البحث

التفاصيل

"القره داغي" من المؤتمر الديني الدولي بجمهورية طاجيكستان

"القره داغي" من المؤتمر الديني الدولي بجمهورية طاجيكستان :

لا يجوز اتهام الإسلام بشيء ليس فيه فهو أبعد ما يكون عن التطرف والإرهاب

ألقى الأستاذ الدكتور علي القره داغي – الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – اليوم الأربعاء 22 يوليو 2015م كلمة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الديني الدولي الذي تنظمه جمهورية طاجيكستان حول تصور الإسلام لمواجهة التطرف والتشدد والإرهاب وذلك في العاصمة الطاجيكية "دوشنبه" ، حيث أكد فضيلته أنه لا يجوز اتهام الإسلام بأي من التطرف لمجرد أن بعض أتباعه يمارسون هذا التطرف ، وبخاصة أن العالم لم يتهم المسيحية كديانة بالتطرف والإرهاب رغم ما فعله المسيحييون بمسلمي البوسنة والهرسك ، كما أنه لم يتم اتهام اليهودية كديانة بالتطرف والإرهاب رغم ما يرتكبه الصهاينة من جرائم على أرض فلسطين ، وكذلك لم يتهم العالم البوذية بالإرهاب رغم ما يعانيه مسلمي الروهينغا على يد بوذيين ، لذا يجب الفصل تماماً بين المنهج الإسلامي الذي يدعو للوسطية وعدم الانحراف أو التطرف أو الإرهاب وبين مارسات البعض هنا أو هناك حيث يجب الوصف لتلك المجموعات وليس للدين .

وحذر القره داغي من اقتصار بعض الدول على استخدام الحلول الأمنية فقط في مواجهة التشدد والانحراف ، مؤكداً أن هذا الأمر لن يجدي نفعاً والتجارب والتاريخ يؤكدان ذلك ، حيث يجب تناول المشاكل بتحليلها من جذورها والنظر في أسبابها وعوارضها وأمراضها التي تسببها ، ومن ثم وضع العلاج بمنتهى الحكمة من قبل الجميع حكاماً وعلماءً ومفكرين وغيرهم .

وجاءت كلمة الأمين العام على النحو التالي :

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
أيها السادة الكرام، أصحاب السعادة والفضيلة
يشرفني أن أكون معكم في هذا المؤتمر الدولي حول الإرهاب ممثلاً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأن أنقل إليكم تحياته رئيساً، ومجلس أمناء، وأمانته العامة، داعين الله تعالى لكم بالتوفيق، وبأن يزيد هذا البلد، طاجيكستان، بلاد العلم والحضارة، بلاد الإمام البخاري وأبي الليث السمرقندي، أمناً وأمانا، وقيادته الحكمة والرشاد، وشاكرين جهود المنظمين في حسن التنظيم، وعلى الحفاوة البالغة التي قوبلنا بها وحسن الاستقبال.

أيها الإخوة والأخوات
يمر العالم اليوم بمنعطفات خطيرة، وأزمات وتحديات متنوعة اقتصاديا، وسياسياً، واجتماعيا، وإنسانياً، ولكن نصيب عالمنا الإسلامي والعربي منها أكبر، فهو نصيب الأسد في المشاكل، والمصائب، والأزمات المتنوعة، على رأسها الفتن القاتلة، والإرهاب الذي عمّ البلاد، والعباد، والحروب الداخلية المدمرة، ولاسيما في سوريا والعراق، وليبيا، بالإضافة على الأوضاع المزرية في فلسطين وبخاصة في القدس، وغزة، والإبادة الجماعية في الأقلية المسلمة الروهينجا، ميانمار، وفي أفريقيا الوسطى، وأماكن أخرى كثيرة.


إن التفرق بين المسلمين اليوم ليس بين الدول الإسلامية فقط، وإنما بلغ الشعوب المسلمة، التي مزّقتها الأفكار المتطرفة، والأيديولوجيات الدخيلة، إلى فرق وطوائفة، يكفر بعضها البعض، ويحارب بعضها البعض داخل الشعب الواحد أيضاً.


هذا الوضع الخطير يستدعي وقفة شاملة، يستوجب البحث لهذه المشاكل عن جذورها وأسبابها، وعوارضها وأمراضها، ويفرض على الرؤساء، والعلماء، والمفكرين أن يعالجوها بمنتهى الحكمة، ومن خلال دراسات ومؤتمرات، وحلول عملية جادة، وصادقة، ومنصفة، وشاملة للجوانب الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تتجه فقط نحو الحلول الأمنية والعسكرية، التي دلّت التجارب الكثيرة على عدم قدرتها وحدها في اجتثاث هذه المشكل، وعلاجها العلاج الصحيح الناجح.


في اعتقادي أن دعوة طاجيكستان مشكورة لعقد هذا المؤتمر تقع في هذا الإطار، وتدخل ضمن البحث الشامل للحلول الشاملة، ونسأل الله التوفيق والسداد.


أصحاب السعادة والفضيلة والسماحة...


لابد أن نعلم أولاً بأن الإرهاب بمعنى تخويف الآمنين، والمدنيين، من الأطفال والشيوخ، والمصلّين في دور العبادة لأي طائفة، ليست بالإسلام من شيء، بل يتعارض مع تعاليمه، ومع رسالته التي حصرت في الرحمة، فقال تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (سورة الأنبياء 107)، ومع قرآنه الذي يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم، وتتكرر الرحمة والرأفة فيه مئات المرات، ولا مع تعاليمه، حيث يبدأ المسلم باللقاء مع الآخر بالسلام، وينهي صلاته بمنح التعهد بأن يكون سلاماً ورحمة وبركة، لا خوفاً وشدة وشراً وايذاءً، على جميع من في يمينه ويساره، فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


لذلك لا يجوز وصف "الإسلام" بالإرهاب لا نصاً، ولا واقعاً، ولا عدلاً، ولا تأريخاً، ولا سيرة.


إن الإرهاب ظاهرة عالمية لا دين له، كما أننا نحن المسلمين لا نتهم الديانة المسيحية بالإرهاب، مع أن الصربيين قد ارتكبوا مجازر بشرية في البوسنة، حتى وصفتها الأمم المتحدة بالإرهاب والجرائم ضد البشرية، ومع ذلك لم نتهم الدين المسيحي بذلك، وكذلك ما فعلته الصهاينة في غزة من جرائم خطيرة، ومع ذلك لا نتهم الديانة اليهودية، وكما فعلته حكومة ميانمار ضد الأقلية المسلمة من الإبادة الجماعية، حتى وصفتها الأمم المتحدة بأنها أكثر الجرائم بشاعة في التأريخ المعاصر، ومع ذلك لم نتهم الدين نفسه، وهكذا أيضا فلا يجوز أن نتهم هذا الدين العظيم "الإسلام" بالإرهاب بسبب فئة قليلة ترتكبه.


سادتي...
إن للإرهاب أسبابه الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية، وقد أثبتت التجارب السابقة أنه لا يمكن النجاح في حله إلا بعلاج أسبابه وجذوره، وإن من أهم أسبابه سببين، أولهما: الفكر المتطرف الذي نشأ في ظل التكفير والتفسيق، وتوسيع دائرة البراء لتشمل البراءة من معظم أهل القبلة، الذي تبنته جماعة السلفية المحتسبة بقيادة جيهيمان العتيبي، الذين احتلوا الحرم المكي العظيم عدة أيام في عام 1980، وفي بداية القرن 15 الهجري ، وقتلوا داخل الحرم عشرات من المسلمين، ثم تم القبض عليهم وقتلهم من قبل المملكة، فسبحان الله، انظر إلى الانحراف الفكري إلى أيّ مدى يصل، يصل إلى استشهاد أمير المؤمنين علي "رضي الله عنه" أسد الله المبشر بالجنة ، وزوج فلطمة الزهراء (رضي الله عنها) على أيدي الخوارج في السابق، واحتلال الحرم المكي وقتل الناس فيه، ذلك الحرم العظيم الذي يقول فيه رب العالمين "ومن دخله كان آمناً".


ومما لا شك فيه إن هذا الفكر المتطرف إنما يُعالج بالفكر الإسلامي الوسطي المعتدل القائم على اللين والرحمة، لا على الشدة والزحمة، وعلى اليسر ورفع الحرج، لا على العسر والمشقة، وعلى الولاء لجميع أهل القبلة، لا على التكفير والتفسيق لمعظمهم، وعلى جمع الأمة على الثوابت، والمقاصد والكليات، لا على تفريقهم بسبب الذرائع والجزئيات، وعلى الحضارة والتقدم العلمي، والبناء، والتنمية الشاملة، لا على الجهل، والتخلف، والهدم، والتدمير.


وأما السبب الثاني للإرهاب في العالم الإسلامي: فهو الفكر المتطرف الذي نشأ وترعرع في ظلال الاستبداد، والدكتاتورية، وسجون القهر والعذاب بمصر في الخمسينيات، الذي تبنته جماعة التكفير والهجرة، وقتلوا فيما بعد الشيخ محمد الذهبي (رحمه الله) وزير الأوقاف المصري، وأيضا جماعة الجهاديين في مصر في الثمانينات من قرن 20، وهذا الفكر عولج في مصر بالإضافة إلى الجانب الأمني، من خلال منح هامش من الحرية في عهد الرئيس المصري سادات، ومن خلال منح المجال للعلماء المقبولين من أمثال الشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي حيث تراجع قادتهم وكتبوا مراجعاتهم الفكرية في 17 جزءاً، وخرجوا من السجن والتزموا بالسلمية.


لذلك فالحل هو معالجة الفكر المتطرف بالفكر الوسطي المعتدل، فكما يقال في المثل ( لا يفل الحديد إلا الحديد)، في ظل أجواء من الحرية والديمقراطية تتيح للدعاة والعلماء المعتدلين بمناقشة هؤلاء المتطرفين ليعودوا إلى رشدهم بقناعة.


وهذه التجربة ليست جديدة بل هي تجربة سيدنا علي رضي الله عنه حينما خرج عليه الخوارج فكفّروه، فلم يكفرهم، وإنما بعث إليهم ابن عباس فناقشهم فعاد معه حوالي ثلثين منهم، ثم حاربوا الذين أبوا إلا الحرب.
نحن في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يضم عشرات آلاف من العلماء والدعاة لدينا تجارب ناجحة في هذا المجال، ولا سيما فإننا في الاتحاد لا يمكن أن نحسب على علماء الحكومات، لأننا مستقلون نحب الخير لأمتنا ودولهم وشعوبهم، ولسنا محسوبين على دولة، ولا جماعة، لأن الاتحاد يشمل – بفضل الله تعالى – معظم علماء الأمة من جميع المذاهب والطوائف، ونحن نضع كل إمكانياتنا أمامكم، وأمام أي جهة تريد الخير لأمته، والرقي لشعبه، للمساهمة جميعاً في إخراج أمتنا من هذه التحديات، والنهوض بها نهضة شاملة.


أيها الإخوة والأخوات
إن الله تعالى لم ينزل رسالته الخالدة لتشقى هذه الأمة "طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى " (سورة طه 1-2) ، بل ليكون شفاء ورحمة للناس أجمعين، ولم يرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب الخلق العظيم، إلا لنشر القيم السامية، والأخلاق العظيمة، ولذلك طلب من هذه الأمة أن تعيش لأجل الناس وخدمتهم وتوصيل الخير إليهم وهنا تأتي الخيرية "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ" (سورة آل عمران 110)، إن هذه الخيرية نابعة من تقديم أعظم الخدمات والمنافع للناس، واراد الله تعالى أن تكون وسطاً أي معتدلاً، ومتوازناً، وعدلاً، وخيراً، ويكون لهم الشهود الحضاري والعلمي، ليكونوا شهداء على الناس، يدعون إلى الخير "أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" (سورة المؤمنون 61).


ومن هذا المنبر، وباسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أوجه رسالة إلى أمتنا الإسلامية حكومات وشعوباً، وشباباً وعلماء، ببذل كل الجهود للوحدة والتعاون والمصالحة الشاملة، وبتبني المنهج الإسلامي الوسطي المعتدل الذي يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق، ويهتم بصناعة الحضارة والحياة لا بصناعة التخلف والموت والتدمير، فديننا دين العلم والرحمة والبناء فأول آية فيه هو الأمر بالقراءة ة العلم (اقرأ) وأمتنا صنعت الحضارة في وقت كان العالم يعيش عصر التخلف والخرافات والتخلف، فأمتنا، وكل شعب من شعوبها محتاجون إلى الحفاظ على طاقات شبابها وتوجيهها نحو العلم والتنمية والإبداع، وإلى أن تقوم الحكومات برعاية مقومات النهضة والحضارة في ظل أجواء الحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.


فالحل الأمثل لمشكلاتنا هو الحوار الهادئ الهادف والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي الأحسن، والتعامل باللين والرفق (فما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما دخل العنف في شيء إلا شانه).


والتجارب كلها تدل على أن القتال بين المسلمين شر وفتنة وندامة وليس جهاداً، فالجهاد الحق والجهاد الكبير حسب تسمية القران هو الدعوة ونشر الإسلام بالبيان والإعلام (وجاهدهم به جهاداً كبيرا) (الفرقان 52).


كما أن الجهاد الداخلي هو جهاد النفس والشيطان، وأما الجهاد بمعنى القتال فهو لرد العدوان ومنع الظلم، وحرية الدين والعبادات، وقد كان محظوراً في العصر المكي فأباحه الله لهذه الأسباب لقوله تعالى(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج 39)

 

 

 

وفي الختام أكرر شكري وتقديري لطاجيكستان رئيساً، وحكومة، وشعباً، وللجهة المنظمة، ولكم أيها العلماء والمفكرون الأجلاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أ.د. علي محيي الدين القره داغي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

 

 

 

 


: الأوسمة



التالي
ارتفاع عدد النواب المسلمين في برلمان 2015 البريطاني
السابق
ملخص التقرير السنوي للاتحاد 2013

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع