البحث

التفاصيل

تحرير الأسرى وحق العودة من أهم ثوابت الشعب الفلسطيني

الرابط المختصر :

   شهر وأكثر على إضراب الحرية والكرامة، على بدء معركة قادها وخاضها أسرانا الأبطال، وحدهم في الميدان يسطرون صفحاتها بنضالهم وثباتهم وصبرهم، العالم من حولهم يقف متفرجاً على معاناتهم وانتهاك حقوقهم، لا يحس بهم إلا أسرهم وذووهم، لا صدىً لمطالبهم إلاّ شعارات براقة لا تغني عنهم شيئاً، وكان الأمل أن يهب الشرفاء والأحرار وصُنّاع القرار نصرة لهم ولقضيتهم، كيف وهم الذين قدموا حريتهم دفاعاً عن دينهم ووطنهم وأبناء شعبهم، كيف وحريتهم السليبة من أهم ثوابت قضيتنا الفلسطينية التي لا تفريط فيها ولا تنازل عنها.

 

     إن إسناد أسرانا الأماجد في معركتهم التاريخية هذه يكون باستمرار العمل على تحريرهم بكل الوسائل، وليس مجرد وقفات هنا وهناك، أو شعارات وهتافات آنيّة تطلق ثم ينتهي الأمر، بل يجب على جميع فصائل العمل الوطني وقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية وضع مسألة تحريرهم على رأس سلم أولوياتها والعمل على تنفيذ ذلك.

 

     وإنه لمن المؤلم حقاً أن يتزامن إضراب أسرانا المجاهدين الصابرين مع ذكرى نكبة فلسطين، هذه الذكرى التي نعيش أجواءها الحزينة سنة تلو أخرى على مدى سبعة عقود، لا فرق يذكر بين أيّة سنة وسابقاتها، كلما مرت سنة استحضرنا فيها آلام اللجوء والغربة وضياع الهوية، واستذكرنا مؤامرة غرس الخنجر المسموم في قلب الأمة، واستعرضنا شريط الأحداث والمجازر الرهيبة في أذهاننا وكأنها خيال مرعب لولا أنها الحقيقة المرة الماثلة أمام أعيننا. 

 

     مهاجرون مغتصبون زحفوا في جنح الليل إلى فلسطين على حين غفلة من أهلها وأمتها، بعد أن مكثوا دهوراً منذ العهدة العمرية ممنوعين دخولها، فشكَّلوا عصابات همجية مارست كل أنواع الغدر والبطش والإرهاب، فدمرت مدنها وقراها واستولت على أراضيها وبيوتها، وذبحت وقتَّلت أهلها شيباً وشباناً وأطفالاً، وهجَّرت مئات الآلاف ممن بقي حياً منهم في شتى بقاع الأرض، فتسببت في نكبة متواصلة لشعب بأكمله لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، فقد اقتلعته من أرضه وهو المزروع فيها والمتجذّر في أرضها منذ فجر التاريخ راسخة هويته الحضارية على ترابها، وأقامت كيانها الاحتلالي الإحلالي التوسعي الاستئصالي على حساب تاريخه ووجوده.

 

     وجد الشعب الفلسطيني نفسه ضحية الانتداب البريطاني الذي أراد التخلص من اليهود في أوربا، فتعهد بإقامة وطنهم القومي في أرض فلسطين بإصدار وعد بلفور قبل مائة عام، ودعم هجرتهم غير الشرعية إليها، وقمع الثورات الفلسطينية والعربية التي هبَّت لمقاومتها، وأسهم بشكل كبير في صدور قرار التقسيم عن الأمم المتحدة، ولا يغرُّنا أن بريطانيا امتنعت يومها عن التصويت، فكانت الأمم المتحدة شريكة في نكبة شعبنا برعايتها هذا القرار وتنفيذه أثناء وقوع العمليات الحربية في فلسطين، ثم قبولها عضوية إسرائيل على الرغم من مخالفاتها لقراراتها وتحديها لمبادئها وممارسة عدوانها، وكان الأولى بالمنظمة الأممية إصدار قرار يمنح فلسطين استقلالها وتمكين اهلها من إقامة دولتهم على أرضهم.

 

     أما عن بدايات هذه النكبة فلم يكن لليهود أي وجود في فلسطين حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث كان عددهم نتيجة هجرتهم السرية إليها لا يتجاوز اثني عشر ألفاً، لكنه تجاوز الخمسة والثمانين ألفاً في العقد الثاني من القرن العشرين نتيجة عمليات التهجير المتسارعة والمدعومة من بريطانيا والقادمة من أوربا ودول العالم الأخرى. وبدأت العصابات الغازية بإنشاء مشاريع زراعية واقتصادية لحساب المستوطنين الجدد، وأنشئت لها تجمعات كبيرة من القرى والمدن على حساب الأراضي العربية الفلسطينية.

 

     وعلى الرغم من نص وعد بلفور على أن بريطانيا لن تجحف بحقوق السكان الأصليين في فلسطين إلا أنها لم تَفِ بهذا الالتزام، ولم تعمل على حماية حقوقهم المدنية أو الدينية أن تمسّ أو تنتهك.

 

     رفض العرب جميعاً والفلسطينيون السكوت على ما يجري، فاندلعت الثورات الشعبية في فلسطين منذ عشرينات القرن الماضي، ثم بدأت الإضرابات الشاملة تعم مدنها وقراها احتجاجاً على غصب الأراضي والممتلكات الذي تقوم به العصابات اليهودية المسلحة كالهاجاناه والأرجون بهجماتها العدوانية الدموية على الفلسطينيين،

 

     وبذريعة فشل الانتداب البريطاني في وقف هذه النزاعات فقد تم اقتراح تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية ووضع الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم تحت الإدارة الدولية، لكن العصابات الغازية رفضت الاقتراح وواصلت هجماتها على الفلسطينيين، وبدأت بمهاجمة قوات الانتداب البريطاني ذاتها للضغط على بريطانيا بهدف السماح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين بعد أن كانت تتظاهر بمنعها في الثلاثينات، وساعدها في تحقيق أهدافها تشكيل الحكومة العمالية في بريطانيا في الأربعينات، والضغط الذي مارسه الرئيس الأمريكي ترومن على بريطانيا ؛ مما تسبب في تكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين ورفع القيود على بيع الأراضي الفلسطينية لهم، وإحالة قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة.

 

     وفي عام 1947 قررت بريطانيا ترك فلسطين، ثم صدر قرار التقسيم، استغل اليهود ذلك فأعلنوا فوراً قيام كيانهم في 15/5/1948، وفتحوا باب الهجرة المكثفة من جديد لكل يهود العالم، فتغيرت التركيبة السكانية في فلسطين وأصبح اليهود أغلبية بعد ذبح أهلها وتشريد من بقي حياً منهم بالحديد والنار، فقد ارتكبت العصابات اليهودية العنصرية الحاقدة ضدهم أكثر من خمسين مجزرة مروّعة أودت بحياة عشرات الألوف منذ عام 1937، منها على سبيل المثال لا الحصر مجازر القدس وحيفا ويافا والرملة وبلد الشيخ والشيخ بريك وسعسع ودير ياسين وعين الزيتون وصفد والدوايمة والحولة، ومجازر أخرى كثيرة متفرقة وقع فيها شهداء كثر روت دماؤهم ثرى فلسطين الطهور.

 

     أما من نجا من القتل والغدر من الفلسطينيين والسكان الشرعيين لهذه الأرض المقدسة فقد هجروا وشردوا قسراً بالتخويف والرعب والإرهاب خارج مدنهم وقراهم، ويقرب عددهم من سبعمائة ألف مواطن، أقاموا في أنحاء من الأرض المحتلة عام 48 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، ويقيم كثير منهم الآن في الأردن وسوريا ومصر والعراق وبعض الدول الأجنبية، وينتظرون عودتهم إلى ديارهم وبيوتهم وممتلكاتهم. ولم يكتف الاحتلال بحرمانهم حق العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أخرجوا منها، بل يستميت في وأد حلمهم بحق العودة الذي نصت عليه قرارات الأمم المتحدة.

 

     إنني أؤكد مجدداً أن حق العودة هو جوهر القضية الفلسطينية ومن أهم ثوابتها ؛ فقد أرادت عصابات الاحتلال بالتآمر مع الانتداب البريطاني تصفية القضية بطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، لذا لا بد من عودة جميع اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها بقوة السلاح، وإن أي تجاوز لهذا الحق مرفوض باعتباره مؤامرة على القضية الفلسطينية.

 

     طالت سنين النكبة على الفلسطينيين وتواصلت سنة في إثر أخرى، حتى تجاوز عددهم اليوم سبعة ملاين ينتشرون في أصقاع الأرض ومنافيها، فباتوا يشكلون اليوم أكبر مجموعة لاجئين على مستوى العالم، وقضيتهم لا تزال أقدم قضية لجوء بين الشعوب المعاصرة.

 

     مضت كل هذه العقود ؛ وما زالت سلطات الاحتلال تمعن في إجراءاتها التعسفية ضد شعبنا، وفي تنفيذ خطواتها التآمرية لتهويد المدينة المقدسة ولتقويض المسجد الأقصى المبارك، وما زالت تمعن في ارتكاب جرائم الحرب ضد الإنسانية دون وازع أو رادع. وما زالت تمعن في تفريغ الأرض من أهلها لإحلال المغتصبين مكانهم.

 

     لكن هذا الشعب الصابر المصابر لا ييأس ولا تنثني عزيمته، بل يحدوه الأمل بإقامة دولته الحرة المستقلة كاملة السيادة على أرضه، وإن كان الآخرون يرونه بعيداً، فإننا نراه قريباً، ونؤمن بان أسرانا المظلومين المقهورين هم من سيحملون مشعل الحرية، ونوقن أيضاً بأن دماء الفلسطينيين الزكية التي سفكت ظلماً وعدواناً لن تضيع هدراً، قال سبحانه وتعالى { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } يوسف 21.


: الأوسمة



التالي
الجيش اللبناني مستمر في انتهاكاته ضد اللاجئين السوريين
السابق
الريسوني: طاعة ولي الأمر لا تعني اتباعه في الباطل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع