البحث

التفاصيل

غزوة تبوك

بعد أن أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- سرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالرومان في مؤتة، وإن لم تنجح في أخذ الثأر من أولئك الظالمين المتغطرسين، إلا أنها تركت أثراً كبيراً في نفوس العرب والروم معاً، وما إن انتهت معركة مؤتة، حتى أخذ قيصر يهيئ الجيش من الرومان والغساسنة، ويجهز لمعركة فاصلة مع المسلمين.
وكانت الأنباء تترامى إلى المدينة بإعداد الرومان للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين، حتى كانوا لا يسمعون صوتاً غير معتاد إلا ويظنونه زحف الرومان، وطفق المنافقون يأملون في تحقيق ما كانوا يخفونه في صدورهم، وما كانوا يتربصونه من الشرّ بالإسلام وأهله. وأنشأوا مسجد الضرار كفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله.
وكان الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة يؤكدون أن هرقل قد هيأ جيشاً عظيماً قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطى قيادته لعظيم من عظماء الروم، وأن نصارى العرب انضمت إليه.
كان الزمان زمان القيظ شديد، والناس في عسرة وجدب، وقلة من الظهر، وكانت الثمار قد طابت، فكانوا يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ومع هذا كله كانت المسافة بعيدة، والطريق وعرة صعبة.
ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يرى أنه لو توانى وتكاسل عن غزو الرومان في هذه الظروف الحاسمة، وتركهم يزحفون إلى المدينة؛ لكان لهذا أسوأ أثر على الدعوة الإسلامية، وعلى سمعة المسلمين العسكرية.
فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بأن يتجهزوا للقتال، وبعث إلى القبائل من العرب وإلى أهل مكة يستنفرهم، وجلَّى للناس أمرهم، وأعلمهم ليتأهبوا أهبة كاملة.
تسابق المسلمون إلى امتثال أمره -صلى الله عليه وسلم- فقاموا يتجهزون للقتال، كما تسابقوا في إنفاق الأموال وبذل الصدقات. وكان أكثرهم عثمان بن عفان، حتى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم»، وجاء عمر بنصف ماله، وجاء أبو بكر بماله كله، ولم يترك لأهله إلا الله ورسوله، وكانت أربعة آلاف درهم، وهو أول من جاء بصدقته، وبعثت النساء ما قدرن عليه من حليهن. ولم يبخل بماله إلا المنافقون «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ».
ثم تحرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد تبوك، وكانت في الجيش قلة شديدة بالنسبة إلى الزاد والمراكب، حتى سُمي جيش العسرة.
واشتدت في الطريق حاجة الجيش إلى الماء، حتى شكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا الله، فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجاتهم من الماء.
نزل الجيش الإسلامي بتبوك، فعسكر هناك، وهو مستعد للقاء العدو، وقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم خطيباً، يقوي من حماستهم، ويذكرهم بوعد الله لهم. وأما الرومان وحلفاؤهم فلما سمعوا بزحف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذهم الرعب فلم يجترئوا على التقدم واللقاء، فكان لذلك أحسن أثر بالنسبة إلى سمعة المسلمين العسكرية، في داخل الجزيرة وأرجائها النائية. وحصل بذلك المسلمون على مكاسب سياسية كبيرة خطيرة، لم يكونوا يحصلون عليها لو وقع هناك اصطدام بين الجيشين.
ورجع الجيش الإسلامي من تبوك مظفراً منصوراً، لم ينل كيداً، وكفى الله المؤمنين القتال، ولما لاحت للنبي -صلى الله عليه وسلم- معالم المدينة من بعيد قال: «هذه طابة، وهذا أحد، جبل يحبنا ونحبه».
واستغرقت هذه الغزوة خمسين يوماً، أقام منها عشرين يوماً في تبوك، والبواقي قضاها في الطريق. وكانت هذه الغزوة آخر غزواته صلى الله عليه وسلم.
وكان لهذه الغزوة أعظم أثر في بسط نفوذ المسلمين وتقويته على جزيرة العرب، وبطلت بقايا أمل كانت تتحرك في قلوب بقايا الجاهلين والمنافقين الذين كانوا يتربصون الدوائر بالمسلمين، ويعقدون آمالهم بالرومان، وأيقنت كذلك القبائل التي كانت تعمل لحساب الرومان أن اعتمادها على سادتها الأقدمين قد فات أوانه، فانقلبت لصالح المسلمين.;


: الأوسمة



السابق
مبادئ التعايش

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع