البحث

التفاصيل

الأبعاد الحضارية لرسالتنا

الرابط المختصر :

 إن هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده ,هو دين الإنسانية كلها , ودين الأماكن كلها , ودين الأزمان كلها ... هو الدين الذي اتسعت أبعاده ، وامتدت رسالته - علي حد تعبير الإمام البنا ( رحمه الله ) - حتي شملت آباد الزمن , وامتدت عرضا حتي انتظمت آفاق الأمم , وامتدت عمقا حتي استوعبت شئون الدنيا والآخرة .
ولما كانت لهذا الدين هذه الخصائص وتلكم الميزات أضع أمامكم بعض الأبعاد الحضارية لرسالتنا , حتي لا نبعد كثيرا عن أهدافها السامية , ومقاصدها الكلية العالية .. وتلكم الأبعاد – كما أراها – تتمثل في الآتي:
1- البعد العالمي : وهو بعد ملحوظ منذ بزوغ شمس الرسالة , { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : ١٠٧ ] .. وقال الرسول صلي الله عليه وسلم : ( وكان النبي يبعث إلي قومه خاصة , وبعثت إلي الناس كافة ) متفق عليه..بل إن أول مايتفوه به المسلم بين يدي الله في صلواته كلها { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة : ٢ ] والمتأمل في الإسلام يجد البعد العالمي شائعا في تعاليمه ومبادئه .. وبهذ البعد العالمي , تتسع آفاق المسلم , ويمتد بصره بامتداد رسالة الإسلام , ويبتعد عن القطرية الضيقة , التي تقزم الفكر وتحدده.! وفي ضوء هذا البعد العالمي , ينبغي أن تكون الدعوة , ويكون الطرح , فرسالتنا أكبر من يحدها قطر , أو تستأثر بها طائفة دون أخري .. فهي رسالة الأزمان كلها , ورسالة الأماكن كلها , ورسالة العوالم كلها.!
2- البعد الرسالي : وتتحدد أهداف هذا البعد الرسالي في إطار البعد العالمي , كما بين القرآن الكريم : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه.. } [ آل عمران : ١١٠ ] فما أخرجنا الله , وما كلفنا بدعوته إلا لهداية الناس جميعا .. فمهما كانت المعوقات , ومهما زادت الإساءات .. لاننسي البعد الرسالي , ومسؤوليتنا التي حملنا الله إياها تجاه البشرية كلها. وهذا مايقتضي مراعاة الآتي – في دعوتنا وطرحنا - : - تصحيح المفاهيم والثقافات المغلوطة عند المسلمين , وغير المسلمين . - إيقاظ الأمة بالالتفاف حول قضاياها الكلية , وأمورها المصيرية , فلا تستهلك طاقاتها , وتبدد جهودها في قضايا جزئية ومعارك وهمية.! - تقديم الإسلام بصورة تتواءم ومتطلبات العصر , فهو دين الزمن كله , والأماكن كلها . - تصحيح صورة الإسلام وتقديمه كما أراده الله رحمة للعالمين
3- البعد الإنساني : فالإنسان هو محل خطاب وحي السماء , وتزكيته هي مدار اهتمام المرسلين والأنبياء .. كرمه الله وميزه علي سائر مخلوقاته : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [ الإسراء : ٧٠ ] فمراعاة البعد الإنساني في شريعتنا يتقدم علي كل الأبعاد , حتي دعت الشريعة إلي كل ما يحفظ كرامة الإنسان – حيا وميتا - , ومنعت كل مايستنقص منها..
قام رسول الله صلي الله عليه وسلم لجنازة مرت أمامه , فقيل له : إنه غير مسلم , فقال صلي الله عليه وسلم : ( أو ليس إنسانا ). البخاري في الجنائز. ولقد قال الإمام علي – كرم الله وجهه - : الناس أحد أخوين : أخ لك في الدين ونظير لك في الخلق. ولذا ينبغي أن يكون البعد الإنساني في صدارة أولوياتنا , متغلغلا في دعوتنا , ساريا في سائر معاملاتنا•
4- البعد الأخلاقي : وهذا البعد هو لحمة رسالتنا وركيزة دعوتنا . فالدين هو الخلق , فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين , وما أثني الله علي نبيه إلا بالخلق – مع أنه الفذ في كل شيء - : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : ٤ ] .
فلا عجب أن جعله النبي – صلي الله عليه وسلم - الهدف الأسمي لبعثته : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) صححه الألباني. والذي أعنيه هنا – في المقام الأول – من هذا البعد : أمانة الكلمة ومسؤوليتها . فالكلمة الطيبة الهادفة المختارة – في إطار الأبعاد السابقة – تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها , كما قال تعالي : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [ إبراهيم : ٢٤-٢٥ ]. وأمانة الكلمة ومسؤوليتها توجب علينا الأمور التالية : - أن تكون كلماتنا وطرح أفكارنا في إطار الحرص علي هداية الناس , وتحبيبهم في دينهم , وتأليف قلوبهم . - البعد عن التجريح , وعن اتهام النيات , وعن تصفية الحسابات .
- تمحيص الفكرة وتحريرها – شكلا ومضمونا - قبل نشرها , ومراجعة أهل الاختصاص - ما أمكن - ليكون لها جمال الشكل وسلامة الموضوع .
- أن تنبع الكلمة من روح الفريق لا من روح الفصيل , لتجمع ولا تفرق , وتؤلف ولا تنفر , وتحبب ولا تبغض , وتبني ولا تهدم ..
وأخيرا , فلنعلم أن الولاء لرسالتنا بأبعادها الحضارية ( العالمية والرسالية والإنسانية والأخلاقية ) هو أكبر وأهم من انتماءاتنا الذاتية والطائفية والقطرية المحلية , فضلا علي أنه ضرورة بشرية , ومسؤولية شرعية .


: الأوسمة



التالي
ما بعد رمضان
السابق
القرة داغي: قنوات الرذيلة الأحق بالإغلاق.. لا قناة الجزيرة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع