الاستراتيجية الدموية الحالية والاستراتيجية التي اعتمدتها إدارة الرئيس مرسي حيال سيناء، والخطة التي اعتمدت العمل في سيناء على محاور أربعة تعمل جميعها على التوازي:

1- المحور التنموي: ويعمل على جلب استثمارات جديدة لسيناء، واعتماد خمسة مليارات في الميزانية الجديدة لدعم التنمية، واستحداث آلاف الوظائف الجديدة في داخل الإقليم.

2- المحور السياسي: ويعمل على تشجيع إدماج العواقل السيناوية والقبائل والشباب السيناوي في العملية السياسية، وزيادة نسبة تمثيلهم في المؤسسات السياسية والمبادرات المختلفة بهدف تذويب الجليد الذي تراكم على مدار عقود، و"تطبيع" علاقة المواطنة وتأكيد وتمتين الانتماء للوطن، والاشتراك في مصر الثورة.

3- المحور الفكري "التوعوي" لترشيد الأفكار وتشذيبها انطلاقاً من أن الفكرة لا يطورها ولا يغيرها إلا فكرة مثلها، بينما المدفع والرصاص والعمليات العسكرية لا تغير الأفكار.

أهمية صفقة القرن بالنسبة للصهاينة ليتمكنوا من تجريد الفلسطينيين وتوطينهم سيناء (الوطن البديل) بتواطؤ أميركي/ فلسطيني/ عربي (مع الأسف والخجل)؛ لتخلو أرض فلسطين للصهاينة.

دخل أمراء وشيوخ متصهينون مع مصر والأردن كشركاء في الصفقة المشبوهة، أما من سيقدم التنازلات عملياً فهم الفلسطينيون والمصريون، فيحصل الفلسطينيون على الأرض البديلة - بينما يقدم نظام الانقلاب أرض مصر ويمزقها - كما سبق وقدم للإثيوبيين مياه نيلها، والثمن معروف وواضح في جميع الحالات، وهو الإبقاء على قائد الانقلاب في كرسيه لأطول فترة ممكنة.

***

يا شعب مصر العظيم.. لم يعُزكم الذكاء يوماً ما، ولا تعوزكم الفطنة ولا الوعي، ولا تعوزكم الهمة ولا عشق تراب الوطن.. لكننا نحتاج اليوم إلى رص الصفوف.. إلى الاجتماع على مصلحة الوطن والتعالي على المصالح الحزبية.. إلى نسيان ضغائن الماضي بين محبي الفداء للوطن.. إلى التحرر من الخوف، فالتاريخ لن يرحم أحداً، والأجيال القادمة لن ترحم متهافتاً في حقها.. أزيحوا كابوس الانقلاب، واستحضروا روح يناير 2011 من جديد.. حماكم الله وحمى مصر الحبيبة من كل سوء. 
 "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" صدق الله العظيم. 


: الأوسمة



التالي
وثيقة القيم الشيطانية
السابق
افتتاح أعمال مجلس الأمناء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في العاصمة التركية اسطنبول

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع