البحث

التفاصيل

يوميات الغوطة.. الأسد وحلفاؤه يجوعون الرضع حتى الموت

يصر النظام السوري وحلفاؤه على استخدام التجويع سلاحًا رئيسًا في الحرب السورية، سلاح يمكن استخدامه حتى بعد توقيع اتفاقيات خفض التوتر التي تتم برعاية دولية وتقضي بفك الحصار. واحدة من تلك المناطق التي عانت من هذا السلاح كانت الغوطة الشرقية في ريف دمشق، فبعد مرور ثلاثة شهور على وقوعها ضمن المناطق الأربع التي شملها اتفاق خفض التصعيد، القاضي بفتح الطرق للتجارة ووصول المعونات، لا تزال المنطقة التي يبلغ عدد سكانها 350 ألف مدني، يعانون من الحصار والجوع.

أطفال الغوطة لا يعرفون طعم الحلوى أو الفاكهة

حملت ذاكرة الطفلة «نور» وهي في الثامنة من عمرها، بعضًا من الذكريات عن أنواع البسكويت والفاكهة التي رأتها وهي في الرابعة من عمرها، فسألت أمها بلهجة أهل الغوطة (ريف دمشق) : «ماما ليش نحنا ما عنا من هالأشيا»؟ حينها أجابت الأم بعفوية: «ماما بس نروح من الجنة فيها كل شي، رح تاكلي من كل شي».

اعتقدت الأم أن جوابها قد يُصمت ابنتها عن التفكير، لكنها صُدمت عندما سمعت لدعاء نور بأن تقصفهم الطائرة، كي يموتوا ويذهبوا إلى الجنة، هذه القصة التي تخبرنا بها الناشطة السورية المقيمة في الغوطة «سيدرة محمد» تضع «ساسة بوست» في حقيقة المأساة التي يعيشها أطفال الغوطة، فهم لا يعرفون شكل وطعم المسليات الخاصة بهم منذ خمس سنوات على الأقل.

كان في جعبة «سيدرة» الكثير من المشاهد المؤثرة، رأت بالأمس امرأة طاعنة في السن تمشى على عكاز طبي، وتتنقل في الشوارع بحثًا في القمامة عن كل شيء يمكن أن يحترق لتطهو الطعام عليه، فقد ارتفعت أسعار البنزين والمازوت لتصل 13 دولارًا للتر البنزين، وخمسة دولارات للمازوت. تقول «سيدرة» عن هذه المرأة: «هاجرت من منطقة المرج بعد هدم منزلها جراء قصف الطيران، واستشهد عدد من أفراد عائلتها، وتسبب القصف بإصابة اثنين من أبنائها الناجين بالشلل».

تسير «سيدرة» يوميًا ما لا يقل عن عشرة كيلومترات بحثًا عن القليل من الأرز أو المعكرونة أو السكر، وكثيرًا ما تتراجع عن قرار الشراء بسبب غلاء سعرها، وتقول لـ«ساسة بوست»: «وقية السكر (100 جرام) وصل سعرها 1500 ليرة سورية، والملح صار سعره كالذهب بالجرام»، حيث يعاني سكان الغوطة الشرقية من قلة المواد الغذائية من أرز وعدس وبرغل وزيت وشاي وارتفاع أسعارها إلى نحو 10 أضعاف، تقول سيدرة :«اليوم الذي يحصل فيه الشخص على رغيف واحد هو يوم عيد تحقق فيه حلم».

لسد الرمق حليب بقري للصغار ودقيق الشعير للكبار

«يبدو أنّ مشهد المجاعة والقصف في الغوطة قد بات عاديًّا في عيون العالم خارجها، وأنّ العالم الإنساني الذي التفت إلينا لوهلة في أول حصارنا، قد بات يعدّنا عبئًا على كاهله، ولم يعد يأبه لحالنا رغم ما نمرّ به من ظروف لا مثيل لها في القسوة»، بهذه الكلمات خاطب بيان حملة الاستغاثة التي أطلقها نشطاء سوريون في محاولة لإنقاذ الغوطة الشرقية لدمشق.

لقد أحكم النظام السوري حصار الغوطة في العام 2013، وكانت وتيرة الحصار ترتفع وتنخفض خلال تلك السنوات الخمس حتى اشتدت بشكل كبير في الشهرين الأخيرين، فأغلق معبر «مخيم الوافدين» الوحيد الذي كانت تدخل عبره المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية ويتنقل من خلاله المدنيون.

يقول الناشط الإعلامي المتواجد في الغوطة «أنس الدمشقي» إن المعبر كان يخرج عبره بعض المواد لمناطق النظام وتدخل في المقابل المواد الغذائية الدولية للغوطة، لكن تفاقم الإغلاق منذ شهرين وزاد الوضع المعيشي لسكان الغوطة ليصل درجة خطيرة للغاية، فحالات سوء التغذية تزداد بسبب معاناة الأمهات أثناء الحمل من سوء التغذية، ويضيف لـ«ساسة بوست»: «لا يوجد حليب أطفال صحي، يعتمد الناس هنا على حليب بقري تسبب في تراجع صحة الأطفال، يوجد أيضًا ما يقرب من 300 طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، أدويتهم أصبحت غير متوفرة في الغوطة»، ويستدرك «الدمشقي» القول: «حتى لو فتح الطريق فلن تتوفر أدويتهم، لأنها حصرًا تباع في مناطق الصحة التابعة للنظام، والمشافي في الغوطة استنفدت مخزونها من الأدوية».

فقد أيضًا العلاج الكيماوي لمرضى السرطان جراء اشتداد الحصار، بعد أن كان يتم الحصول عليه عبر طرق التهريب، وأصبح الموت يهدد حياة 559 مريضًا يقيمون في الغوطة، وحسب ما يفيد المركز الوحيد لعلاج الأورام والسرطان، فمنذ أكثر من خمسة أشهر لم يدخل أي دواء إلى المركز، الأمر الذي تسبب في ارتفاع معدل الوفيات التي استحال خضوعها للبروتوكول الكيميائي الكافي.

ويضعنا «الدمشقي» في مقارنة لفهم مدى ارتفاع الأسعار فيقول: «سعر ربطة الخبز وصل في الغوطة لـ1200 ليرة، بينما في دمشق سعرها 300 ليرة، كان هناك مشروع لدعم الخبز من قبل منظمات تابعة للمعارضة، خفض سعر ربطة الخبز لـ700 ليرة إلا أن المشروع لم يستمر أكثر من شهر بسبب فقدان مخزون الدقيق، هذا الوضع أعجز الغالبية عن شراء الخبز، فاضطروا لطحن الشعير وخبزه».

سوء التغذية يفتك برضع الغوطة

تناقلت وسائل الإعلام خلال الساعات القليلة الماضية صورًا مفجعة، لأطفال رضع أظهرت أجسادهم الهزيلة هياكلهم العظمية، فيما كان الأهالي والأطفال يجاورون الصغار دون حول لهم ولا قوة لعلاجهم أو إطعامهم.

لم تحتمل الرضيعة «سحر ضفدع» العيش أكثر من 34 يومًا، فحصار الغوطة فاقم من سوء التغذية الذي ولدت به، ولم تنجح محاولات العاملين في مشفى دار الشفاء في مدينة حمورية بإنقاذها، كان والداها عاجزين تمامًا عن توفير القوت اليومي لهما، الأمر الذي نقل سوء التغذية من الأم للطفلة.

ويظهر الفيديو الذي بثته الوكالة الطفلة بجسد عارٍ وهزيل للغاية وتبرز عظامها بوضوح، لقد كان نصيب «سحر» الطفلة البكر لوالديها أن مصور وكالة «الصحافة الفرنسية» تواجد في اللحظات الأخيرة لاحتضارها، إذ تتواجد العشرات من حالات سوء التغذية الشديد، وتظهر الأرقام أن أكثر من 25% من أطفال الغوطة الشرقية يعانون من نقص تغذية شديد، نتيجة حصار النظام السوري لهذه المنطقة منذ ما يقارب خمس سنوات، وتعاني معظم الأمهات المرضعات في الغوطة الشرقية من حالات سوء تغذية بسبب قلة الغذاء والوضع النفسي، جراء الحرب والحصار، ما يؤدي إلى قلة إدرار الحليب.

يقول طبيب الأطفال ومدير القسم الطبي في المنظمة الإنسانية «يحيى أبو يحيى»، إن: «فروع مركز الحكيم وعددها 11 في الغوطة الشرقية استقبلت في الأشهر الثلاثة الأخيرة حتى الآن 9700 طفل، يعاني 80 منهم تقريبًا من سوء تغذية حاد شديد ومائتان آخرون من سوء تغذية حاد متوسط»، ويبين في تصريحات لوكالة «الصحافة الفرنسية» أن: «4000 طفل آخرين يعانون من درجات مختلفة من الحاجة إلى المغذيات الدقيقة، وهذا مؤشر خطير جدًا وكبير».

في نهاية سبتمبر (أيلول) العام 2013، وبينما كان أهالي الغوطة يواصلون يومياتهم تحت وطأة الحرب، يذهبون للجامعة والمستشفى وزيارة الأقارب في دمشق العاصمة، قرر النظام السوري إغلاق الطرق المؤدية إلى هذا الريف بشكل فجائي.

هذا القرار تسبب في فاجعة لا يزال يعاني منها الكثير من أهالي الغوطة، إذ لم يستطع من كان خارج الريف العودة، بعضهم احتوته بيوت الأقارب وآخرون تشردوا في شوارع دمشق، بعد صد حواجز «الشبيحة» عودتهم لبيوتهم، موقع «أورينت نت» السوري ينقل عن أحد أبناء دمشق حوارًا سمعه بين طفلتين جلستا بالقرب من منزله، قالت طفلة للأخرى: أنا لم أشاهد أمي منذ خمس سنوات.. وأنتِ؟! أجابت الأخرى بالقول: نحن لم نقابل أهلنا منذ سنة وستة أشهر، كنت بصحبة جدتي لشراء بعض الحاجيات في دمشق من قبل إطباق الحصار.

اضطرت أيضًا الطالبة الجامعية «حنان» للبقاء في دمشق بعيدًا عن أهلها في الغوطة، وقد اختارت البقاء عند جدتها الدمشقية رغم أنها الوحيدة لأهلها، تقول إنها: «لو علمت بما ستمر به الآن لآثرت قساوة الحصار على شهادتها الجامعية وأحلامها»، وتضيف لـ«أورينت نت»: «أتواصل مع أهلي كل أسبوعين بمكالمة هاتفية لا تغني عن اللقاء منذ عامين.. إنه شعور لا يوصف».

لماذا لا يلتزم النظام وحلفاؤه باتفاقيات خفض التوتر؟

يفسر تصعيد الحملة العسكرية على الغوطة برغبة النظام وحلفائه إجبار مؤسساتها المدنية على القبول بشروطهم في المحادثات المزمعة في أستانا.

يؤكد لنا السياسي السوري ورئيس هيئة الإنقاذ السورية «أسامة الملوحي» أن روسيا تحاول إيهام العالم أن مفاوضات الأستانة وما يخرج عنها لها وضع أممي قانوني رغم شبه الغياب الأمريكي في الاجتماعات، وروسيا تحرص على حضور مبعوثها «ديمستورا» لتعزز هذا الوهم، رغم أن ديمستورا أثبت عدة مرات أنه مبعوث مشكوك فيه ووسيط منحاز ضد الثورة السورية بحسبه.

ويوضح لـ«ساسة بوست»: «استصدرت روسيا في ديسمبر (كانون الأول) عام 2016 قرارًا (2336) من مجلس الأمن فيه إطار عام استغلته روسيا أيضًا لتعزيز قانونية اجتماعات الأستانة ومخرجاتها، لكن حتى ضمن حدود هذا القرار الأممي (الروسي) لم يلتزم النظام السوري بأي مخرجات واتفاقيات وتمت عمليات خرق الهدن والقيام بعمليات قتالية هجومية من قبله ومن قبل حلفائه بشكل مستمر ممنهج»، ويضيف «الملوحي»: «هم يحاولون التذرع دائمًا بتطبيق قرارات مجلس الأمن بخصوص الوضع في سوريا ليضفوا القانونية الدولية والشرعية الأممية، رغم تعطل وعوق مجلس الأمن بوجود التطرف الروسي الفاضح في تأييده لجرائم بشار الأسد ووجود النفاق الأمريكي الواضح والتقلب الذي حير المعنيين داخل وخارج الولايات المتحدة».

مضيفًا: «سيحاول الروس عرض اتفاقيات الأستانة على مجلس الأمن بصياغات تناسبهم وتناسب بقاء بشار الأسد، تلك الاتفاقات التي كانت انتصارًا كبيرًا لبشار الأسد الذي سيقضم الأراضي المشمولة بخفض التوتر الأستانية وسيعود بالتدريج عبر عودة موظفيه وعبر الاختراقات والخروقات».

ويحمل «الملوحي» محمد علوش كامل المسئولية عن حصار الغوطة الحالي لأنه تصدر الواجهة في الاتفاقيات التي تخص الغوطة فيما يتعلق بخفض التوتر، والتي تؤكد على أن كل ما يخرج عن الأستانة هو مجرد خداع لا يلتزم بها النظام، حسب الملوحي.

ميرفت عوف - ساسة بوست


: الأوسمة



التالي
القره داغي يدين تفجير تونس ويصفه بالارهابي الجبان
السابق
رفقاً بأهل الوطن

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع